شجرة الأركَان الصامِدة منذ القِدم في التصدي للتصحر
اعداد اندلس البكري
نزهة في الطبيعة كشفت عن كنز طبيعي مدفون
كان الاعتقاد السائد أن شجرة الأركان التي أشتهر المغرب بامتلاكها وجودتها عن سائر دول العالم قد آثَر جنوبه بامتلاكها والفوز بأجود خيراتها وثروات ثمارها دون بقية المدن المغربية، لكن زيارة عائلية قامت بها سيدة من جنوب المغرب الى شَرقه ونزولها ضيفةً على عائلية من مدينة بني يزناسن جهة الشويحية أقليم بركان وتجوالها في تلك البقعة الشاسعة من الأراضي التي وَسعَ اِمتدادها مَد البصر أثناء احدى نُزهاتها في المنطقة قادتها الصدفة الى التَظلل في ظل شجرةٍ دُهشت من وجودها في المنطقة فسارعت لسؤال اهل المنطقة، مَن زرع هذه الشجرة هنا؟ فكان الجواب لم يزرعها أحد، أنها شجرة مُعمرة ولدنا وهي موجودة هنا، كبيرة ومُظلة لمن اراد ظلاً من شمس النهار، ومنها العديد هنا، كبرنا ونحن نستظلُ بظِلها، ولكن لا نأكل ثمرها الذي يشبة الزيتون فهو مُر رُغم أن نعاجنا تتسلق اغصانها لتأكل منها وتجلس فوقها .
قالت مستغربة ألا تعرفون أنها والأشجار الأخرى كلها اشجار الأركَان المثمرة؟
تلك البداية البسيطة كانت البداية للتعرف على الشجرة في المناطق الشرقية من المملكة المغربية والبداية لرعايتها بعد ان كانت شجرة خُلوية تنمو وتُعمر منذ مئات السنين في تلك المنطقة لا تثير انتباه المارين العابرين أو القاطنين هناك إلا للفيء تحت ظلالها، وكانت بدايةً ايضاً لتأسيس تعاونيات محلية للاستثمار فيها ولتوفير فُرصِ عملٍ لساكني المنطقة وإعالةِ أُسرهم من خيراتها. تلك الشجرة الغنيةُ بفوائدها المطبخية، العلاجية الطبية والتجميلية بدأ سكان المنطقة يهتمون بها ويَجنونَ ثِمارها ويسترزقون من خيراتها فتأسست تعاونياتُ صغيرة أشتغل بها الكثير من النساء وربات البيوت وكبُرت التعاونيات بإنتاجها وجودتهِ وتنوعهِ حتى بدأت تنافس تعاونيات منطقة سوس جنوب المغرب المتطورة والمعروفة بإنتاجها، السباقة في خبراتها واستثماراتها كتلك التي في تزنيت وتارودانت حيث تشتهر مناطقها بكثرة هذه الشجرة وجودة انواعها وتثمر غلالها في تلك المنطقة من سوس وتُصنع منها منتجات تُشغلُ عدد كبيراً من النساء وتُعيل أُسرهم في المنطقة.
شجرة الأركَان.. شجرة الحياة
شجرة الأركَان، الأرجان، الأرغان أو شجرة لوز البربر أسماء أطلقت على هذه الشجرة، كما ويسميها أهل المناطق التي تتواجد أشجارها فيها “الشجرة المباركة ذات المئة فضيلة” تقديراً لوجودها عندهم وندرتها عالمياً ولكثرة منافعها وخيراتها على المنطقة وأهلها.
أو كما يسميها البيولوجيون
Argania spinosa
وإن اختلفت التسميات فلا اختلاف على ندرة الشجرة وعمرها وتاريخها الطويل الذي يزيد عن 1500 سنة على ظهورها ومعرفة المغاربة لها ولاستعمالاتها في منطقة سهل سوس جنوب المغرب في محيط مدينة أكادير الممتد إقليمها بين مدن الصويرة تارودانت وتزنيت وتفراوت في المحافظات سوس ماسة ومراكش وآسفي وكلميم وواد نون. وحديثاً في جهة شرق المغرب في أقليم بركان في منطقة بني يزناسن كما ذكرنا سابقاً، ويوجد منها حوالي 20 مليون شجرة في المغرب تنتج الواحدة في السنة 8 كيلوغرامات من الثمار تقريباً.
وهي شجرةٌ من النوع المتوطن في المملكة المغربية الغنية بالنباتات المستوطنة، وتغطي أشجارها مساحة تناهز 830 ألف هكتار فهي بذلك تعتبر العمود الفقري للنظام الزراعي في المغرب، وقد استخدم مغاربة الجنوب تقنيات “الحراجة” لزراعة محاصيل القمح والشعير والعدس تحت ظلال أشجار الأركَان، مما يعمل على منع تآكل التربة والتصحر. كما أن جذور الشجرة القوية العميقة تساعد على استقرار التربة ومنع تعرضها للتعرية بفعل الرياح، وهو أمر مهم في المناطق القاحلة وشبه القاحلة لأنه يحمي التربة من التصحر مما يُميز المنطقة بالتنوع البيولوجي الزراعي والنظم الإيكولوجية القادرة على الصمود ويعزز التراث الثقافي القيم. لذلك حظيت شجرة الأركَان وتقنيات إنتاج زيوتها باعتراف وحماية مختلف كيانات الأمم المتحدة. حتى انها كُرمت بيوم سنوي خاص للأحتفال بشجرة الأركَان عالمياً يصادف العاشر من أيار من كل عام .
أشتهر المغرب بامتلاكهِ ثروة مهمة من الغابات الخضراء المثمرة التي تساهم بشكل كبير في اقتصاد البلاد، وتضم أشجارا نادرة، أبرزها الأركان، التي تصنفها منظمة اليونسكو ضمن “الإرث الإنساني العالمي”. نظراً لدورها المهم في الحفاظ على النظم البيئية ومكافحة ظاهرة الطمي، وتخصيب التربة، وذلك بفضل خصائصها الفسيولوجية والبيئية، التي تجعل منها أيضا الشجرة المثالية لمكافحة التعرية والتصحر لكنها معرضة دائماً لخطر الأندثار لأسباب عدة يقف في أولها قلة الأمطار والجفاف والرعي الجائر بأستنزافها من قبل العشرات من الرعاة الرحل، وكذلك من خلال القطع العشوائي لأشجارها من أجل استخدامه للوقود والحطب الخشبي.
“ذهب البلاد السائل”
يطلق الأمازيغ على زيت الأركَان أسماً محلياً هو “ذهب البلاد السائل” الذي أعتبروه جزءًا مهمًا من التراث الثقافي والاقتصادي الأمازيغي. هذا الزيت الثمين له قيمة كبيرة في حياتهم اليومية منذ عدة قرون خلت، فأستُخدام زيت شجرة الأركَان السحري المفعول عند الأمازيغ عُرِفَ تاريخياً ولَعِبَ دوراً مُهماً في تلبية احتياجاتهم الغذائية والجمالية والطبية، فاستخدم في الطهي كزيت نباتي صحي يمكن أن يُضاف إلى الأطعمة والأطباق المختلفة لتحسين النكهة وزيادة القيمة الغذائية وكذلك أستعملته النساء للعناية ببشرتهن وترطيبها، وكذلك لتلميع وتنعيم الشعر. كانوا يستفيدون من الخصائص المرطبة والمغذية للزيت لمعالجة جفاف وتشققات الشفاه واليدين وتخفيف تأثير بروز التجاعيد مع تقدم العمر ولعموم الجسم ومع العلاجات العشبية والتدليك، ولمعالجة مشكلاتٍ صحية مثل التهابات الجلد والحروق البسيطة وفي الصناعات المنزلية اليدوية كما في صناعة الصابون والكريمات والعطور ومستحضرات التجميل التقليدية.
بدأت قصة الإنتباه والانتشار لأستخدامات وفوائد زيت شجرة الأركَان تتسع رقعتها وتشتهر في تسعينيات القرن الماضي وتَعًرَفَ العالم على مميزات هذا الزيت في الأستعمالات المنزلية الصحية والمطبخية وللتجميل والعناية بالبشرة والشعر مما عرف من بعد طفرة في ترويج وبيع النساء المغربيات محلياً للأركَان للسائحات والمستثمرين الأجانب الذين يزورون المغرب كذلك من قبل المغاربة الذين حَمَلوهُ معهم الى اوروبا ثم أستثمروا في تصديره الى شتى دول المهجر حيث يقطنون، وسرعان ما انتشرت استعمالاته هذه الى استعمالها عالمياً بفضل مفعولهِ ومكوناته الطبيعية المهمة والفعالة ومما شجع على تزايد بيعه عالمياً، دراسات أظهرت فوائده الجمة فأستقطب أهتمام كبرى شركات المواد التجميلية العالمية وأستثمرت فيه كما أولتهُ مكانة مهمة في وصفاتها بل وصنفته كمنتج تجميلي طبيعي مستقل الى جانب مستحضراتها التجميلية المشهورة
تمتاز هذهِ الشجرة باستخراج زيت الأركَان من ثمارها وبالتحديد الحبوب الغنية بالزيت التي يتم قطفها أو جمعها بعد تساقطها على الأرض، وبعد أن تنضج الثمار وتميل قشرتها الى اللون البني (حسب أوقات ذلك في كل منطقة تنمو فيها شجرة الأركَان التي تتراوح اغلبها بين أشهر يونيو ويوليو وغشت من كُل سنة) فيتم جمعها وتنظيفها ونشرها تحت أشعة الشمس مدة معينة حتى تجف. ثم تبدأ عملية تقشيرها وكسرها وذلك بدقها بين حجرتين كبيرتين أملسين لأستخراج النواة الداخلية وأزالة القشرة الخارجية للثمرة والتي غالباً ما تستعمل كعلف للماشية في المرحلة الاولى أو كوقود للطبخ والتدفئة في مرحلة تالية وعند فرز القشرة الصلبة عن اللوزات أو كما تسمى اللُب. فيتم استخراج الزيت بسحق نواتها بعد تحميصها بواسطة أدوات تقليدية هي الرحى الحجرية التي تجيد النساء استخدامها حتى تتحول اللوزات أو اللُب الى سائل لزج حار المذاق هذا فيما يخص زيت التغذية. أما الزيت المستخدم في التجميل فهو لا يمر بمرحلة التحميص كي يحافظ على خصائصه التجميلية. لتتم بعدها العملية الأخيرة مرحلة الاستخلاص التي تحتاج الى دقة وحذر وتتم بعناية كبيرة حيث يتم تحويل السائل اللزج المطحون إلى زيت خالص بوضع الأواني التي تحتوي على السائل فوق النار ويتم تحريكه يدوياً ومراقبتهُ جيداً حتى يتحول الى عجينة متماسكة يتم عزلها واستخلاص الزيت النقي والصافي الجاهز للاستعمال. هذه العملية تتم بحذر وتحتاج الى النساء الخبيرات بذلك لأن أي خطأ في هذه المرحلة سيكون تأثيرهُ كبيراً على جودة الزيت المستخلص فالعملية الإنتاجية للتر واحد من زيت شجرة الأركَان تحتاج الى 8 ساعات عمل دؤوب وشاق لنساء خبيرات في صناعته. لذا فهذه المهنة التقليدية المتوارثة منذ زمن بعيد تواجه خطر الزوال بفعل تراجع الإقبال من الأجيال الشابة على هذه المهنة المجهدة وضعف مداخيلها للعاملات فيها. وفي هكذا ظروف لإنتاج هذا الزيت ذو الشهرة العالمية يكون بديهاً انه منتوج نادر ومرتفع الثمن قياساً بزيوت مهمة أخرى مغربية كزيت الزيتون البكر الذي يشتهر به المغرب ايضاً وعلى مستوى عالمي، وذلك لندرة شجرة الأركَان والجهد الجماعي الكبير المبذول في الحصول على زيت ثمارها (حيث تحتاج عملية إنتاج ليتر واحد من الزيت الى حوالي 40 كيلوغرام من الثمار اذا كان مخصصاً للأكل وأكثر من ذلك اذا كان مخصصاً للتجميل) بالإضافة الى جودة مكوناته العالية فهو زيت غني بمضادات الأكسدة والأحماض الدهنية الأساسية، يدخل في العديد من الصناعات الغذائية والطبية ومستحضرات التجميل ويساهم في تعزيز التنمية المستدامة للسكان المحليين وفي التخفيف من آثار تغيّر المناخ في المنطقة.. أن كل خصوصية قوة ومقاومة هذه الشجرة للظروف البيئية المحيطة بها وامتداد جذورها عميقاً في التربة والزراعات التي تنمو في ظلالها فقد شكلت بحق درعاً مقاوماً للتصحر في المغرب ومصدراً مهماً للشغل والإنتاج المتميز والتصدير لمنتجاتها الثمينة المطلوبة حول العالم.
.
–
وقد حرصت المملكة المغربية ضمن مخططها “المغرب الأخضر” دائما على رعاية والاهتمام بشجرة الأركَان وعبرت عن ذلك ضمن رؤية استراتيجية تهدف المحافظة على الشجرة من خلال إنشاء الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركَان “أندزوا” عام 2010، والتي تتولى الإشراف على هذا القطاع الذي يتميز بأولوية زراعياً، بيئيا واقتصادياً، وذلك وفق
الضوابط والأسس المنسجمة مع مبادئ التنمية المستدامة وأهدافها. من خلال تنفيذ مشاريع تروم النهوض بزراعة والاستثمار في أشجار الأركَان، منها مشروع إنشاء مركز وطني لشجرة الأركَان مهمته الاهتمام بالبحث العلمي للخصائص وطرق العناية بهذه الشجرة، ومتابعة تنزيل أهداف برنامج إعادة تأهيل مناطق زراعة الأركَان بالإضافة إلى إنشاء متحف خاص بتراث شجرة الأركَان