‮«‬نور‮»‬

الصحفية الاديبة   فتحية الجديدي ((ليبيا))

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_سكتت‭ ‬المرأة‭ ‬وسط‭ ‬الضوضاء‭ ‬وموجة‭ ‬الأصوات‭ ‬الصاخبة‭ ‬وهي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬طفلها‭ ‬الذي‭ ‬تركها‭ ‬منذ‭ ‬سبعة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا‭ ‬وذهب‭ ‬ليعيش‭ ‬مع‭ ‬والده،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انفصل‭ ‬والداه‭ ‬عن‭ ‬بعضهما‭ ‬لعدم‭ ‬تفاهمهما‭ ‬واتفاقهما‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬حياة‭ ‬تريحهما‭ ‬–‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬كانت‭ ‬المبررات‭ ‬للجميع‭ ‬–‭ ‬وظلت‭ ‬تحتفظ‭ ‬بما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬عمر‭ ‬وتفاصيلها‭ ‬في‭ ‬ذاكرتها‭ ‬وشيء‭ ‬من‭ ‬الحنين‭ ‬لتلك‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬اعتبرتها‭ ‬مبهجة‭ ‬رغم‭ ‬قساوة‭ ‬بعض‭ ‬أيامها‭ ‬وتفسخ‭ ‬قيمتها‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬علاقاتهما‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬لسنوات‭ ‬حاملة‭ ‬حلاوة‭ ‬ومرارة‭ ‬مجتمعة‭ ‬،‭ ‬كانت‭ ‬قوية‭ ‬وجريئة‭ ‬–‭ ‬ولأنها‭ ‬ولدت‭ ‬وعاشت‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬صعبة‭ ‬ومؤلمة‭ – ‬استقت‭ ‬قوتها‭ ‬من‭ ‬تحديها‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬أطفالها‭ ‬الآخرين‭ ‬الذين‭ ‬اختاروا‭ ‬البقاء‭ ‬معها‭ ‬والعيش‭ ‬في‭ ‬كنفها،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أبيهم‭ ‬العنيد‭ ‬والحنون‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭.‬

كبر‭ ‬ابنها‭ ‬التي‭ ‬تشتاق‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬وتسهر‭ ‬مع‭ ‬ذكرياتها‭ ‬معه‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬تحمله‭ ‬بين‭ ‬ذراعيها‭ ‬وفرحتها‭ ‬بقدومه‭ ‬بعد‭ ‬أختيه‭ ‬الاثنتين‭ ‬وافتخارها‭ ‬أمام‭ ‬نساء‭ ‬الحي‭ ‬بأنها‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬هدية‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬ومنحها‭ ‬ذكرًا،‭ ‬وكيف‭ ‬اختارت‭ ‬له‭ ‬اسمًا‭ ‬مضيئًا‭ ‬استمدته‭ ‬من‭ ‬عينيها‭ ‬“نور‭ ‬“‭ ‬وشعورها‭ ‬القوي‭ ‬بأنها‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬تحلم‭ ‬بأنها‭ ‬ستكون‭ ‬الجدة‭ ‬يومًا‭ ‬لأحفاد‭  ‬يحملون‭ ‬ملامح‭  ‬ابنها‭ ‬الغائب‭.‬

صرخت‭ ‬على‭ ‬أبنائها‭  ‬قائلة‭ : ‬ألم‭ ‬تبحثوا‭ ‬عن‭ ‬أخيكم‭ ‬وتتحسسوا‭ ‬أثره‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬وقد‭ ‬صرتم‭ ‬كبارًا‭ ‬وهو‭ ‬الآن‭ ‬أشد‭ ‬ما‭ ‬يحتاجكم‭ ‬؟‭ ‬ألم‭ ‬تسألوا‭ ‬عنه‭ ‬لتحتضنوه‭ ‬وأنتم‭ ‬تشاركونه‭ ‬نفس‭ ‬الأم‭  ‬التي‭ ‬عادت‭ ‬الدنيا‭ ‬وفقدت‭ ‬من‭ ‬روحا‭ ‬لتعطيكم‭ ‬؟

وأردفت‭ ‬تقول‭ : ‬دخلت‭ ‬المحاكم‭ ‬طفلة‭ ‬أحمل‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬أخاكم‭ ‬وفي‭ ‬معيتي‭ ‬أنتم‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬والدكم‭ ‬اشترط‭ ‬أن‭ ‬يحتفظ‭ ‬به‭ ‬،‭ ‬وليس‭ ‬ذنب‭ ‬أخيكم‭ ‬أن‭ ‬والده‭ ‬اختاره‭ ‬،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬خياري‭ ‬أن‭ ‬ابعدكم‭ ‬عن‭ ‬والدكم‭ ‬ولا‭ ‬بيد‭ ‬أبيكم‭ ‬أن‭ ‬يقسمكم‭ ‬وان‭ ‬تعيشوا‭ ‬دونه‭ ‬،‭ ‬ألم‭ ‬يحن‭ ‬الوقت‭ ‬للعيش‭ ‬جميعًا‭ ‬وقد‭ ‬فارق‭ ‬أبوكم‭ ‬الحياة‭ ‬وترك‭ ‬قطعة‭ ‬مني‭ ‬بعيدة‭ ‬عني‭ ‬؟‭ .. ‬لما‭ ‬تعاقبون‭ ‬أخاكم‭ ‬؟‭ ‬وتهملونه‭ ‬بالرغم‭ ‬بأنه‭ ‬الابن‭ ‬الأكبر‭.‬

لم‭ ‬تكف‭ ‬الأم‭ ‬عن‭ ‬صراخها‭ ‬ولم‭ ‬تغادرها‭ ‬الكوابيس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الليل‭ ‬وهي‭ ‬تشاهد‭ ‬الرياح‭ ‬تقتلع‭ ‬الأشجار‭ ‬من‭ ‬جذورها‭ ‬تنهض‭ ‬فزعة‭ ‬وهي‭ ‬تتصبب‭ ‬عرقًا‭ ‬يستنزفها‭ ‬الحزن‭ ‬ويقتلها‭ ‬الشوق‭ ‬لابنها‭ ‬الذي‭ ‬لاتعرف‭ ‬شيئاً‭ ‬عنه‭ ‬،‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬نور‭ ‬،‭ ‬فأعدت‭ ‬حقيبة‭ ‬صغيرة‭ ‬وسافرت‭ ‬لمكان‭ ‬ابنها‭ ‬وغابت‭ ‬عن‭ ‬بيتها‭ ‬وأبنائها‭ ‬خمسة‭ ‬أيام‭ ‬حتى‭ ‬تواردت‭ ‬الأخبار‭ ‬بموتها،‭ ‬فقلبها‭ ‬الضعيف‭ ‬لم‭ ‬يحتمل‭ ‬مشاق‭ ‬الطريق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أنهكها‭ ‬البكاء‭ ‬ووجع‭ ‬الغياب‭ .‬

فقدت‭ ‬تلك‭ ‬العائلة‭ ‬محور‭ ‬حياتها‭ ‬وانتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬فرقة‭ ‬أصعب‭ ‬وحرمان‭ ‬أقسى‭ .. ‬تلك‭ ‬حكاية‭ ‬روتها‭ ‬عجوز‭ ‬مكلومة‭ ‬في‭ ‬أم‭ ‬قضت‭ ‬وأخ‭ ‬غاب‭.‬

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post قد تكون هنا
Next post شريعة الأرانب