«نور»
الصحفية الاديبة فتحية الجديدي ((ليبيا))
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_سكتت المرأة وسط الضوضاء وموجة الأصوات الصاخبة وهي تبحث عن طفلها الذي تركها منذ سبعة عشر عامًا وذهب ليعيش مع والده، بعد أن انفصل والداه عن بعضهما لعدم تفاهمهما واتفاقهما على طريقة حياة تريحهما – أو هكذا كانت المبررات للجميع – وظلت تحتفظ بما تبقى من عشرة عمر وتفاصيلها في ذاكرتها وشيء من الحنين لتلك الحياة التي اعتبرتها مبهجة رغم قساوة بعض أيامها وتفسخ قيمتها في أواخر علاقاتهما التي ظلت لسنوات حاملة حلاوة ومرارة مجتمعة ، كانت قوية وجريئة – ولأنها ولدت وعاشت في ظروف صعبة ومؤلمة – استقت قوتها من تحديها على تلك الظروف التي دائمًا ما تحدث عنها أطفالها الآخرين الذين اختاروا البقاء معها والعيش في كنفها، بعيداً عن أبيهم العنيد والحنون في آن واحد.
كبر ابنها التي تشتاق إليه في كل ليلة وتسهر مع ذكرياتها معه عندما كانت تحمله بين ذراعيها وفرحتها بقدومه بعد أختيه الاثنتين وافتخارها أمام نساء الحي بأنها حصلت على هدية من الله ومنحها ذكرًا، وكيف اختارت له اسمًا مضيئًا استمدته من عينيها “نور “ وشعورها القوي بأنها المرأة التي تحلم بأنها ستكون الجدة يومًا لأحفاد يحملون ملامح ابنها الغائب.
صرخت على أبنائها قائلة : ألم تبحثوا عن أخيكم وتتحسسوا أثره بعد كل هذه السنوات وقد صرتم كبارًا وهو الآن أشد ما يحتاجكم ؟ ألم تسألوا عنه لتحتضنوه وأنتم تشاركونه نفس الأم التي عادت الدنيا وفقدت من روحا لتعطيكم ؟
وأردفت تقول : دخلت المحاكم طفلة أحمل بين يدي أخاكم وفي معيتي أنتم ، لكن والدكم اشترط أن يحتفظ به ، وليس ذنب أخيكم أن والده اختاره ، ولم يكن خياري أن ابعدكم عن والدكم ولا بيد أبيكم أن يقسمكم وان تعيشوا دونه ، ألم يحن الوقت للعيش جميعًا وقد فارق أبوكم الحياة وترك قطعة مني بعيدة عني ؟ .. لما تعاقبون أخاكم ؟ وتهملونه بالرغم بأنه الابن الأكبر.
لم تكف الأم عن صراخها ولم تغادرها الكوابيس في كل الليل وهي تشاهد الرياح تقتلع الأشجار من جذورها تنهض فزعة وهي تتصبب عرقًا يستنزفها الحزن ويقتلها الشوق لابنها الذي لاتعرف شيئاً عنه ، قررت أن ترى نور ، فأعدت حقيبة صغيرة وسافرت لمكان ابنها وغابت عن بيتها وأبنائها خمسة أيام حتى تواردت الأخبار بموتها، فقلبها الضعيف لم يحتمل مشاق الطريق بعد أن أنهكها البكاء ووجع الغياب .
فقدت تلك العائلة محور حياتها وانتهى الأمر بهم إلى فرقة أصعب وحرمان أقسى .. تلك حكاية روتها عجوز مكلومة في أم قضت وأخ غاب.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_