لماذا تنوي الهند تغيير اسمها إلى بهارات وما علاقة الاستعمار؟
شبكة المدارالإعلامية الأوروبية…_في قرارٍ أثار جدلاً كبيراً، كشفت وسائل إعلام هندية أن الحكومة الهندية تستعد لطرح مشروع قرار إعادة تسمية الهند، واستبدالها باسم “بهارات”، خلال الجلسة المقبلة للبرلمان. ويبدو حتى اللحظة أن الحكومة ليست وحدها.
فوفقاً للتقرير، أعرب عددٌ من الشخصيات السياسية البارزة عن دعمه لهذا القرار، وسبق أن طالبوا الناس في دعواتٍ علنية باستخدام مصطلح “بهارات” بدلاً من الهند، مؤكدين أن هذا الاسم هو ما عُرفت به البلاد منذ قرون.
ومع اقتراب موعد قمة مجموعة العشرين، التي تُعقد في الهند يوم 9 أيلول/سبتمبر 2023، وجّه القصر الرئاسي في الهند دعوات عشاء رسمية إلى المندوبين المشاركين، أثارت بدورها موجة استغراب في البلاد وخارجها.
فقد أُرسلت الدعوات باسم “رئيس بهارات” بدلاً من “رئيس الهند”، في خطوةٍ تعكس جهود الحزب القومي الهندوسي الحاكم لإزالة ما يعتبرها أسماءً تعود إلى العبودية، والحقبة الاستعمارية البريطانية.
يأتي استخدام اسم بهارات في الدعوة الرئاسية، بعد يومين فقط من إعلان موهان باجوات (المرشد الأيديولوجي لحزب بهاراتيا جاناتا) عن أنه يجب تسمية البلاد باسم “بهارات” بدلاً من الهند.
وأكد باجوات: “في بعض الأحيان، نستخدم كلمة الهند حتى يفهمها من يتحدثون الإنجليزية، لكن يجب أن نتوقف عن استخدامها. اسم البلد بهارات، وسيظل كذلك أينما ذهبت في العالم”.
لكن، لماذا يُطلق على الهند اسم بهارات؟
تسمية بهارات ليست جديدة أبداً؛ وفي الواقع، فإن الدولة التي يزيد عدد سكانها على 1.4 مليار نسمة تُعرف باسمين: الهند وبهارات، ولكن الهند هو الأكثر استخداماً وشيوعاً، على الصعيدين المحلي والدولي.
فمصطلح بهارات مُعترف به رسمياً، على أنه اسمٌ ثانٍ للهند، في الدستور الهندي. فالمادة الأولى من الدستور تنصّ على أن “الهند، أي بهارات، يجب أن تكون اتحاداً للولايات”. وبالفعل، غالباً ما يُستخدم بهارات إلى جانب الهند، في التسميات الرسمية للبلاد.
ويُمكن القول إن استخدام هذه التسمية غالباً ما يُراد به الإشارة إلى الهند بالمعنى التقليدي، لتسليط الضوء على تراثها وإرثها التاريخي والثقافي، ووحدتها أيضاً.
فخلال حركة الاستقلال الهندية، التي نشأت في أواخر القرن 19 واستمرت لأكثر من 90 عاماً، وكانت تهدف إلى إنهاء الحكم البريطاني في الهند، جرى استخدام مصطلح “بهارات” على نطاقٍ واسع في إطار التأكيد على الهوية الثقافية والتاريخية للبلاد.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها بعض الجهات الرسمية في البلاد تغيير اسم الهند. فقد حاولت السلطات قبل سنوات تغيير الاسم إلى بهارات، إلا أن المحكمة العليا رفضت ذلك.
وهذا السعي إلى تغيير التسمية يحظى بدعم المسؤولين في حزب “بهاراتيا جاناتا” الذي يتزعمه مودي، والذي يجادل بأن الهند هي تسمية أدخلها المستعمرون البريطانيون، وهي رمزٌ للعبودية.
من أين جاءت التسمية؟
في الواقع، فإن للاسمين الرئيسيين لجمهورية الهند -الهند وبهارات- أهميةً تاريخية، حالهما حال الاسم الثالث “هندوستان”؛ وهو في بعض الأحيان اسم بديل للمنطقة التي تضم معظم الولايات الهندية الحديثة في شبه القارة الهندية.
يعتمد استخدام مصطلح بهارات، أو هندوستان، أو الهند على سياق المحادثة ولغتها، عندما يتحدث الهنود فيما بينهم.
ووفقاً لكتاب “المسألة الهندية” لعبد الله الحسين، اسم الهند مشتق في الأصل من اسم نهر هندوس، وكان يُطلق على بلاد السند وجزء من البنجاب. والاسم ترجمة إنجليزية للكلمة السنسكريتية “سندهو”، التي تعني نهر السند.
تم استخدام اسم الهند في اليونانية منذ عصر هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد. وقد ظهر المصطلح باللغة الإنجليزية القديمة في أوائل القرن التاسع، ثم ظهر مرة أخرى في اللغة الإنجليزية الحديثة في القرن 17.
ينشأ اسم بهارات، وهو أيضاً باللغة السنسكريتية، من النصوص الدينية الهندوسية القديمة، بوراناس. تصف هذه النصوص مساحة كبيرة من الأرض التي يعيش عليها البشر، ويُشار إلى منطقة واحدة من هذه الكتلة الأرضية، باسم باهاراتا أو باهاراتافارشا.
ووفقاً لصحيفة Time.com الأمريكية، فإن الاسم مشتق من بهاراتا، وهو اسم قبيلة تعود إلى الفترة “الفيدية” (1500 ق.م-1000 ق.م)، مذكورة في نصوص ريجفيدا (Rigveda)؛ أحد النصوص المقدسة الأربعة، المعروفة باسم الفيدا، والتي تضم ترانيم فيدية سنسكريتية قديمة.
وبحسب موقع BBC، يُمكن أن يعود الاسم أيضاً إلى زمن الإمبراطور “بهاراتا تشاكرافارتين”، المعروف بالفاتح الأول لشبه القارة الهندية بأكملها؛ الهند وجمهورية الهند.
وبهاراتا كان إمبراطوراً عظيماً في تلك البلاد، بعدما غزا وحكم شبه القارة الهندية بأكملها، وكانت إمبراطوريته تُسمى “باهاراتفارشا”، وقد امتدت من جبال الهيمالايا إلى البحر.
كان باهاراتا أكبر أبناء ريشاباناثا، أول تيرثانكارس للديانة الجاينية، وهي ديانة هندية قديمة تعود للقرن الخامس قبل الميلاد. والجاينيين كانوا يؤمنون بأن اسم الهند القديم هو “باهاراتافارشا” أو “باهاراتا” أو “باهاراتا – بهومي” تيمناً بالإمبراطور باهاراتا.
في البداية، كان اسم بهارات يشير فقط إلى الجزء الغربي من وادي الجانج، ولكن تم اعتماده لاحقاً على نطاقٍ أوسع في شبه القارة الهندية ومنطقة الهند الكبرى؛ كما كان اسم الهند، قبل أن يُشير اليوم إلى جمهورية الهند المعاصرة.
و”بهارات ماتا” هو عملٌ شهير للرسام الهندي الشهير أبانيندراناث طاغور، يعود إلى عام 1905. واسم “بهارات ماتا” يعود إلى السنسكريتية، وتعني الهند الأم (Mother India)، وهو تجسيد وطني للهند كآلهة أم.
يثير الاسم تبجيلاً عاطفياً عميقاً لدى جميع الهنود تقريباً. وغالباً ما يتم تصوير الآلهة الأم، وهي تحمل العلم الوطني وأحياناً يكون بجانبها أسد، فهي بالنسبة لمعظم الهنود إلهة في حد ذاتها.
بدأت تسمية باهاراتا بالظهور الرسمي في البلاد منذ يناير/كانون الثاني 1950، أي الوقت الذي ظهر فيه دستور الهند، حيث اختير الاسم الرسمي للبلاد إلى جانب اسم الهند.
أما هندوستان، الاسم الثالث لجمهورية الهند، فكان شائعاً في عهد المغول المسلمين . وقد أطلق الفرس مصطلح “الهندوسي” على الأشخاص الذين يعيشون حول نهر السند.
تُستخدم الكلمة أيضاً في قصيدة وطنية باللغة الأردية كتبها العلامة إقبال، بعنوان Saare Jahan se Accha، تعتبر الأغنية الهندية الأكثر شعبية في البلاد بعدما أصبحت نشيداً لمعارضة الاستعمار البريطاني في الهند.
لا يزال مصطلح هندوستان شائعاً بين علماء اللغة الأردية، وهو مشتق من كلمة “هندو” بالفارسية، ومعناها “بلاد النهر”.
اسم الهند تحت الحكم الإسلامي
قبل الاحتلال البريطاني للهند، حكم المسلمون الهند عبر عدة ممالك قوية دامَ حكمها قرابة 8 قرون، وامتدت في أوجها لتشمل معظم أراضي شبه القارة الهندية، التي تضم كلاً من: الهند، وباكستان، وبنغلاديش، وبوتان، ونيبال.
بدأ الفتح الإسلامي في بلاد السند (باكستان) أولاً، تحت قيادة محمد بن القاسم الثقفي عام 672، عندما كان لا يزال في الـ17 من عمره. لكن المحاولات العسكرية الجدية لفتح الهند بدأت مع تأسيس الدولة الغزنوية في مدينة غزنة (أفغانستان الحالية) عام 961، حيث قاد محمود الغزنوي 17 حملة هناك.
مع ذلك لم تتشكل سلطنة إسلامية حقيقية في الهند إلا في عهد الغوريين، الذين تمكنوا من القضاء على آخر سلاطنة الغزنويين واستطاعوا تأسيس دولتهم الخاصة، لتكون الهند وجهتهم بعد ذلك.
وبالفعل تمكن الغوريون من بسط سيطرتهم على مناطق واسعة من الهند، واتخذوا من دلهي عاصمة لهم عام 1193. بعد أفول الدولة الغورية، تأسست الدولة المملوكية في الهند، وبرز اسم “سلطنة دلهي”.
اعتُمد اسم سلطنة دلهي للبلاد التي حكمها المماليك قرابة 90 عاماً، وتوالت عليها سلالات مسلمة أخرى.
بقيت سلطنة دلهي قائمة طوال 320 عاماً، لتنهار بعد ذلك وتقوم مقامها إمبراطورية المغول الإسلامية، التي حكمت الهند قرابة 300 عام.
عربي بوست