يعقلون بين الموسيقا والفلسفة “السعودية تتجدد بالمعرفة”
حاورتها هبه محمد معين ترجمان
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ الثالث من سبتمبر من هذا العام أطلقت المملكة العربية السعودية في معهد يعقلون العالي للتدريب في الدمام الدبلوم العالي الأول للفلسفة والدفعة الأولى من طلاب وطالبات دبلوم الموسيقى العالي..
وقد قمنا في شبكة المدار الإعلامية البلجيكية بالحديث مع الأستاذة آمنه بو خمسين المديرة التنفيذية لمعهد يعقلون عن هذا الموضوع كونه الأول في المملكة العربية السعودية
– نرغب بداية تعريف قراء المدار بحضرتك (أستاذة آمنه بو خمسين)؟
شكرا للمدار على هذه الفرصة الطيبة وأشكر حرصكم واهتمامهم بالساحة الثقافية والعلمية في المملكة. وإجابة لسؤالك أجد صعوبة للتعريف بنفسي لأنني أعتقد أن من يتحدث عن نفسه إما أن يكون متطرفاً للإيجابية أو متطرفاً للسلبية، وفي محاولة للإمساك بطرف الموضوعية والسير عليها أقول: أنا آمنة بوخمسين روائية سعودية نشرت أربع إصدارات بين ادب تاريخي وأدب إجتماعي وسيرة ذاتية. مهتمة بالميثولوجيا وثقافات الشعوب والحضارات القديمة حاصلة على جائزة التوستماستر على مستوى المملكة في الخطابة الارتجالية وبين هذا وذاك حكاءة لقصص الميثولوجيا من مختلف المشارب
وأم لثلاث أطفال.
– الصعوبات التي واجهتكم كونك سيدة وتترأس هكذا اختصاص؟
تفاعلا مع سؤالك أوضّح للقراء بأني مؤسسة معهد يعقلون ومديرته التنفيذية وهذا يعني أنيلا أترأس اختصاصات المعهد العلميةموسيقى وفنون وفلسفة. لأن هذه من مهام مدير الشؤون التعليمية بالمعهد الدكتور نور الدين السافي. الذي ساهم معي في تأسيس هذا المعهد لكونه صاحب فكرة يعقلون نفسها. وكما أقول دائما إنه الفيلسوف الذي ناول الروائية الكلمة، كلمة البدء والتأسيس.والدكتور أستاذ الفلسفة وصاحب مؤلفاتكبيرة في الفلسفة. أما الصعوبات فهي مرافقة لكل بناء إبداعي جديد.فكل عمل جديد وفكرة جديدةتحمل صعوبات انطلاقه. وإن تطرقنا لصعوبات التأسيس فهذا يحتاج لمجلدات لاتسع هذه المساحة حملها. فيعقلون يقدّم أول دبلوم عال في تخصصات جديدة وهي الفلسفة والموسيقى. وهي تخصصات جديدة بالمملكة وبالتالي لا يمكن أن يكون هذا التأسيس دون صعوبات واقعية كبيرة زد على ذلك أني امرأة وام مسؤولة على اسرة وهي مطالبة بالتنقل اليومي بين الإدارات والوزارات أي بين الشرقية تارة موطن إقامتي والى الرياض عاصمة المملكة تارة أخرى.
– علاقتك كروائية حصلت على جائزة بالعمل الثقافي الموسيقي؟
أنا أعتبر أن اختياري لأمثل الأدباء السعوديين بفرنسا في مؤتمر اليونسكو للأدب العربي السنة الماضية بفرنسا أفضل جائزة وشهادة تعترف بجهودي الفعلية في تأسيس يعقلون وفي أعمالي الإبداعية الأدبية. أما في المجال الموسيقي فهو ليس تخصصي الدقيق رغم علاقتي كروائية بالموسيقى أي علاقة فنان بالفن. أنا أصف الروائييندائما بالأخصائيين النفسيين الذين يحملون سعة تميزهم وسعة تمكنهم من فهم وتحليل الأحداث والنفسيات والشخصيات والطباعوالتخصصات وإن لم يكونوا خبراء في جميع التخصصات. لكن هذه الحساسيه تمكنهم من القراءة الجيدة التي تتيح لهم الفهم لصناعةالرواية الجيدة. ولأن الموسيقى لغة كونية وقريبة من الروح فلايمكن لروائية محبة للموسيقى أن تنفصل عنها. ويمكنني أن أذكر إحدى مظاهرهذه العلاقة المتمثلة في أنني أقرأ وأكتب وأنا استمع للموسيقى.
– أهمية وجود هذا الاختصاص في المملكة العربية السعودية ؟
يمكن أن نقرّ بأن تخصص الفلسفة والموسيقى من أهم التخصصات الجديدة في المملكة التي عرفت الضوء والحياة بظهور رؤية المملكة 2030 أي الرؤية التي أعادت توجيه مستقبل المملكة لدعم وجودها وحضورها الكوني. ففي سياق هذه الرؤية كان ميلاد يعقلون فلسفة وموسيقى وفنون تشكيلية. زد على ذلك أن المثقف السعودي منخرط في عالم الفلسفة والموسيقى منذ أجيال. وإذا سافرنا لأيّ مدينة سنجد فيها إرثا موسيقيا يخصّها أهازيج وموسيقى وشعر يغنى وحكايات تروى عن هذه الأهازيج والأغاني دموع وضحكات أفراحوأحزان تحملها، ولأنني من سكان الساحل الشرقي يمكنني أن أذكر مثالاً قريبا من خليجنا العربي الذي نحب أغنية (ماتخاف من اللهيابحر أربعة والخامس شهر جيبهم يابحر جيبهم) الأغنية التي تحمل حكايات صيد اللؤلؤ في الخليج حكايات الأبطال وحكايات نسائهماللاتي ينتظرن عودتهم .. وكذلك الفلسفة والفكر فقد شهدت المملكة حضورا لمفكرين عصاميين لم يدرسوا الفلسفة أكاديميا في قاعات دراسةلكنهم تعملوها فرديا بالقراءة والبحث ومن أشهر الأسماء في المملكة الوزير الراحل غازي القصيبي ومفكرنا عبدالله الغذامي والقائمة تطولويمكننا تلمس حضور الفلسفة في الأدب والشعر والقصة وغيرها بين صفحات كتب أدبائنا وشعرائنا وبين قصص الحكائين التي تتداولشفهياً إلى اليوم. وتكمن أهمية معهد يعقلون العالي فلسفة وموسيقى وفنونا في بعده الأكاديمي أي البناء العلمي والتربوي والانتقال بالهواة إلىالاحتراف وحفظ هذا الإرث الحضاري وتطويره وأخذه إلى مساحات جديدة وأفاق أعلى لايمكن الوصول إليه إلا بحضور التخصصينأكاديميا وعلميا.
– المدرسين الذين يقدمون برنامجي الدبلوم واعتماد البرنامجين من قبل الوزارة؟
أساتذة قسم الفلسفة وقسم الموسيقى يحملون شهادة الدكتوراه كلّ في تخصصه، ويحملون خبرة طويله في التدريس وإعداد المناهج،ففريق يعقلون الأكاديمي قد عمل على المنهج الذي يدرّس اليوم والذي تم اعتماده منقبل وزارة الثقافة التي اولتنا ثقتها. وهي مسؤوليةتحمّلها يعقلون وشرفلكل أساتذته لتقديم هاذين البرنامجين اللذين يعادلان برنامج بكالريوس في جامعات عربية أخرى. فبرنامجدبلوم الفلسفة العالي يمتد لسنتين ونصف وبرنامج دبلوم الموسيقى العالي يمتد لسنتين والشهادة التي ستمنح للخريجين شهادة تجسير تتيح للطلبة إكمال الدراسة للبكالريوس والدراسات العليا.
– هل دعّمت المملكة العربية السعودية هذا التوجه خاصة أنه جديد ؟
الإجابة ظاهرة للعيان الآن وأنا أتحدث معكم، فلو لم تدعم المملكة توجه تعليم الفلسفة والموسيقى ما كان ليعقلون مكاناليوم ولم يكن ليكون قائماً.إن رؤية المملكة 2030 تدعم التعليم بشكل أساسي وتثمنه وتعمل على تطويره والرفع من قيمته. ومسؤوليتنا كبيرة لكي ينجح معهد يعقلون من خلال برامجه ومشاريعه في تحقيق رؤية المملكة واقعيا لتواصل الأجيال اللاحقة الجهد ليتطور التعليم عندنا ويبلغ مداه المنشود. فتخصصاتنا في الفلسفة والموسيقى والفنون تخصصات تأسيسية تدعمها الوزارة من جهة ويلتف حولها المثقفون والمحبون لدعم رسالته وتحقيق أهدافه لأن بهذه البرامج نحدث نقلة نوعية في الفلسفة والموسيقى من الممارسة العفوية إلى الممارسة العلمية الأكاديمية المقصودة لأنه لا علم إلا بالتعلّم. وحان الوقت الآن من خلال يعقلون ليصير طلب الفلسفة والموسيقى مهمة تعليمية جدية ترعاها المملكة وتؤكدها.
– ماهية المعهد والاختصاص وتوافقه مع رؤية المملكة 2030؟؟
معهد يعقلون العالي منذ تأسيسه ثم افتتاحه وهو يعمل وفق الرؤية، بل إنني في انطلاق دبلوم الفلسفة والموسيقى ذكرت كلمة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، (“طموحنا أن نبني وطنا أكثر ازدهارا يجد فيه كلّ مواطن ما يتمناه. فمستقبل وطننا الذي نبنيه معا لن نقبل إلا أن نجعله في مقدّمة دول العالم بالتعليم والتأهيل بالفرص التي تتاح للجميع والخدمات المتطورة في التوظيف والرعاية الصحية والسكن والترفيه وغيره”.) وهي اطارنا الذي نتحرك وفقه في يعقلون، واختصاصات يعقلون في الفلسفة والموسيقى والفنون لها أهميتها ووزنها وقيمتها التي تساهم في تحقيق الرؤية لأنها الإطار الذي نعمل فيه جميعا من وزارات وهيئات وقطاع تعليمي واخصها بالذكر دوناَ عن بقية القطاعات لأنها القطاع الذي نعمل فيه في يعقلون.
– الاختصاص هو مثار جدلي فكيف استطعتم ان تتجاوزوا هذه الجدلية؟؟
الجدل يثار في كل المواضيع العلمية وفي كل المحافل الثقافية وكل يدلو بدلوه وما يحمل من رؤية … لكن الواقع اليوم يخبرنا بأن صوت الجدالحول الفلسفة والموسيقى خفت كثيرا وأن الجيل الشاب اليوم يقدر العلم ويعي أهمية التخصصين وثقل وزنهما في بناء الواقع وتطويره
وصلنا بعض من الهمس الجدلي حول مانقدمه في يعقلون. لكن صدقاً الوقت في يعقلون يجري بسرعة ولايسعنا الوقت للالتفات إليها. والجدال والرد على الجدال لن يأتي بأي نتائج. في يعقلون نحن نفعل ونعمل. وسيكون ما ننتجه من علم وفن أفضل من يتحدث عنا بواقعية.
– مارؤيتكم لمستقبل المعهد ومراحل التخصص فيه وكيف سيتم التعامل مع الخريجين ؟؟
مستقبل معهد يعقلون جامعة يعقلون. ومراحل التخصص ستتطور من دبلوم عالي إلى بكالريوس وماجستير ثم دكتوراه. والتعاملمع الخريجين سيكون عرساً بهيجاً.فهذه الدفعة الأولى خاصة ستجد فرصا جيدة في الميدان الثقافي والعلمي والتعليمي وستتمكن من مواصلة التحصيل العلمي عبر الابتعاث.وسيكونون الخريجين الذين يُفتخر بهم.
– الإقبال على التخصص في المملكة كيف تجدونه؟؟
الإقبال مقارنة بحداثة التخصصين إقبال لابأس به، والحقيقة عدد الذين يتواصلون ويسألون يتجاوز المئات. وإن لم يكونوا جميعهم اليومطلابا وطالبات في يعقلون. لكن هذه الحركة تعني أن هنالك اهتماما وأن الغد سيكون مشرقاً بشمس فلاسفة سعوديين وموسيقيين سعوديين ولاشك.
- سؤالي هنا هو ظلت الفلسفة بعيدة عن الجزيرة العربية طوال قرون، كيف يمكن تحويل الفلسفة إلى عامل للتغيير المعرفي في السعودية خصوصا أن الفرد السعودي ظل بعيدا عنها لأسباب دينية احيانا؟؟
الدارس لتاريخ الحضارات في العالم يعلم الصراع الموجود بين محبي الفلسفة والمؤمنين بجدواها وبين الآخرين الذين يرونها فكرا ضالا ولا فائدة من ورائه. ولكن التاريخ أظهر بما فيه الكفاية أن محبي الفلسفة هم الذين ساهموا فعليا في بناء العلوم وخدمة الإنسانية واقعيا وتطوير الحضارة البشرية في هذا الكوكب. وجزيرة العرب ليست استثناء في هذا الامر. فقد هجرت الفلسفة طويلا بعض الأطراف فيها وطلبها آخرون ومارسوها حبا وتعلّما. بل إن هناك في المؤسسات التعليمية الخليجية من جعل الفلسفة مادة عليمة قائمة الذات وخصص لها قسما أكاديميا مستقلا نجد هذا في الكويت مثلا كما نجد الفلسفة حاضرة وإن بشكل محتشم في مناطق خليجية أخرى مثل البحرين وقطر والإمارات وغيرها. أما في مملكتنا فالخطوات اليوم حثيثة لجعل هذا التخصص قائما وحاضرا بقوة في المناهج التعليمية وهي الآن تدرس في التعليم المتوسط والثانوي من خلال مقررات التفكير الناقد. وإقرار وزارة الثقافة لديبلوم الفلسفة في معهد يعقلون أفضل دليل واقعي على نوع التحوّل العميق الذي يشهده التعليم عندنا انسجاما مع الرؤية 2030 واستجابة لمبادئها وغاياتها.
والحركة العلمية التي نقوم بها في يعقلون تساهم في انتاج الفلسفة برصانة وعلمية كما يجب لها أن تكون.، أما القول بأن الفلسفة تعتبر علما غربيا! فهذا قول خال من الدقة حقيقة، فعن أي غرب نتحدث تحديدا؟وبالمناسبة اذكر لكم في هذا السياق تجربتي الأولى لمحاورة الذكاء الاصطناعيChatGPT والذي قدمت له سؤالا بسيطاً (أين بدأت الفلسفة؟) وكما توقعت أجاب (في اليونان). فكان سؤالي السؤال التالي (أين درس أفلاطون حين خرج من أثينا؟) فأجاب مصر. فكان سؤالي كيف نعتبر اليونان مهد الفلسفة إن كان أفلاطون درس في مصر! وأضيف أن أفلاطون ليس الوحيد في هذا الشأن لأن هنالك طاليس وفيثاغورس ثم أفلاطون وكذلك وأرسطو معلم الأسكندر المقدوني وهيرودت المؤرخ الشهير الذي وصف مصر بهبة النيل… كل هؤلاء درسوا في الشرق، وهذا طبيعي فالجزيرة العربية شمالا وجنوبا عرفت حضارات قديمة عريقة جدا علّمت البشرية قاطبة الخطّ والكتابة ومنحته الابجدية الأولى. لاأحد اليوم يمكن أنيتجاهل الحضارة العراقية القديمة والتي هي جزء من الجزيرة العربية وحضارة اليمن وكل هذه الحضارات كانت تزخر بالعلماء والحكماء وحتى لا نقتطع التاريخ هنالك الحضارة الشرقية الصينية كذلك والتي تزخر بفلاسفتها، الفلسفة لم تنشأ في الغرب ونحن أهل الشرق علينا معرفة تاريخنا لأننا مسؤولون عنه. والجزيرة العربية لم تغب عنها الحكمة بل كانت حاضرة بأوجه عدة أما اليوم فهي حاضرة علميا، وهذا العام نشهد مؤتمر الفلسفة الدولي الثالث والذي سنشارك فيه باسم يعقلون المعهد الأكاديمي الأول الذي يدرّس الفلسفة في برنامج دبلوم. وغدا سيكون لدينا برامج البكالريوس والماجستير والدكتوراة وستكون المدرسة الفلسفية السعودية حاضرة ولاشك.
-كلمة نختتم بها لقاءنا ؟؟
أشكر لكم هذه الفرصة واشكر قراءكم الذين اعطونا من وقتهم الآن. وختاماً أقول بأننا نشهد في المملكة العربية السعودية نهضة ثقافيةوعلمية لاتخفى على أحد وأننا في يعقلون نشارك في هذه النهضة ونراهن على خريجي يعقلون بأنه سيكون لهم أثر قريباً في الإنتاج الفكري والفني في المملكة وعلى مستوى الوطن العربي والعالم.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_