هذا ما ندين به للمستقبل
كيف نُحافظ على القيم ونرتقي بها؟
بقلم : ويليام ماكاسكيل 2023-10-08
القِيَم عرضية ومُتغيِّرة بتغيُّر العصور والعقول، فإنهاء العبودية مثلاً كان حدثاً عرضياً ربما لم يكن ليحدث لو طغت قيم أخرى تخالفه، ولهذا ينبغي أن نشعر بالامتنان تجاه أسلافنا الذين دافعوا عن قيمهم بشجاعة وحرَّروا الإنسانية من قيود العبودية.
ومن نفس المنطلق مستقبل الأجيال الصاعدة مرهون بالقيم التي نتبنَّاها الآن، سواء كانت قيماً فلسفية وأخلاقية، أو بيئية، أو اجتماعية، أو اقتصادية. وأي انحراف يشوب هذه القيم يمكن أن يقودنا إلى العديد من الكوارث، أقلها إهدار الموارد وأخطرها تدمير الكوكب، ولهذا يُركِّز المدافعون عن الاستدامة على المخاطر التي تُهدِّد بقاءنا ومستقبل الحياة ككل، مثل أخطار الذكاء الاصطناعي، والأوبئة، والحروب النووية، على سبيل المثال.
نظرية الزجاج المُنصهر
القيم الأخلاقية التي تشكِّل مجتمعاتنا تشبه الزجاج المنصهر. عندما يتعرَّض الزجاج لدرجات حرارة عالية، يصبح مائعاً ومائياً سلساً فيسهل تشكيله، ولكنه لا يحتفظ بسخونته لمدة طويلة، وبمجرد أن يبرد، يتجمَّد على حالته.
والمجتمعات تشبه الزجاج، تمر بفترات سيولة وليونة عالية يسهل خلالها تغيير الرؤية الأخلاقية السائدة، يتبع ذلك “جمود” كبير، وهو حدث عرضي يُولِّد برودة شديدة فيتجمَّد المجتمع على حالة معينة وينغلق على رؤية ثابتة إلى أجل غير معلوم، مثل بعض الفلسفات الشرقية السائدة لعدَّة قرون دون تغيير أو تطوير.
استكشاف القيم
نعاصر اليوم مرحلة من أكثر المراحل ميوعة عبر التاريخ. صحيح أنَّ مجتمعاتنا تعيش في حال أفضل بكثير من ناحية القيم الإنسانية والأخلاقية مقارنةً بأغلب العصور السالفة، ولكن علينا أن نتأهَّب ونتوخَّى الحذر من حالة الجمود المحتملة وما ستفرضه من قيم قد تمتد إلى أمد طويل دون تغيير في المستقبل.
لا بد من تطبيق ممارسات “الاستكشاف الأخلاقي”، بمعنى أن نراجع القيم السائدة أولاً بأول ونجري التحسينات الأخلاقية اللازمة قبل الدخول في مرحلة الجمود، ويمكن فعل ذلك من خلال تعزيز جهود المُحافظة على القيم، وتجريب الهياكل السياسية المختلفة مثل المدن المستقلة، ودعم معظم أشكال حرية التعبير التي تدعم النقاشات البنَّاءة حول الموارد والقيم والسياسات والتوجُّهات الحالية وتأثيرها في المستقبل بهدف الوصول إلى ممارسات استدامة تكفل لأبنائنا مستقبلاً واعداً وزاهراً، وهذا هو ما ندين به للمستقبل المأمول.
تأليف:
ويليام ماكاسكيل: أستاذ مساعد في الفلسفة وزميل باحث في معهد الأولويات العالمية بجامعة أكسفورد