طوفان درنة(5)
اسماء القرقني ((ليبيا))
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ اقترب من شاطيء (ادليس ) وَجِلاً ، يخطو في بطء وتردد ، مازال جميلاً كعهده به ،رماله تحاكي الذهب في لمعانها وامواجه تنافس امواج الخلجان الصغيرة في رقتها و رفقها ، كان خالياً على غير العادة ، اهل المدينة مازالوا غاضبين بسبب فعلته الشنعاء ، حرّموا الذهاب إليه من حينها ،
( اعتقد انني تجاوزت الأمر ، نعم تجاوزته)
، هكذا ردد وهو يدنو منه ، لكنه شعر ان اقدامه واهنة لا يسعها حمله، استغاثتها و صراخها والسيل يقذفها هناك تشق قلبه وذاكرته، نظر الى التاريخ ، آه ما اسرع الايام والليالي ، مر قرابة عام على ابتلاعه لها، شهرين كاملين وهو يبحث عنها، تنهد في حرقة ونظر الى ابنه ذو الثمانية اعوام مشفقاً، الجزع كان محفوراً على وجهه النحيل، رغم صغر سنه الا انه لم ينسى .
…. حزم امره بعد ان تقاذفته رياح التردد ، كرر في عزم:
( لا استغناء عن البحر، لايوجد في مدينتنا المهشمة شيء غيره ينعش ارواحنا ويكسر رتابة أيامنا )
كان يقف بين الفينة والفينه ليراقب انطباعات ابنه ثم يحثه على التقدم وقشعريرة تجتاح جسده ، يركز بصره على الموج من بعيد ،في كل دفقة يتخيل رفات او متعلقات شخصية لضحايا اليوم المنكوب، يتنفس الصعداء بعد ان يلمح لمعان الماء وصفائه وبراءته مما تخيل .
تقدم شيئاً فشيئاً ، الى ان وقف امامه مباشرة وصارت امواجه الناعمة تلمس اطرافه في دعة ، جلس على الرمال الدافئة ، سرت في جسده سكينته القديمة التي طالما استشعرها بقربه، استسلم لدغدغة مياهه الحانية …. اغمض عيناه برهة متمسكاً بالشعور الجميل ….
ايقظته صرخة ابنه!!
تسارع نبضه عندما لمحه منحنياً فوق الماء، وفي كفه الصغيرة شيء ملون يشبه لعبه فقدها تلك الليلة:
– مثل لعبتي، قد تكون هي.
تجمد الدم في عروقه عندما رأى ابنه مازال يحدق في الماء والدهشة تعلو ملامحه ، استعد لمغادرة الشاطيء عندما قال له :
– هناك شيء آخر جلبته الأمواج يا أبي.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_