كيف أثرت حرب أوكرانيا على واقع الأمن والإرهاب الدولي؟
شبكة المدارالإعلامية الأوروبية…_لا تزال التداعيات الناتجة عن الحرب في أوكرانيا مستمرة على المستوى الدولي والإقليمي، حيث لم تؤد الحرب في أوكرانيا إلى إعادة ترتيب جيوسياسي فحسب، بل تسببت في العديد من الأزمات. وساهمت الحرب في أوكرانيا إلى خلق نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وتصاعد المخاوف من تنامي التطرف والإرهاب، وتعطيل طرق التجارة وسلاسل التوريد، بل وصل الأمر إلى تأثيرها على سباق التسلح النووي.
نقص أنظمة التسليح لحلف “الناتو”
تواجه دول “الناتو” نقصاً حاداً في الأسلحة والذخائر بصورة تشل قدرة جيوشها على خوض أي حرب محتملة في المستقبل القريب، واتضح ذلك في الخلافات التي دبت بين الدول الأعضاء فيما يتعلق بإمدادات السلاح إلى أوكرانيا وتخوف كل دولة على مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة. لا سيما أن مصانع السلاح التابعة لدول “الناتو” كشفت أنها لن تستطيع تسليم طلبيات الأسلحة والذخائر الجديدة، قبل عامين ونصف من تاريخ طلبها، بعدما أشارت تقديرات ، إلى أنه يتم تسليمها خلال عام.
ينتج عن ذلك خلق مشاكل كبرى تعيق قدرة الحلف على تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة بالكفاءة المطلوبة، وصعوبة تعويض نقص أنظمة التسليح المختلفة في المدى القصير. تشير المعطيات أنه من شأن أوجه القصور هذه أن تجعل من الصعب للغاية على واشنطن الاستمرار في أي صراع طويل الأمد، ومن المرجح أن تنفد بعض الذخائر مثل الذخائر بعيدة المدى والموجهة بدقة في أقل من أسبوع واحد في حالة اندلاع نزاع أمريكي مع الصين في مضيق تايوان.
تنامي نفوذ الصين
استخدمت الصين بالفعل أزمة أوكرانيا ومبيعات الأسلحة لتأمين حقوق إنشاء القواعد العسكرية وإعادة توجيه الحكومات المتلقية بعيداً عن النفوذ الأمريكي، وتوسيع نطاقها الجيوسياسي مع الحد من وصول الولايات المتحدة إلى الموانئ والقواعد الأجنبية. فعلى سبيل المثال يمهد رفض “جزر سليمان” السماح بدخول السفن البحرية الأمريكية والبريطانية إلى الموانئ في أغسطس 2022، بعد بضعة أشهر فقط من توقيع اتفاقية أمنية مع الصين في أبريل 2022 بعصر جديد متعدد الأقطاب تواجه فيه قدرة الولايات المتحدة ودول الناتو على المناورة العالمية تحديات متزايدة.
تدفق المقاتلين الأجانب
توجه إلى أوكرانيا مرتزقة ومقاتلون أجانب، هم أوروبيون أو أفارقة أو أميركيون أو نازيون جدد أو”جهاديون”، بهدف الانضمام إلى هذا المعسكر أو ذاك، ما أدّى إلى تعقيد الأمور أكثر من تيسيرها. تختلف التقديرات بشأن أعدادهم اختلافاً كبيراً لكن ما من مصدر موثوق في كلّ الأحوال. فالبعض من يقدّرهم بالآلاف والبعض الآخر بعشرات الآلاف. لا يتلقى المقاتلون الأجانب أي تدريب مسبق “تكون لديهم قدرة أقل على الالتزام بقواعد القانون الدولي” وهو ما يهدد أمن المدنيين في أوكرانيا وهذا النقص في التدريب والتوعية بقانون الحرب يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الفوضى وانتقالها إلى دول الجوار وتهديد الأمن الإقليمي والدولي .
يقول “جيمس راندز” المحلّل في معهد الاستخبارات البريطاني “Janes” في الأول من أبريل 2022 ” كلا المعسكرين يجاهران بين الفينة والأخرى بوجودهم، إذ يشكّل “المقاتلون الأجانب أداة دعائية مهمّة”. ويلفت إلى أنه “بالنسبة إلى الأوكرانيين، يوجّه وجود المتطوّعين الأجانب إشارة إلى الجنود والمدنيين أنهم يتلقّون دعماً دولياً. أما بالنسبة إلى الروس، فإن الشيشانيين و(مقاتلي) مجموعة فاغنر هم وحدات تستمدّ خبرتها من نزاعات سابقة”.
تعطيل طرق التجارة وسلاسل التوريد
تسببت أزمة أوكرانيا في 23 فبراير 2023 في تعطيل طرق التجارة وسلاسل التوريد وطرق التجارة بل أدى أيضا إلى انخفاض النشاط الاقتصادي في أوكرانيا وروسيا وتأثر دوائر الإنتاج وموانئ التصدير الأوكرانية كما كان له تأثير أيضًا على التجارة العالمية ومنها المبادلات التجارية. من المحتمل مع عدم وجود نهاية للحرب الأفق يظل التهديد الرئيسي متمثلاً في التصعيد، بما في ذلك استخدام روسيا لأسلحة نووية في ساحة المعركة، وهذا من شأنه أن يلقي بالتوقعات الخاصة بالاقتصاد العالمي.
يرى “لي زيكو” الباحث في مركز الدراسات الاستشرافية والمعلومات العالمية” في الثامن من سبتمبر 2022 ” إلى أن “وضع الاقتصاد العالمي حاليا شبيه بذلك الذي كان سائداً في سبعينيات القرن الماضي حين أدت صدمة أزمات الطاقة الى التضخم ورفع معدلات أسعار الفائدة ومن ثم الركود وانهيار اقتصادات بعض البلدان النامية”. وقد خلصت الدراسة إلى أن ” تداعيات الحرب في أوكرانيا قد تؤدي إلى وضع يُعيد فيه التاريخ نفسه”.
تدهور الأمن الغذائي
لا تزال الحرب في أوكرانيا هي المحرك الرئيسي للأزمات الغذائية حيث تسببت الحرب في أوكرانيا في تأثير سلبي على أنظمة الأمن الغذائي على الصعيد الدولي بسبب المساهمات الرئيسية لكل من أوكرانيا وروسيا في الإنتاج العالمي والسلع الغذائية الأساسية. أعلنت الأمم المتّحدة في الثالث من مارس 2023 أنّ عدد من احتاجوا إلى مساعدة غذائية عاجلة العام 2022 ارتفع من جرّاء النزاعات إلى (258) مليون نسمة، مقابل (193) مليونًا في 2021. وزادت شدة انعدام الأمن الغذائي من (21.3%) عام 2021 إلى (22.7%) عام 2022، وظلت مرتفعة بشكل غير مسبوق وسلطت الضوء على اتجاه مقلق لتدهور حالة انعدام الأمن الغذائي الحاد على مستوى العالم. ويُعتبر هذا المعدل الأعلى الذي تم تسجيله على الإطلاق، منذ عام 2017.
تنامي التطرف والإرهاب
دعا داعش إلى استغلال انشغال أوروبا بالحرب الدائرة في أوكرانيا في 24 مايو 2022 واستغلال “الفرصة المتاحة” لشن هجمات إرهابية وحث تنظيم “القاعدة” أنصاره للحصول على بعض من الأسلحة التي يُجرى تسليمها إلى المدنيين في أوكرانيا واستخدامها لشن هجمات ضد البلدان الأوروبية. تنامت التحذيرات من إن الأسلحة المتطورة التي يزود بها الغرب أوكرانيا تشق طريقها إلى السوق السوداء ثم إلى أيدي الجماعات المتطرفة والإجرامية في الشرق الأوسط ووسط إفريقيا وآسيا. بات تدفق الأسلحة من أوروبا باتجاه الدول الأفريقية بسبب الحرب في أوكرانيا ملحوظاً بشكل كبير، وأن الأمر لم يعد يقتصر على الجماعات المتطرفة بل وصل إلى مدنيين وجماعات الجريمة المنظمة في 28 فبراير 2023.
سباق التسلح النووي
تتوسع تداعيات الحرب في أوكرانيا، إذ وصلت إلى ما يخشاه الجميع من تأثيرها على سباق التسلح النووي بين روسيا والولايات المتحدة. علّقت روسيا في 12 فبراير 2022 مشاركتها في المعاهدة الروسية الأمريكية “نيو ستارت” التي تهدف إلى نزع السلاح النووي، وهي آخر معاهدة لمراقبة الأسلحة بين أكبر دولتين نوويتين في العالم، روسيا والولايات المتحدة. ويلاحظ أن روسيا تستخدم الاتفاقية بهدف تقليل الدعم الغربي لأوكرانيا.
تعني المعاهدات غالبا الأسلحة النووية الأمريكية والروسية، بينما يبقى (90%) من التسلح النووي عبر العالم خارج مدار الاتفاقيات، ومن أكبر الدول التي تغيب عنها، توجد الصين، ما يخلق قلقاً أمنياً كبيراً خصوصاً لحجم قوتها النووية، وكذلك لغياب التواصل بينها وبين الولايات المتحدة حول موضوع التسلح النووي.
عالم متعدد الأقطاب
أدت حرب أوكرانيا إلى إلى إحداث تغييرات في أجزاء من النظام العالمي، بما في ذلك تشكيل كتل جديدة لم يشهدها العالم منذ الحرب الباردة. زادت الحرب من حدة النزاعات والمواجهة، فضلاً عن الاتجاه العالمي الحالي للدول لتشكيل كتل تتمحور حول واشنطن وبكين. تحولت آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان وإفريقيا والمحيط الهندي والمحيط الهادئ ساحات معركة على النفوذ بين قوى مثل الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا – سواء من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية أو إبرام صفقات في التجارة أو التعاون العسكري أو الدبلوماسي.
بدأت روسيا والصين وقادة القوى الناشئة مثل الهند والبرازيل، وحتى بعض الحلفاء المهمين لأميركا مثل ألمانيا وفرنسا يعربون عن رغبتهم في نظام متعدد الأقطاب. بالتزامن مع سعي واشنطن بقوة لإلحاق هزيمة عسكرية بروسيا في أوكرانيا، وتجتهد في تقويض صعود الصين. بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، تمثل الحرب في الوقت نفسه فرصة لأن يظهر قدرته على التحرك كجهة فاعلة رئيسية، فضلاً عن خطر أن يؤدي دور تابع لواشنطن من جديد.
تقول “أنالينا بيربوك” وزيرة الخارجية الألمانية في 20 مارس 2023 لقد تغير العالم منذ الحرب الباردة. ظهرت جهات فاعلة جديدة. وبفضل قوتها الاقتصادية، أصبحت أوروبا لاعباً قوياً في العالم. وأصبحت الصين واحدة من أقوى القوى الصناعية، والتي، للأسف، تتحرك في نفس الوقت أبعد وأبعد عن القواعد الدولية لكن الديمقراطيات الكبيرة مثل الهند والبرازيل ونيجيريا تلعب أيضاً دوراً مهماً اليوم”. وتابعت: “نحن لا نعيش في عالم منقسم إلى قسمين، ولكن في عالم متعدد الأقطاب مع لاعبين مختلفين وتحديات عالمية لا يمكننا حلها إلا معاً”.
تقييم وقراءة مستقبلية
– تسبب الحرب في أوكرانيا في أزمة لاجئين، حيث فر العديد من الأوكرانيين من الصراع وأثارت الحرب في أوكرانيا مخاوف حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي مما أجبر العديد من الدول الأوروبية للحصول على العضوية بعد عقود من الحياد الرسمي.
– أدت الحرب في أوكرانيا إلى سباق تسلح جديد حيث كثفت الولايات المتحدة إنتاج الأسلحة لتحل محل المخزونات المشحونة إلى أوكرانيا. خططت فرنسا لزيادة الإنفاق العسكري بمقدار الثلث بحلول عام 2030 ، بينما تخلت ألمانيا عن حظرها الطويل الأمد على إرسال الأسلحة.
– عطلت الحرب التجارة العالمية التي كانت لا تزال تتعافى من “كوفيد 19″ وارتفعت أسعار المواد الغذائية والطاقة، نظرًا لأن روسيا وأوكرانيا من الموردين الرئيسيين للسلع والمواد الغذائية الأساسية.
– أدى الصراع إلى توسيع الصدع بين النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة” من جانب، وشجع الصين القوة العظمى الصاعدة من ناحية أخرى. تصاعدت المخاوف بشأن التصعيد النووي والذي ازداد بعد إعلان روسيا تعليقها المشاركة في معاهدة “نيو ستارت”.
– أوضحت الأزمة الحالية بوضوح أنه للفوز في حرب كبرى، يجب أن تعتمد الدولة على نفسها لتلبية الاحتياجات العسكرية والاقتصادية. لا تزال كل من أوكرانيا وروسيا تعتقدان أنهما قادران على تحقيق أهدافهما في ساحة المعركة، مما يجعل من الصعب رؤية أي مسار واضح لإنهاء الصراع عن طريق التفاوض.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات