القمر الأحمر 

د. إدريس القايد ((ليبيا))

 القمر الأحمر : 

عمر ألمؤلف 19

عمر الملحن 24

عمر المطرب 22

يواجه الفنان المغاربي.. تحدي ذائقة معظم الناس في بلاده كونها مشرقية مصرية شامية .. كان على المطرب أن يقدم موهبته بأداء اغنية مشرقية و كان على الملحن أن يستعين بقوالب الموسيقى الطربية الشرقية و مقاماتها و الابتعاد عن السلم الموسيقي الخماسي غير المعروف في مصر و الشام . كذلك عدم تنويع الإيقاع و السيطرة على روح الموسيقى الصوفية و تهدئة اللحن وجعله مرسلا لا مفاجأة فيه . هذا بالنسبة للمطرب و الملحن .. أما عن كاتب الكلمات شعرا فالتحدي أكبر ..  فالمفردات المحلية غير المعروفة والمجهولة تماما عند باقي العرب تجعل التعبير صعب و ايضا و ربما الأهم هو الموضوع .. موضوع العمل الغنائي ..فالمواضيع متنوعة وليست محصورة في العلاقة الرومانسية كما هي في الشرق العربي .. كل هذه العوامل كانت عوامل تحدي لدى الفنان المغربي مطرباً أو ملحناً أو شاعراً . ثم كانت القمر الأحمر ! 

في 2008 التقيت بالمطرب المغربي ذائع الصوت و جميله عبد الهادي بلخياط : 

أنا : سعيد انني التقيت بك فأنا أحفظ اول اغنية لك في منتصف الستينات . 

هو : ما هي ” بابتسامة واستغراب” ..؟ 

أنا : شافوني الناس بسنارة! 

هنا اخذني بالحضن و قال لي : 

هو : انا عرفت الآن لماذا أحب الليبيين في ذاك الوقت أنا لم أكن مشهورا حتى في المغرب  … كيف عرفتها ؟ 

انا : صديق زار المغرب و اشترى الاسطوانة و كنا نسمعها في السيارة طوال النهار . 

طبعا كان حواراً قصيراً . وإلا لكنتُ عبرت له كيف امضينا ليالي وراء ليالي نستمع إلى اغنيته الجميلة القمر الأحمر خلال أواخر الستينيات .. هذه القصيدة التي لها وضع خاص موسيقياً ونصاً. فالشعر صور جمالية فائقة الخيال و المقدرة اللغوية وهي للشاعر رفيع المستوى عبد الرفيع جواهري. أما اللحن البديع الذي يمكن اعتباره شرقيا طربياً هو لفنان المأساة عبد السلام عامر . هذا الفنان الذي فقد بصره طفلاً ، ثم عند سجنه سياسياُ و فقدان حياته شاباً ، لكنه ترك لنا اثراً بل آثار من عدة قصائد أهمها هذه القصيدة الخلابة ” القمر الأحمر ” . كيف اختار الشاعر قمر الخسوف الكلي عندما يتحول لون القمر بأشعة الشمس المنكسرة من خلال الغلاف الجوي الأرضي إلى اللون الأحمر ؟ 

يحمل القمر الأحمر تفسيرات عبر التاريخ كلها أساطير وخرافات و كان يُنظر اليه انه امرٌ سيئ جدا . فهذا كريستوفر كولومبوس الذي علم بحساب حدوث الخسوف من كتب عالم الفلك المسلم أبو العباس الفرغاني المولود في اوزبكستان و المدفون بالقاهرة . فهدد كولومبوس سكان القارة الامريكية بانهم اذا لم يأتوا له بالطعام والماء فإن الإله سيغضب و يطفئ القمر . وعندما رفضوا حدث الخسوف فأتوا له بالطعام  وشبع هو ومن معه . و هكذا استخدم البعض الخسوف وتوظيفه في إخافة الناس . الشاعر الجواهري المغربي استخدم القمر في هذه القصيدة بشكل رومانسي بعيدا عن الخوف وعن الأساطير. رومانسي نعم ولكن هذه القصيدة هي رومانسية وطنية . عبر بها الشاعر عن وصف بلدته أكوس بمشاعر جيّاشة و فيّاضة يكنّها الشاعر لوطنه مؤكّدا ” في بلدة أكوس التي تسكر من نهرها ” ابو الرقراق ” . هنا تكمن العبقرية في هذه القصيدة . كيف رسم صورة الجبال و النهر في لوحة طبيعيّة مميّزة جدّا رسمها الشّاعر بكلماته المنتقاة بحرفيّة فائقة الدقة والاختيار . و يأتي اللحن مشرقاً كالكلمات مفعماً بالشرقية لحنياً 

 و يمكن القول أن عبد الهادي بلخياط و اغنيته القمر الأحمر كانت الأغنية الثانية ” بعد ما انا الا بشر ” التي جعلت من الفن المغربي الذي عشقه الليبيون بشغف وأكدت انتشار الأغنية المغربية العرفانية التي ذكرناها بالرغم من أن لحن وموسيقى القمر الأحمر شرقية اللون طربية 

ابولونية. تبدأ الاغنية في مقام النهاوند لكن يغلب عليها مقام الرست و بالطبع في اغنية طويلة باللغة الفصحى لابد من حضور مقام البياتي في احلى صورة ممكنة وقد أبدع ملحنها من وضع لحن تاريخي ومرجعي. عندما نلاحظ و نستمع إلى حجم الموسيقى سواء في المقدمة أو في الفواصل وحتى خلال الغناء سنكتشف لماذا هذه الاغنية خالدة . الاغنية وصف للوطن ممثلا في مدينة اكوس بالمغرب و نهر ابو الرقراق و المراعي و جبال الأطلس. في حين أن الأغنية إسمها القمر الأحمر أثناء الظلمة الا أن هذا الوطن كله ضياء لذا تأتي الشقراء من أوروبا من بلد الضباب وكأنها في حوار مع الشاعر وتتساءل عن جمال الضياء و عن القمر الأحمر.. تؤدي هذه الاسئلة المطربة بهيجة إدريس.. 

 عبقرية النص تفوق الوصف .  كلماتها : 

خجولاً أطلَّ وراءَ الجبال

وجفنُ الدجى حولَهُ يسهرُ

ورقراقُ ذاك العظيم على

شاطئيه ارتمى اللحنُ والمزهرُ

وفي موجه يستحمُّ الخلودُ

وفي غوره ترسب الأعصُر

*******

وشقراءُ من عرصاتِ الضبابِ

يعُبُّ السنا طرفُها الأحور

لقد ظمئت روحُها للضياءِ

وفي بلدتي أكؤسٌ تُسكر

وقلبُها ملَّ ليالي الضبابِ

وفي ليلنا أنجمٌ تُمطر

تسائلني حلوةُ اللفتات

أفي مرجكم تولد البسماتُ ؟

أفي ليلكم قمرٌ أحمر ؟

ورقراق موجاته أغنيات

امن سحره تنبع الأنهر؟ .

مقام السيكا .. 

سيطر بجاذبيته و في النصف الثاني من الستينيات بسبب انتشار أغنية الاطلال . لنفس شاعر وملحن القمر الأحمر غنى عبد الهادي بلخياط أغنية على هذا المقام وهي من الآفاق الموسيقية التي اعتمدت على اللغة العربية الفصحى و الموسيقى الشرقية الفصحى . ورغم أن اللحن شرقي النغم والإيقاع إلا أنه احتفظ بتلك الروح المغربية . من انتشار هذه الأغاني يمكن أن نتخيل ماذا كانت الأحاسيس و العواطف لدى الشباب العربي الذي يعيش في مجتمع محافظ و تبقى علاقات الحب سر عفيف تقول كلماتها : 

سأظل أرقب وعدها ما كانت لتخلف عهدها – أمس التقينا روحين كنا – تحت الصنوبر هاهنا لا زلت أذكر أنها كانت تصفف شعرها خجلى تحملق حولها- كم كان يغمرني السنا – كالطفل أنظر للدنى تشدو ترقص حولنا- لازلت أذكر همسها حتى ارتعاشة قلبها قالت بدافئ صوتها- يا ويلتي ما كانت لتسفح دمعتي – ما كانت لتخلف عهدها يا لوعتي –  أو أخطأت لا بد انها ساعتي 

كانت الاذاعات بدول المغرب تذيع الاغاني من كل الدول العربية وخاصة مصر . في حين لم يعرف الشرق العربي ايا من فنون المغرب العربي .. إلى يومنا هذا كل الذي عرفه حتى اللحظة… ديدي واو !

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post هل هو فن؟! 
Next post  وزير الخارجية الفرنسي الجديد في أوكرانيا