ما أهمية دول الساحل الإفريقي لأطراف الصراع الدولي؟

شبكة  المدار الإعلامية الأوروبية …_توجه اهتمام القوى الدولية العظمى مثل روسيا، والصين، والولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد نحو دول إفريقيا لا سيما دول الساحل الإفريقي. يرجع ذلك بسبب موقعها الجغرافي وتوفر الموارد الطبيعية الاستراتيجية. أصبح تنامي النفوذ الصيني والروسي الاقتصادي الأمني يقلق صانعي السياسات الأوروبية والأمريكية، بالتزامن مع تطور علاقات مجموعة “فاغنر” إلى ما وراء التعاون الأمني والعسكري، إلى شبكة من الشراكات مع شركات في مختلف الدول الإفريقية.

مجموعة غرب إفريقيا “إيكواس”

تأسست مجموعة “إيكواس” في عام 1975 بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية بين أعضائها الـ (15) ومقرها العاصمة النيجيرية “أبوجا”، وتدخلت منذ إنشائها في عدد من صراعات القارة الإفريقية. تهدف المجموعة إلى إزالة الحواجز الاقتصادية والسياسية واللغة أمام التجارة بين أعضائها بغية تحقيق التكامل الاقتصادي بينها، وتعزيز التبادل التجاري بين دول المنطقة، وتحقيق الاندماج في مجالات الصناعة والنقل والاتصالات والطاقة والزراعة والمصادر الطبيعية. لوّحت “إيكواس” بإرسال قوات عسكرية إلى النيجر إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في حل الأزمة، ولا يبدو أن كل أعضائها متحمسون للتدخل العسكري.

تعمل قوات حفظ السلام في إفريقيا على تحقيق الاستقرار، ودعم العمليات السياسية، وتنفيذ عدد من المهام ذات الصلة بالأمن. أنشئت على سبيل المثال بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي بموجب قرار مجلس الأمن رقم (2100) في 25 أبريل 2013، لدعم العمليات السياسية في مالي، وطُلِب من البعثة دعم السلطات الانتقالية في مالي على العمل على إستقرار البلاد، وتطبيق خارطة الطريق الانتقالية. تمول البعثة عن طريق حساب مستقل يعتمد سنويا بواسطة الجمعية العامة. أيد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إنهاء مهمة حفظ السلام في مالي بعد أن طلبت مالي مغادرة القوة التي قوامها (13) ألف جندي. تتمركز قوات حفظ السلام التابعة للمنظمة “مينوسكا” في جمهورية إفريقيا الوسطى، ومقرها “بانغي”، وبدأت عملها في 10 أبريل 2014.

تنامي النفوذ الصيني في إفريقيا

يثير النفوذ الصيني والروسي المتنامي في الدول الأفريقية والساحل الإفريقي مخاوف واشنطن، من مغبة توسع الدولتين لها وللغرب عموما في هذه المنطقة. يأتي نمو شركات الأمن الخاصة الصينية بالتزامن مع زيادة بكين لاستثماراتها في مشروعات البنية التحتية الكبرى داخل إفريقيا، وتستثمر الصين كذلك في مشروعات التعدين بجميع أنحاء القارة، وازداد الطلب على الخدمات الأمنية الصينية في إفريقيا بشكلٍ كبير بعد إطلاق مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013، التي تمثل جزءاً من خطة الصين للتفاعل مع القارة.

تتقدم الشركات المملوكة للصين بشكل متزايد على منافساتها الأوروبية من حيث القرارات السريعة والتنفيذ السريع لمشاريعها في إفريقيا، وتعود نجاحات الصين في إفريقيا إلى عدد من الأسباب، أهمها:

أولاً: الأسلوب الذي تقدم به الصين نفسها للقارة باعتبارها إحدى الدول النامية وليس لديها تاريخ استعماري.

ثانيا: تجاوز الشروط الدولية التي يضعها الغرب في تقديم المساعدات والدخول في المشروعات المشتركة.

يقول “جوزيف ساني” نائب رئيس مركز إفريقيا في المعهد الأميركي للسلام في 31 يوليو 2023، إن روسيا “أعادت إحياء اهتمامها بإفريقيا منذ عقد من الزمان”، وأضاف أن “الصين أبدت اهتماماً متزايداً بالقارة خلال السنوات القليلة الماضية”، وأشار “ساني” إلى “نمط محدد تعيد روسيا من خلاله رسم موازين القوى في القارة من خلال الاضطرابات”.

توسيع النفوذ الروسي في إفريقيا

أصبحت روسيا تلعب دوراً أكبر في إفريقيا امتداداً من ليبيا إلى مالي والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق بالإضافة إلى دول الساحل الإفريقي. وتأتي المساعدات الروسية لمالي، فضلاً عما تردد حول عرضها مساعدة في بوركينا فاسو، من أجل تكثيف خطوات روسيا الرامية إلى توسيع قاعدة نفوذها في إفريقيا، سواء على الصعيد الرسمي أو الصعيد غير الرسمي، عبر تقديم تعاون أمني في هيئة تدريبات واستخبارات ومعدات لعدد من الحكومات الإفريقية.

برز التنافس الأميركي الروسي في إفريقيا خلال السنوات الماضية، ويقف وراء هذا التنافس أسباب عدة، أهمها:

أولاً: ثقل القارة في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تمثل فيها ثلث الأصوات، حيث شكّلت (17) دولة من القارة (50%) من الممتنعين عن التصويت على قرار أممي يدين روسيا لحربها على أوكرانيا في مارس 2022.

ثانياً: موارد الطاقة التي زادت الحاجة إليها بعد حرب أوكرانيا، وهناك تنافس على الموقع الإفريقي الذي يزخر بالطاقات المتجددة خصوصاً الشمسية، وتلك التي يجرى توليدها من الرياح.

أمريكا واستراتيجية شاملة جديدة في إفريقيا

رصدت واشنطن (55) مليار دولار لإفريقيا لاستمالة دول القارة نحوها، تتضمن مساعدات في مجال الرعاية الصحية واستكشاف الفضاء. زاد التواجد العسكري الأميركي في القارة منذ تأسيس القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) عام 2007 ليصل إلى عدة آلاف من العسكريين. تركز واشنطن على مكافحة “الإرهاب”، خاصة في دول الساحل بغرب وشمال إفريقيا، ويتمركز معظم العسكريين الأميركيين في “جيبوتي” التي تستضيف القاعدة العسكرية الأميركية الوحيدة داخل أفريقيا.

ترى واشنطن أن بكين تتصرف في إفريقيا وكأنها “ساحة لتحدي النظام الدولي القائم على قواعد ولتعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية الخالصة ولإضعاف علاقات الولايات المتحدة مع الشعوب والحكومات الإفريقية”. أما بالنسبة لروسيا، فترى واشنطن “أن المنطقة تمثل بيئة مستباحة للشركات شبه الحكومية والعسكرية الخاصة، وغالباً ما تخلق حالة من عدم الاستقرار لكسب مزايا استراتيجية ومالية”.

كشفت واشنطن في 8 أغسطس 2022 عن إعادة صياغة شاملة لسياستها في إفريقيا، حيث تعتزم مواجهة الوجود الروسي والصيني عبر (4) أهداف تمتد لخمس سنوات، ذلك من خلال دعم المجتمعات الإفريقية، وتقديم مكاسب ديموقراطية وأمنية، وإتاحة الفرص الاقتصادية، ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف معه والتحول المنصف للطاقة.

يلاحظ أن الشركات الأمريكية لا تستطيع المنافسة ضد الشركات الصينية وغيرها في صناعات معينة، مثل مشروعات البنية التحتية، فالشركات الصينية لديها هياكل أقل تكلفة، وتستفيد من خبرتها العملية في إفريقيا لعقود. في الوقت ذاته، تتمتع بعض الشركات الأميركية بمزايا كبيرة في قطاعات الصحة والتكنولوجيا المالية والطاقة المتجددة. تتمتع الولايات المتحدة على العكس من الصين برصيد كبير من الجاليات الإفريقية المقيمة بالولايات المتحدة، وكثير منهم يحافظون على روابط تجارية مع إفريقيا، وتعمل واشنطن على إشراك الجاليات الإفريقية في مبادرات دعم العلاقات مع القارة.  

الاتحاد الأوروبي مهمة عسكرية جديدة في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل

يعمل الاتحاد الأوروبي على بدء مهمة عسكرية جديدة في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي، والهدف منها “تدريب محدد لنشر عمليات مكافحة الإرهاب”. لا يزال عدد أفراد الشرطة والجيش الأوروبيين الذين سيتم إرسالهم إلى دول خليج غينيا مجهولاً، وبالإضافة إلى الاستعداد لنشر عمليات مكافحة الإرهاب، من المخطط أيضا تعزيز قوات الأمن المحلية ودعمها الفني في 27 أغسطس 2023.

يستخدم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه المساعدات التنموية المقدمة لإفريقيا كورقة ضغط لتحقيق مصالحها لا سيما ضبط الهجرة الغير الشرعية، وإحدى الأدوات التي تجسد تركيز الاتحاد الأوروبي على مراقبة الهجرة هي “الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل إفريقيا”، حيث يقدم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه معظم مساعدات التنمية في العالم، وبلغت هذه المساعدات (75) مليار يورو في عام 2019 نحو ثلث هذه المساعدات تذهب إلى إفريقيا. أثار الانقلاب العسكري في النيجر مخاوف في دول الاتحاد الأوروبي، خاصة في فرنسا، بشأن تأثيره المحتمل على استيراد اليورانيوم لتشغيل محطات الطاقة النووية على المدى الطويل.

كشف استطلاع للرأي في 24 يوليو 2022 أن “الأوروبيين أفضل من الصينيين في معظم مؤشرات الأداء، خصوصاً في المعايير الاجتماعية وتوفير فرص العمل للسكان المحليين والمعايير البيئية وجودة المنتجات في إفريقيا، وفي قائمة من (17) معياراً، جاء أداء الصينيين أفضل من الأوروبيين في (4) مؤشرات فقط، وهي أنهم يتخذون القرارات وينفذون المشاريع بشكل أسرع، ويتدخلون بشكل أقل في الشؤون الداخلية، ولديهم تردد أقل بشأن الفساد”.

“فاغنر” نموذج لمحاولات موسكو للتوسع في إفريقيا

وصل مرتزقة “فاغنر” في عام 2018 في جمهورية أفريقيا الوسطى، ونشرت المجموعة مقاتلين في منطقة “كابو ديلجادو” الغنية بالغاز في شمال موزمبيق. ربما تكون أكثر عمليات “فاغنر” هي في مالي، ففي أعقاب الانقلابات التي شهدتها البلاد، أبرمت المجموعة صفقة أمنية مع مالي، لحمايته وتوفير الدعم له خاصة بعد انسحاب الجيش الفرنسي.

يعد مرتزقة “فاغنر” أكبر من شركة توفر الدعم العسكري مقابل الذهب في إفريقيا، فهي نموذج لمحاولات موسكو التوسع في القارة السمراء وينفي الكرملين أي صلة له بـ”فاغنر”. لكن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والمراقبين يقولون إنها أداة غير رسمية للكرملين، كما تعد أداة دبلوماسية لها في إفريقيا، ولها أنشطة في مجالات تتجاوز مجال الأمن. تقول “بولين باكس” نائبة مدير قسم إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية “إنها لعبة قوة تقوم بها روسيا من خلال فاغنر، تريد أن ترى إلى أي مدى يمكنها نشر نفوذها في إفريقيا، وأعتقد أن النتائج فاجأت الكثير من الناس”.

تقييم وقراءة مستقبلية

– أصبحت دول الساحل الإفريقي ساحة صراع اقتصادية وسياسية، حيث تسعى الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية والغرب من جهة لمواجهة الآخر وبسط النفوذ.

– شهد نفوذ الولايات المتحدة والغرب في إفريقيا تراجعاً ملحوظاً ولكنها بالتأكيد لم تخرج من الساحة الإفريقية. ما يقلق الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي هو الحضور الصيني في إفريقيا، أكثر مما يقلقها الحضور الروسي.

– يحاول الاتحاد الأوروبي المحافظة على ما يمكن مما تم تحقيقه من مكاسب سابقة داخل القارة الإفريقية، واستخدام المساعدات التنموية المقدمة لإفريقيا كورقة ضغط لتحقيق مصالحها وبسط النفوذ.

– تريد روسيا إعادة تأسيسها كقوة عظمى، مما يجعلها في منافسة مع الصين التي تبحث عن فرصة لتوسيع النفوذ في دول الساحل الإفريقي، في ظل تراجع دور الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.

– بات من المتوقع توسع نفوذ مجموعة “فاغنر” في دول إفريقية أخرى، العديد منها قد يتقبل وجود “فاغنر” ومهتماً بمساعدتها الأمنية عبر القارة. من المتوقع أن تستغل واشنطن والغرب نقاط قوتها، مثل برامج تحفيز القطاع الصناعي وتعزيز التجارة مع إفريقيا، ومن غير المرجح إن تتدخل “إيكواس” عسكرياً في النيجر كون أن التدخل العسكري سيكون محفوفاً بمخاطر عسكرية وسياسية.

 المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

دكتور هشام عوكل Previous post د هشام عوكل يرد لماذا حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا تقدر بقيمة 250 مليون دولار
Next post توفير مأوى لطالبي اللجوء في بلجيكا