الطموحات العالمية والأزمة التونسية قد تدفع الجزائر إلى إعادة النظر في سياسة عدم التدخل
سابينا هينبرج
شبكة المدارالإعلامية الأوروبية…_بإمكان واشنطن أن تدفع الجزائر نحو اعتماد استراتيجيات أكثر فعالية في الخارج من خلال إشراكها في الجهود المكثّفة المتعددة الأطراف، وأن تُحسّن في الوقت نفسه الوضع السياسي والاقتصادي في تونس.
أثارت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى موسكو في حزيران/يونيو استياء الكثير من القادة في العواصم الغربية، الذين رأوا في هذه الخطوة إشارة واضحة إلى ولاء الجزائر لروسيا حيال النزاع في أوكرانيا. ولكن فيما يتعلق بتونس، جارة الجزائر، تقف الجزائر والغرب في صف واحد حيث لهما هدف مشترك هو منع عدم الاستقرار، وإن اختلفت دوافعهما. ومع ذلك، فإن الأدوات المتوفرة للجزائر للمساعدة على حل هذه المشاكل ترتكز على عقيدة عدم التدخل التي لطالما انتهجتها البلاد في سياستها الخارجية، لذا فإن الحلول المقترحة حتى الآن غير كافية. فحاجة الجزائر إلى مساعدة جارتها على الخروج من أزمة فورية، على الأقل لتحقيق مصالحها الخاصة، إلى جانب طموحاتها في القيادة الدبلوماسية على المستوى الإقليمي والعالمي، قد توفر فرصة للجزائر لإعادة النظر في سياساتها وتوسيع نطاق انخراطها في الخارج. ويمكن أن تساهم الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوروبي” في دفع عجلة هذا التحول.
مخاوف الجزائر بشأن الأمن الإقليمي ومكافحة التطرف العنيف
بينما لا تزال تونس غارقة في الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يتزايد قلق الجزائر بشأن جارتها الواقعة على حدودها الشمالية الشرقية. فمنذ انتفاضات عام 2011 التي أطاحت بديكتاتورَي تونس وليبيا، تزايدت مخاوف الجزائر بشأن الأمن الإقليمي، لا سيما فيما يتعلق بالتطرف العنيف. وكان لذلك تداعيات مباشرة على العلاقة بين الجزائر وتونس. وفي أعقاب تلك الانتفاضات، دخلت الأجهزة الأمنية التونسية، التي تفتقر إلى خبرة نظيراتها الجزائرية في مكافحة التطرف، في حالة اضطراب، مما ترك فراغاً جعل المناطق القريبة من الحدود الجزائرية أكثر عرضة للهجمات. وفي السنوات العديدة اللاحقة، واجهت تونس صعوبات مستمرة في احتواء النشاط المتطرف، على الرغم من المساعدة المتزايدة التي قدّمها الشركاء الأجانب مثل الولايات المتحدة وفرنسا. كما أرسلت تونس أعداداً غير متناسبة من المقاتلين للانضمام إلى الحركات الجهادية التي سعت إلى إقامة خلافة في سوريا والعراق.
لحسن الحظ، تحسن التعاون بين تونس والجزائر، لا سيما منذ توقيع اتفاقية ثنائية في أيار/مايو 2014، والتي عززت تبادل المعلومات الاستخباراتية والتواصل والتنسيق العملياتي. ومن ناحية أخرى، أدى سقوط الزعيم الليبي معمر القذافي في عام 2011 إلى مفاقمة مخاوف الجزائر الأمنية على طول حدودها الجنوبية. ولم تمنع عملية المصالحة الوطنية عام 2006 بين الحكومة الجزائرية والمتمردين المسلحين بعد حرب أهلية دامت عقداً من الزمن، فلول الجماعات المتطرفة من الانتقال إلى مالي، حيث انضموا إلى جماعات مسلحة محلية أخرى، التي استفادت جميعها من تدفق جديد للأسلحة من مخابئ القذافي بدءً من عام 2011. وعلى الرغم من محاولات الوساطة المستمرة التي قامت بها الجزائر، إلّا أن تحالف من الجماعات المتطرفة سيطر على المناطق الشمالية في مالي على مدار عام 2012، وهاجم في كانون الثاني/يناير 2013 وحدة إنتاج الغاز في عين أميناس في منطقة تيقنتورين جنوب شرقي الجزائر بالقرب من الحدود الليبية، مما أدى إلى مقتل نحو 38 شخصاً. وشكّل امتداد الاضطرابات الإقليمية إلى الجزائر منعطفاً رئيسياً في تغيير النهج الأمني للجزائر.
ضبط الحدود
تمتد المنطقة الحدودية الجبلية بين الجزائر وتونس التي يبلغ طولها 1000 كلم على طول المنطقة الشمالية الشرقية من الجزائر المكتظة بالسكان وما زالت تمثل تحدياً اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً للجزائر. وعلى الرغم من أن الحكومتين عززتا جهودهما في السنوات الأخيرة لتأمين هذه المناطق، تزدهر فيها الأنشطة غير المشروعة. وتشمل هذه الأنشطة بالدرجة الأولى التهريب، حيث توفر فروق الأسعار على جانبي الحدود فرصاً لتحقيق الأرباح من تبادل البنزين والماشية وقطع غيار السيارات والأجهزة الإلكترونية والمعكرونة وغيرها من السلع المتنوعة.
ويشكل التواطؤ المكثف بين المهربين ومسؤولي الأمن المحليين معضلة للسلطات الجزائرية. فمن ناحية، يحد هذا التواطؤ من حركة الأسلحة والمخدرات والإرهابيين، لأن المهربين مستعدون لتزويد مسؤولي الأمن بمعلومات عن هذه الأنشطة، نظراً للتهديدات التي تشكلها على أعمالهم الخاصة. ويوفر التهريب أيضاً مصدراً للدخل وسبيلاً لكسب العيش في هذه المناطق الحدودية المحرومة. ومع ذلك، فإن أي حملة تنظمها السلطات المركزية ضد التهريب من شأنها أن تؤدي إلى مقاومة من قبل السكان المحليين، وربما تنعكس في شكل اضطرابات كبيرة. وتتكبد الجزائر خسائر كبيرة في الدخل من جرّاء التهريب. وبما أن العلاقة بين المهربين ومسؤولي الأمن تعتمد إلى حد كبير على الرشاوى، فإنها تخاطر بإضعاف الأمن الحدودي والسماح بحدوث المزيد من الأنشطة الشائنة.
الروابط مع أوروبا
بالإضافة إلى التهديدات التي تفرضها حركة الأسلحة والمخدرات والإرهابيين، تسمح الحدود الجزائرية القابلة للاختراق بتهريب المهاجرين، الأمر الذي يمثل مصدر قلق متزايد لأوروبا. وقد أصبحت تونس نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين الذين يسعون لعبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، وقد أشار المسؤولون التونسيون مؤخراً إلى زيادة في الهجرة غير النظامية من أنحاء أخرى من أفريقيا عبر الحدود الجزائرية التونسية. وفي ظل هذه المخاوف المشتركة، جدد المسؤولون الجزائريون والإيطاليون مؤخراً التزامهم بتحقيق الاستقرار معاً في تونس. وأعقب ذلك إعلان “الاتحاد الأوروبي” في حزيران/يونيو عن عزمه تقديم 100 مليون يورو لتونس لإدارة الحدود ومكافحة التهريب. وسيشمل الاتفاق أيضاً دعماً لتونس لمساعدة المهاجرين من البلدان الثالثة على العودة إلى بلدانهم الأصلية أو لتطوير مسارات قانونية لهم، ولإعادة المهاجرين من أصل تونسي أيضاً.
وتُعد الجزائر أيضاً المصدّر الرئيسي للغاز في شمال أفريقيا، ويتدفق جزء منه أيضاً عبر تونس إلى إيطاليا وبالتالي أوروبا (بالإضافة إلى خط أنابيب ثانٍ يربط الجزائر بإسبانيا مباشرةً). ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، عمّقت إيطاليا والجزائر شراكاتهما الثنائية، واتفقت الدولتان على بناء خط أنابيب جديد يربط الجزائر بإيطاليا مباشرةً عبر سردينيا. ولكن في الوقت الحالي، لا تزال تونس جزءاً من هذه العلاقة الثلاثية، مما يجعل استقرارها أكثر أهمية.
أخيراً، تجمع علاقة سيئة بين الجزائر والمغرب، جارتها من الغرب، تعزى بشكل خاص إلى الأراضي المتنازع عليها في الصحراء الغربية، ودفعها ذلك إلى كسب ود تونس. ونظراً لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل في كانون الأول/ديسمبر 2020 أصبحت هذه المسألة – التي كانت تونس محايدة تاريخياً بشأنها – معقدة بشكل خاص. ومنذ ذلك الحين، سعت الجزائر إلى منع تونس من الاعتراف بالسيادة التي يطالب بها المغرب على الأراضي المتنازع عليها تجنباً لعزلها داخل المنطقة.
دعم الجزائر لتونس
منذ عام 2011، تدعم الجزائر جارتها من الجهة الشمالية الشرقية في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية. على سبيل المثال، في عام 2013، استضاف الرئيس آنذاك، عبد العزيز بوتفليقة، سلسلة من المحادثات بين قادة الحركات الإسلامية والعلمانية، مع تصاعد التوترات بين الطرفين. وساعدت تلك الجهود في النهاية المعسكرين على تجاوز مأزقهما السياسي.
وشكلت المساعدات الاقتصادية أيضاً ركيزة رئيسية للعلاقة بين البلدين، بالنظر إلى عجز تونس عن التغلب على مصاعبها الاقتصادية التي انطلقت شرارتها مع أحداث عام 2011 وفاقمتها المشاكل الهيكلية الأساسية. فمنذ أيار/مايو 2014، قدمت الجزائر سلسلة من حزم المساعدة الاقتصادية لتونس، عن طريق مزيج من القروض والودائع والمنح بشكل عام. وشملت الحزمة الأخيرة قرضاً بقيمة 200 مليون دولار وهبة بقيمة 100 مليون دولار في أوائل كانون الأول/ديسمبر 2022، قبل فترة وجيزة من الانتخابات البرلمانية التونسية التي توّجت خارطة الطريق السياسية المثيرة للجدل التي طرحها الرئيس قيس سعيّد. وفي غضون ذلك، حافظت الجزائر على القيمة المنخفضة للمدفوعات المترتبة على تونس مقابل الكهرباء والغاز الذي يتدفق عبر خط أنابيب “ترانسميد” إلى إيطاليا والتي تحتفظ به تونس لاستخدامها الخاص، حتى أنها وافقت على تأجيل المدفوعات في مناسبات معينة. وفي الآونة الأخيرة، مع تصدي تونس لقرض من “صندوق النقد الدولي” تحتاج إليه لمنع تخلفها عن السداد، أفادت بعض التقارير أن الجزائر نظمت “اجتماعاً للمانحين” مع دول الخليج العربي لجمع ما بين 3 و 4 مليارات دولار (ما يفوق قرض “صندوق النقد الدولي”).
وعلى الرغم من الدعم الاقتصادي للجزائر، شهدت العلاقات السياسية بين البلدين توترات في السنوات الأخيرة، حيث خففت الجزائر من حين لآخر من مظاهر دعمها الأولية للإجراءات القاسية لسعيّد. ولعل عدم استعداد تونس لدعم موقف الجزائر علناً بشأن نزاع الصحراء الغربية (المزيد من التفاصيل أدناه) قد ساهم في تأجيل إعادة فتح الحدود البرية بين الجزائر وتونس في ربيع عام 2022، والتي تم إغلاقها قبل ذلك بعامين لاحتواء انتشار جائحة “كوفيد-19”. وكانت إعادة فتح الحدود حاسمة لإعادة إحياء السياحة في تونس – وهي صناعة رئيسية تعد الجزائر مساهماً رئيسياً فيها. ويُعتقد أنه حتى تقاسم الموارد الطبيعية مثل المياه الجوفية يشكل مصدر توتر متزايد، مما يعكس غياب التعاون الكافي في مجالات متعددة.
حدود الدعم الجزائري لتونس
في حديث للرئيس تبون من روما في أيار/مايو 2022، عرض الرئيس الجزائري مساعدة تونس على “العودة إلى المسار الديمقراطي”. وخلال مقابلة مع “قناة الجزيرة” في أوائل عام 2023، عرض أيضاً المشاركة في حوار “لمنع انهيار” الحكومة التونسية، إلا أن سياسيي ونشطاء المعارضة التونسيين رفضوا هذين العرضين باعتبارهما تدخلاً في الشؤون الداخلية لتونس.
بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من إصرار المسؤولين الجزائريين على أن مشاركة بلادهم لن تتم إلا بدعوة من التونسيين، قال سعيّد إن مسؤولية عقد حوار وطني تقع على عاتق البرلمان. كما أن عدم قدرة خصومه على إرغامه على المشاركة في حوار بشأن الأزمة الحالية يجعل الاحتمال برمته بعيد المنال، سواء بتدخل جزائري أم بدونه.
ويتناسب عرض تبون تماماً مع السياسة الخارجية التي لطالما انتهجتها الجزائر والمتمثلة في الإصرار على الحلول الدبلوماسية ورفض التدخل العسكري. ويعكس هذا النهج، الذي يستمد جذوره من حرب الاستقلال الدامية التي خاضتها الجزائر ضد فرنسا بين عامَي 1954 و 1962، إيماناً راسخاً بمبادئ السيادة الوطنية وعدم التدخل. وقد دفع ذلك البلاد إلى الاضطلاع بدور الوساطة بشكل متكرر، لا سيما في النزاعات الأفريقية، والمساهمة بشكل نشط في المنظمات المتعددة الأطراف مثل “الاتحاد الأفريقي”.
لكن النقاد يعتبرون أن الجزائر تواجه صعوبة متزايدة في الحفاظ على هذا النهج. على سبيل المثال، بينما تسعى الجزائر جاهدةً إلى إيجاد حلول للنزاعات عن طريق الوساطة، إلّا أنه لا يمكنها في الوقت نفسه أن تبقى مصرة على أنه ليس لها دور في المفاوضات حول قضية الصحراء الغربية، والتي تدّعي أنه ينبغي التعامل معها ضمن إطار ثنائي بين المغرب وجبهة البوليساريو (التي تمثل حركة استقلال الصحراويين). وبالمثل، لعبت الجزائر دور الوسيط الرئيسي في كل من ليبيا ومالي، ولكن يبدو أن التوصل إلى اتفاق سياسي دائم ما زال بعيد المنال، وما يشير أيضاً إلى أنه ربما من الضروري إعادة النظر في نهج الجزائر.
فضلاً عن ذلك، تراجعت الجزائر إلى حد ما عن ترددها الأولي في التدخل عسكرياً في مالي في أعقاب هجوم عين أميناس، من خلال إرسالها الدعم المادي واللوجستي إلى حكومة باماكو. وفي الوقت نفسه، تعرّضت الجزائر لانتقادات كبيرة في ليبيا في أوائل عام 2011 لكونها واحدة من الدول العربية القليلة التي عارضت التدخل الدولي، ولعب المغرب، خصم الجزائر، دور الوسيط الإقليمي الرئيسي. ويشير الخبراء إلى أن التعديلات الدستورية الجزائرية لعام 2020، والتي تسمح بنشر القوات المسلحة خارج حدود البلاد لعمليات حفظ السلام الدولية، تُعد تأكيداً على ضرورة مراجعة مبدأ التدخل غير العسكري.
وفي السنوات الأخيرة، سعت الجزائر أيضاً إلى الاضطلاع بدور أكثر مركزية على المسرح العالمي. ومع ذلك، فإن حماسها للتعاون المتعدد الأطراف لا يتماشى دائماً مع إصرارها على احترام السيادة الوطنية، كما هو الحال في مكافحة الإرهاب العابر للحدود. بالإضافة إلى ذلك، وكما يعتبر البعض، قد يتعارض إحجام الجزائر عن التدخل عسكرياً في الشؤون الخارجية مع مبدأ مسؤولية الحماية الدولي (مبدأ في القانون الدولي ينص على وجوب تدخل الدول في شؤون الدول الأخرى من أجل حماية السكان من الفظائع الجماعية)، لا سيما نظراً لقدراتها العسكرية الضخمة. كما أن تحفّظ الجزائر قد يحد من استجابتها للمخاوف الإنسانية الملحة. باختصار، فإن استعداد الجزائر لتسهيل الحوار بين القوى السياسية المتنافسة في تونس، مثل جهود المساعدة الاقتصادية التي تبذلها، قد لا يشكل سوى حل مؤقت لمشاكل تونس العميقة الجذور.
إن عدم قدرة الجزائر على مواجهة تاريخها المضطرب يضاعف من هذا الخطر. ويعتبر الكثيرون أن هيمنة المؤسسة العسكرية على السياسة، الموروثة من نضالها الثوري والمرتبطة بعدم الاستقرار في تسعينيات القرن الماضي، تعكس عدم قدرة النظام العامة على التكيف مع التغيير. على سبيل المثال، لم يتصدَ النظام بشكل كافٍ للمظالم الكامنة وراء الانتفاضة الجماهيرية الجزائرية في عامَي 2019-2020، وبدلاً من ذلك استخدم الإيرادات المتزايدة من صادرات النفط والغاز للعودة إلى نموذجه التقليدي المتمثل بشراء السلام الاجتماعي. ولا شك في أن هذا النهج الذي ينم عن قصر نظر ينطبق أيضاً على تونس، حيث يُنظر إلى الجزائر إلى حد كبير على أنها تحاول كسب ولاء تونس بشأن قضية الصحراء الغربية بدلاً من اهتمامها فعلياً بالشعب التونسي.
الخاتمة
نظراً لاعتماد تونس على الجزائر للحصول على الغاز والمساعدات الاقتصادية، يجب على واشنطن اعتبار الجزائر شريكاً رئيسياً في مساعدة تونس على العودة إلى مسار أكثر ازدهاراً. ويجب أن يتم ذلك من خلال تعزيز الجهود المتعددة الأطراف والطويلة الأمد التي يمكن للجزائر أن تضطلع فيها دوراً رئيسياً. وفي البداية، يمكن لواشنطن، التي تعمل مع منظمات مثل “اليونيسف” و”البنك الدولي” على تقديم مساعدات طارئة للمجتمعات الأكثر احتياجاً في تونس، أن تشجع الجزائر على الاستفادة من سخائها لتعزيز هذه المساعدات المتعددة الأطراف، وكذلك للتحضير للتدخل الإنساني الطويل الأمد، على الرغم من إحجامها التقليدي عن التدخل.
ويمكن للجزائر أيضاً أن تستغل الفرصة التي توفرها مشاكل تونس لإعادة النظر في استراتيجياتها الخارجية والأمنية. على سبيل المثال، يمكن أن يساهم عملها مع جيرانها لإشراك المجتمعات الحدودية المحلية رسمياً في الجهود الأمنية في تطوير تلك المناطق بالتزامن مع مواجهة التهديدات العابرة للحدود.
وعلى المستوى الإقليمي، قد يتطلب الضغط باتجاه تعزيز المؤسسات من أجل تسهيل التعاون بشأن تونس، بما في ذلك إعادة إحياء اتحاد المغرب العربي المحتضر، تغاضي الجزائر عن تنافسها التقليدي مع المغرب. وهذه مهمة شاقة بل ضرورية إذا أرادت الجزائر تحقيق دور القيادة الإقليمي والعالمي الذي تطمح إليه. وبطبيعة الحال، بما أن تونس لا تمثل سوى التحدي الأخير في سلسلة من التحديات التي يواجهها نهج الجزائر التقليدي في السياسة الخارجية، فإن التخلي عن الوضع الراهن لصالح نموذج أكثر استدامة وإفادة للطرفين من شأنه أن يساهم في ضمان الاستقرار على جميع الجبهات.
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى