هل تستشعر أوروبا مخاطر تصعيد حرب أوكرانيا؟
رشا عمار
شبكة المدارالإعلامية الأوروبية…_حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، في 16 سبتمبر 2023، من “حرب طويلة الأمد في أوكرانيا”، في وقت تواصل فيه كييف شن هجومها المضاد ضد روسيا. وأشار إلى أن معظم الحروب تستمر لفترة أطول من المتوقع عندما تبدأ للمرة الأولى”، محذراً: “لذلك علينا أن نهيئ أنفسنا لحرب طويلة الأمد في أوكرانيا”، وبشأن طموحات كييف الانضمام إلى الحلف، لفت ستولتنبرغ إلى أنه “ليس هناك شك في أن أوكرانيا ستصبح في نهاية المطاف عضوا في الناتو”.
ورغم أن الاتحاد الأوروبي لم يكن لاعباً عسكرياً في حد ذاته، منذ بداية الأزمة في فبراير 2022، إلا أنه ظهر كلاعب مهم من خلال مساعدة المجهود الحربي الأوكراني، ودعم اللاجئين، وفرض العقوبات على روسيا، وتحويل أوكرانيا إلى واحدة من الدول المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي.
أرقام حول الدعم الغربي لكييف
قدَم الاتحاد الأوروبي دعماً عسكرياً لأوكرانيا بقيمة حوالي (15) مليار يورو، وفق الأرقام الرسمية، وتأتي ألمانيا في مقدمة دول الاتحاد حيث بلغ حجم في 2023 نحو (5.4) مليار يورو، كما أرسلت (5) قاذفات صواريخ من طراز مارز-2 ، و (500) نظام “ستينغ”ر المضاد للطائرات، و (2700) نظام مضاد للطائرات من طراز “ستريلا”، و(34) مدفعاً ذاتي الدفع من طراز جيبارد المضاد للطائرات، و(14) مدفعاً ذاتي الدفع من طراز “بي زد إتش 2000″، و(9) دبابات من طراز بيفر لتركيب الجسور، ونظامين للدفاع الجوي من طراز “آيريس تي”، و(18) دبابة من طراز “ليوبارد2 إيه 6″، و(40) مركبة قتال مشاة من طراز “ماردر”، فضلاً عن (110) دبابات قتال من طراز “ليوبارد1″، و(20) مركبة قتال مشاة من طراز “ماردر”، و(18) مدفعاً ذاتي الحركة من طراز “آر سي إتش 155″، و(18) مدفعاً مضاداً للطائرات من طراز “جيبارد”، و(16) مدفعاً ذاتي الحركة من طراز “زوزانا 2″، و(7) دبابات من طراز “بيفر” لتركيب الجسور، و(6) أنظمة دفاع جوي من طراز “آيريس تي”.
قدمت فرنسا وهولندا وإستونيا والدنمارك و النرويج و السويد وإيطاليا وإسبانيا وفنلندا وكندا دعماً عسكرياً سخياً لأوكرانيا. كما ذكر تقرير للبرلمان البريطاني أن البلاد قد دعمت كييف بالصواريخ المضادة للدبابات والمدفعية وأنظمة الدفاع الجوي والمركبات القتالية المدرعة وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة طويلة المدى من طراز “إم 270” (M270).
يزعم تيير بريتون مفوض السوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي أن مؤسسات ودول الاتحاد الأوروبي شاركت في دعم أوكرانيا مالياً وعسكرياً بقدر مشاركة الولايات المتحدة، يوضح بريتون الذي تحدث إلى إذاعة فرانس إنتر الفرنسية، أن إجمالي ما تم تقديمه إلى أوكرانيا بلغ (72) مليار يورو، ويؤكد “قدمت أوروبا تقريباً نفس ما قدمته الولايات المتحدة.”
في المقابل تظهر أرقام صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية أن إجمالي قيمة المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، في ظل إدارة الرئيس جو بايدن منذ 2021، تجاوز (42) مليار دولار، بينها أكثر من (41.3) مليار دولار منذ بداية الحرب، تنوعت بين كميات هائلة من المعدات والأسلحة والذخيرة وأنظمة الدفاع، بينها أكثر من (2000) نظام مضاد للطائرات من طراز “ستينغر”، وما يزيد على (10) آلاف نظام مضاد للدروع من طراز “جافلين”، وأكثر من (70) ألف نظام وذخيرة أخرى مضادة للدروع، و (198) مدفع “هاوتزر عيار 15 مليمتراً”، و(72) مدفع “هاوتزر عيار 105 مليمترات”، و(8) أنظمة دفاع جوي من طراز “ناسامز”، و(20) طائرة هليكوبتر من طراز “إم آي-17″، و(31) دبابة “أبرامز”، و(186) مركبة برادلي للمشاة القتالية، وبطارية دفاع جوي “باتريوت”.
لماذا تراهن أوروبا على اوكرانيا رغم فشل الهجوم المضاد الأوكراني؟
لدى أوروبا أسباب عديدة لدعم أوكرانيا، واستمرار هذا الدعم رغم فشل كييف في تحقيق نتائج حاسمة لهجومها المضاد، أولها،إن أوروبا تعتقد إن هذا الدعم هو الخيار الصحيح الذي ينبغي عمله من الناحية “الأخلاقية”، وتعتقد أيضاً، أنه من مصلحة أوروبا الجيوسياسية معاقبة الدولة التي تنتهك القانون الدولي بشكل صارخ لحماية أمنها وحدودها الجغرافية والجيوسياسية.
ما زالت أوروبا والغرب يراهن على أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وتورطت بالفعل في استراتيجية دعم أمني وعسكري وإنساني طويلة الأمد مع كييف إلى جانب الولايات المتحدة داخل الناتو. وما يزيد في الأمر تعقيدأً إن القدرات العسكرية والاقتصادية لدول القارة لاتسمح بالاستمرار بتقديم هذا الدعم على المدى البعيد.
ويبدو إن أوروبا تخشى أن تؤدي الانتخابات االرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة لعام 2024 إلى وصول الجمهوريين للبيت الأبيض، وبالتالي يمكن أن يكون هناك تراجع لدعم واشنطن لأوكرانيا. وما يعزز هذه الفكرة، هو ما أشار به زعيم الجمهوريين في مجلس النواب، كيفن مكارثي: “إلى أنه ليس شيكاً مجانياً على بياض” بالنسبة لأوكرانيا إذا فاز الجمهوريون بأغلبية في مجلس النواب. وهذا بدوره يمكن أن ينتقل إلى أوروبا ويقوض قدرة القارة على دعم كييف.
والحقيقة أن الدعم الأوروبي لأوكرانيا يعتمد أيضاً على الولايات المتحدة. ولهذا السبب فإن الدفع الفرنسي نحو قدر أعظم من التكامل بين الولايات المتحدة، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي يشكل السبيل الوحيد للمضي قدماً.
هل تستشعر أوروبا مخاطر تصعيد الحرب ضد روسيا في أوكرانيا؟
أوروبا تعتبر حرب أوكرانيا حربها ضد روسيا، حرب “مؤدلجة”، وقد شكلت الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، ولا سيما الاقتصاد الأوروبي، صدمة لدول القارة الاوروبية، وعمقت تأثيرات الحرب (الروسية-الأوكرانية) كبيرة، الفجوة بين العرض والطلب في اقتصادات الدول الاوروبية، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، في الوقت الذي لا يستطيع البنك المركزي الأوروبي ان يجد اجراءات توافقية بين مكافحة التضخم، ودعم النشاط الاقتصادي.
كشفت مسودة خطاب ألقاه رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 20 سبتمبر 2023، طلب وساطة بكين لدى روسيا من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا، فقد دعا ميشيل إلى “سلام عادل يحترم ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه الأساسية – السلامة الإقليمية لدولة ذات سيادة”.
ويشير استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ، خلال مارس 2023، في عدة دول إلى أن الأوروبيين أصبحوا أقرب إلى بعضهم البعض في دعمهم لأوكرانيا. ويتفق الأوروبيون الآن على أن روسيا هي خصمهم أو منافسهم. فيما يتعين على صناع السياسات الأوروبيين أن يستفيدوا من هذه الوحدة في دعم سياسات الأمن والدفاع بالمستقبل، في حين يبذلون كل ما في وسعهم لتخفيف الانقسامات الناجمة عن الظروف المتغيرة في الداخل والخارج. لكن رغم ذلك هناك انقسام داخل أوروبا والاتحاد الأوروبي، ما أعلنته بولندا يوم 22 سبتمبر 2023 بأنها سوف لن تقدم الأسلحة والدعم الى أوكرانيا، ممكن أن يكون مؤشر، لبداية اتشقاقات أكثر مع مطاولة الأزمة، ناهيك هناك دول أخرى مثل هنغاريا وبلغاريا سبق أن عارضت إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا.
كيف تتعامل روسيا مع الدعم الغربي لكييف؟
في حين تعمل موسكو على تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية والانتقال الى وضع الهجوم وتوسيع الحر بدلاً من العملية العسكرية، من المتوقع أن يكون الخيار النووي متاح لدى الرئيس الروسي فلاديميير بوتين. وتبقى احتمالات التفاوض ضئيلة، لأن التوصل إلى اتفاق سلام يتطلب تغييراً في مطالب جانب واحد، على الأقل. ولا دليل حتى الآن على حدوث هذا التغيير، أو على أنه سيحدث في وقت قريب، خاصة أن روسيا تعتبر الدعم الغربي لأوكرانيا يدفع كييف إلى شن هجمات “غير مسؤولة” بشكل متزايد، وذلك بعد هجوم غير مسبوق بمسيّرات على موسكو، في 30 مايو 2023. إن استمرار إمدادات الأسلحة لأوكرانيا من شأنه يضعف فرص السلام.
قالت الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، في 30 فبراير2023، إن احتمالات التوصل إلى تسوية تفاوضية للحرب في أوكرانيا تبقى ضعيفة طالما كان المنطق العسكري سائداً. وقالت أمام مجلس الأمن الدولي إن التصعيد وإطالة أمد الصراع، لن يؤديا سوى إلى مزيد من المعاناة التي لا يمكن تحملها. وشددت على ضرورة ألا يعيق نقل المعدات العسكرية إلى أوكرانيا، التطلعات لتحقيق السلام.
ما احتمالية استخدام بوتن السلاح النووي؟ وهل أوروبا مستعدة لحرب نووية؟
مما لا شك فيه أن الحرب في أوكرانيا على حافة حرب شاملة، لكن جميع الأطراف لا تريد الانخراط في حرب نووية أو حرب مباشرة، لأنها ستكون نهاية البشرية. أوروبا تدرك هذه المخاطر وهي غير قادرة على حماية نفسها، هي تحت حماية الناتو.ٍ
قال الرئيس الروسي في 17 يونيو 2023 إن بلاده نشرت بالفعل الدفعة الأولى من الأسلحة النووية التكتيكية في بيلاروسيا، مؤكداً أمام منتدى إنه لن يتم استخدامها إلا في حالة تعرض الأراضي أو الدولة الروسية للتهديد. لكن الحكومة الأمريكية قالت إنه لا يوجد ما يشير إلى أن الكرملين يعتزم استخدام الأسلحة النووية لمهاجمة أوكرانيا.
استراتيجية الأمن والدفاع في الاتحاد الأوروبي لعام 2030
اعتمد رؤساء الدول والحكومات الوثيقة التوجيهية “البوصلة الاستراتيجية”، التي تعد أول كتاب أبيض للاتحاد الأوروبي في مجال الأمن والدفاع، خلال المجلس الأوروبي الذي عقد في يومي 24 و25 مارس 2022. ويستهل الاتحاد الأوروبي مرحلةً جديدةً في سياسته الدفاعية والأمنية تتمثل في توفير الوسائل التي ستتيح له مواجهة التهديدات والتحديات في المرحلة الراهنة وفي المستقبل، وذلك في سياق يسجّل تدهور بيئتنا الاستراتيجية بفعل عودة الحرب في أوروبا، واشتداد التنافس بين الدول النافذة واستمرار الأزمات في جوارنا وفي العالم.
وترتكز البوصلة الاستراتيجية، التي أثمرت عن الأعمال التي استهلتها المؤسسات والدول الأعضاء في عام 2020، على تحليل مشترك للتهديدات ومكامن الضعف التي تعتري البلدان الأوروبية ويوجهونها على نحو مشترك. وأسهمت هذه الأعمال في استحداث ثقافة استراتيجية مشتركة وفي تمتين تماسك الأوروبيين في مجالي الدفاع والأمن، وهو ما يتزامن مع عودة الحرب إلى القارة الأوروبية.
تشمل الوثيقة التوجيهية أوجه السياسة الأوروبية الأمنية والدفاعية كافة وتقوم على الركائز الأربعة التالية:
- التصرّف: ويتمثل في تعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات فعلية في عالم تتعاظم الوحشية والمباغتة فيه.
- التأمين: يتمثل في النهوض بالقدرة على حماية الحيّز الاستراتيجي المشترك والدفاع عن القيم والقواعد والمبادئ التي يحرص عليها الاتحاد الأوروبي
- الاستثمار: ويشمل تعزيز السيادة التقنية من خلال تحسين القدرات الدفاعية.
- العمل في شراكة: يتمثل العمل مع “الشركاء” في تعزيز مكانة الاتحاد الأوروبي بوصفه شريكاً دولياً.
تقييم وقراءة مستقبلية
ـ بات من المؤكد أن الحرب في أوكرانيا سوف تطول لسنوات وربما سوف يتم تصعيدها بشكل تدريجي خلال الأشهر المقبلة، وعلى أغلب التقديرات سيكون التصعيد من قبل موسكو.
ـ لم يعد خيار استخدام السلاح النووي من جانب روسيا أمراً مستبعداً في ضوء التصعيد المحتمل وزيادة حالة التشاحن بين المعسكرين الغربي والروسي، خاصة مع التدفق الكبير للمساعدات العسكرية الغربية على كييف ورغبة موسكو في حسم الصراع قريباً.
ـ لا شك أن الحرب الروسية الأوكرانية قد أرهقت دول القارة الأوروبية سياسياً واقتصادياً وتركت الكثير من التداعيات السلبية وربما الخطيرة لدى دول الاتحاد الأوروبي لن يكون من السهل تجاوزها سريعاً.
ـ أوروبا اليوم مضطرة لتحول جذري في سياستها الدفاعية والأمنية، فهي من ناحية تبحث سبل الاستقلال عن الناتو وتدشين قوة دفاعية موحدة، ومن ناحية أخرى تركز على معركتها مع موسكو وتستشعر الخطر بشكل جاد، وتبدو غير قادرة على إدارة معركتها بمعزل عن الناتو.
ـ إن أوروبا تستشعر مخاطر استمرار حرب أوكرانيا، لكن في نفس الوقت مازالت تراهن على عدم كسب موسكو للحرب، وهذا يعود ربما إلى اسباب تاريخية تراكمية تعود إلى الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة وما قبلها، وممكن أن تكون نتيجة “ثقافة أوروبية” “روسيافوبيا”، هناك الكثير من وسائل الإعلام تروج إلى فكرة “تهديدات روسيا المحتملة”، لذا تعتبر أوروبا أن حرب أوكرانيا هي حربها، لكن هذا المفهوم، يصعد الحرب.
ـ تبقى روسيا شريك أمن دولي فاعل، ولا ينبغي على الناتو ولا الولايات المتحدة ولا أوروبا، استبعاده أو اعتباره خصم، لأن ذلك لا يخدم الأمن الدولي والأستقرار .
ـ إن مطاولة الحرب من شأنه ان يخلق مشاكل أقتصادية وأمنية لدول أوروبا، وهذا يعني إن مطاولة الحرب يعني حصول انشقاقات جديدة داخل دول الناتو الداعمة لأوكرانيا.
ـ إن مطاولة الحرب لا يصب بصالح الحكومات في دول أوروبا، هناك معارضة قوية، ومن المرجح جداً ان تخسر الكثير من الأحزاب الحالية شعبيتها أمام أحزاب اليمين والأحزاب المحافظة.
ـ لا تزال هناك احتمالات تتعلق باحتمال الوساطة الدولية لفرض السلام بين موسكو وكييف خاصة في ضوء دعوة بكين الصديقة الأقرب للأولى للوساطة من خلال المجلس الأوروبي. تبقى تركيا هي الطرف المرشح دوماً لأي فرصة سلام أو وساطة مابين موسكو وكييف، بسبب ما تتمتع بها من علاقات جيوسياسية مع اطراف الصراع.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات