المفاجآت العشر في حرب أوكرانيا.. وفق تحليل إيمانويل تود في كتابه “هزيمة الغرب”

نور الدين النيفر

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_”الغرب ليس مستقرّا. حتى أنه مريض. وسنقوم بتفصيل هذه الحقيقة القاسية في هذا الفصل والفصول التالية. هو ليس في أزمة فحسب، هو يشغل موقعا مركزيا. إن وزنه الديموغرافي أو الاقتصادي، الذي يزيد بسبعة إلى عشرة أضعاف وزن روسيا ، مع تقدمه التكنولوجي، وهيمنته الأيديولوجية والمالية الموروثة من التاريخ الاقتصادي للأعوام 1700-2000، يقودنا حتما إلى فرضية أن أزمته هي أزمة العالم” (إيمانويل تود، هزيمة الغرب، الفصل الرابع).

يتساءل إيمانويل تود، المثقف النقدي الإنساني والأكاديمي ذو الصيت العالمي، في كانون الأول/ ديسمبر 2023: ما هي المفاجآت الجيوسياسية الحاصلة من حرب روسيا ضد أوكرانيا؟ وما هي نتائجها على الغرب والشرق الأوسط والعالم مقارنة مع خطط وتوقعات من يخوضونها؟ لماذا استهان الغربيون بخصومهم إلى هذا الحد؟ وكيف تحلّل نتائج عدمية الغرب وسقوطه الأخلاقي كأسباب لانتصار الروس على الغرب في حرب أوكرانيا باعتبارها حربا ثقافية/ حضارية لقيم الإنسانية ضد عدمية الغرب؟

بين عامي 2016 و2022، اندمجت حسب إيمانويل تود العدميةُ الغربية مع العدمية في أوكرانيا التي ولدت من تحلّل المجال السوفييتي. نتائج وتبعات حرب روسيا على أوكرانيا باغتت وأدهشت الفكر الاستراتيجي بمفاجآتها وصارت تؤثّر بعمق في التحولات الجيوسياسية الراهنة بين القوى الدولية، بما في ذلك الحرب الراهنة في غزة والصراع الدائر في الشرق الأوسط. وقد وصفها إيمانويل تود(*) بالمفاجآت العشر في كتابه “هزيمة الغرب” (La défaite de l’occident) الصادر في كانون الثاني/ يناير 2024 عن دار غاليمار في باريس.

يجيب إيمانويل تود من خلال تعبئة منهجية تحليلية لمفاهيم ونظريات علوم الاقتصاد والتاريخ وعلم الاجتماع الديني وأنثروبولوجيا الأعماق والديموغرافيا والإحصاء والجغرافيا السياسية؛ بمفاجآت عدّدها عشرا من حرب روسيا ضد أوكرانيا، تدعم تنبّؤه بتفكّك النظام الأمريكي في كتابه “بعد الإمبراطورية”، وهو دراسة عن تحلل النظام الأمريكي نشره في صميم موجة العولمة سنة 2002.

في 24 شباط/ فبراير 2022، أعلن فلاديمير بوتين على شاشات التلفاز حول العالم دخول القوات الروسية إلى أراضي أوكرانيا. خطابه في الأساس لا يتعلق بأوكرانيا ولا يتعلق بحق تقرير المصير لسكان إقليم الدونباس، بل كان تحديا لحلف شمال الأطلسي.. الهجوم حتمي “لأن التوسع المستمر في البنية التحتية لحلف شمال الأطلسي وتهيئة الأراضي العسكرية في أوكرانيا أمر غير مقبول بالنسبة لنا”، حسب قوله. فبالنسبة لبوتين تم تجاوز “الخط الأحمر”، وأصر على أن حربه دفاع عن النفس بواقعية قاسية تغتنم من توازن القوى الذي كان في صالحه باستمالة الصين، ولأن امتلاك روسيا صواريخ تفوق سرعة الصوت منحها التفوق الاستراتيجي. كان خطاب بوتين منظما وهادئا للغاية، وواضحا تماما، ومع ذلك، مثل معظم الحروب، وخاصة الحروب العالمية، لا تسير هذه الحرب كما خطط لها طرفاها؛ روسيا والغرب، لقد قدّمت الحرب بالفعل العديد من المفاجآت.

1) اندلاع الحرب في أوروبا التي تدّعي أنها بحيرة الأمن والسلام

المفاجأة الأولى تجسدت في اندلاع الحرب نفسها في أوروبا، وهي حرب حقيقية بين دولتين، وهو حدث غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية بالنسبة لقارة أوروبا التي اعتقدت أنها استقرت في مسار تاريخي لسلام دائم يكرّسه الاتحاد الأوروبي بمختلف مؤسساته العسكرية والمالية والدبلوماسية.

2) حرب الولايات المتحدة اشتعلت ضد روسيا وليس ضد الصين

المفاجأة الثانية
 تتمثل في أن الخصمين اللذين أشعلا هذه الحرب هما الولايات المتحدة وروسيا، وليس الصين. إذ لأكثر من عقد من الزمان كانت أمريكا تعتبر الصين عدوها الرئيس، وكان العداء تجاهها في واشنطن موقفا مشتركا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهي النقطة الوحيدة التي يتفق الجمهوريون والديمقراطيون عليها في السنوات الأخيرة. لكن فجأة تحوّل العداء إلى مواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا عبر الأراضي الأوكرانية.

3) صلابة المقاومة العسكرية الأوكرانية التي توقّع الجميع أن يتم سحقها بسرعة

المفاجأة الثالثة
 كانت صلابة المقاومة العسكرية الأوكرانية التي توقّع الجميع أن يتم سحقها بسرعة. وبعد أن كوّنوا صورة طفولية ومبالغا فيها لبوتين الشيطان المستبد والمجنون في الإعلام الغربي، رفض العديد من الغربيين رؤية واقع أن روسيا أرسلت ما بين 100 ألف و120 ألف مقاتل إلى أوكرانيا، الدولة التي تبلغ مساحتها 603700 كيلومتر مربع. وعلى سبيل المقارنة، في عام 1968 أرسل الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو التابع له 500 ألف جندي لغزو تشيكوسلوفاكيا، وهي دولة تبلغ مساحتها 127900 كيلومتر مربع، أي خُمس أوكرانيا.

لكن الأكثر إثارة للدهشة تصورات الروس أنفسهم. ففي نظرهم، كما في نظر معظم الغربيين المطلعين، كانت أوكرانيا تسمى دولة فاشلة نظرا لفسادها المستشري، وفقدانها منذ استقلالها في عام 1991 لما يقارب 11 مليون نسمة بسبب الهجرة وانخفاض الخصوبة، وكانت تهيمن عليها طغمة أوصلت الفساد هناك إلى مستويات جنونية عرّضت الوطن وشعبه للبيع. ففي عشية الحرب كانت أوكرانيا الأرض الموعودة لتأجير الأرحام الرخيصة والمغامرات الحميمية مدفوعة الأجر. لكن صمدت لأنه من المؤكد أن أوكرانيا كانت مجهزة بصواريخ جافلين المضادة للدبابات من قِبَل حلف شمال الأطلسي، وتمتلك منذ بداية الحرب أنظمة مراقبة وتوجيه أمريكية. ولكن المقاومة الشرسة التي تبديها دولة في حالة تحلل تشكل مشكلة تاريخية في عدم النجاعة. وما لم يتوقعه أحد هو أن الأوكرانيين سيجدون في الحرب سببا للعيش، ومبررا لوجودهم.

4) مرونة اقتصاد روسيا وبقاؤها مستقرّة رغم كل العقوبات

أما المفاجأة الرابعة 
الأقوى والتي سفّهت كل تحاليل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وجهابذة الاستراتيجيين الغربيين فكانت مرونة روسيا الاقتصادية وبقاؤها. قيل من قبل وزراء ومسؤولي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إن العقوبات، وخاصة استبعاد البنوك الروسية من نظام التداول بين البنوك “سويفت”، ستجعل روسيا تركع على ركبتيها. ولكن محافظة البنك المركزي الروسي وفريقها المالي والمهندسين في الإعلامية والشبكات الصينية لتكنولوجيا الاتصالات المالية كذبت العقول الفضولية، والموظفين السياسيين والصحفيين، وكشفت عن الإيمان السخيف بالقدرة المالية المطلقة للغرب. وظهر أن الروس قد تكيفوا وتم تدريبهم على عقوبات عام 2014 وصاروا على استعداد ليكونوا مستقلين في مجال تكنولوجيا المعلومات والمجالات المصرفية. واكتشف العالم أن روسيا الحالية، بعيدة كل البعد عن الحكم الاستبدادي الستاليني الجامد الذي تنشره الصحافة يوما بعد يوم. اتحاد الدول الفدرالية لروسيا قادرة على التمتع بمرونة فنية واقتصادية واجتماعية كبيرة. لقد بينت أنها وإن ضعفت إلا أنها بقيت خصما للغرب يجب أن يؤخذ على محمل الجد.

5) انهيار الإرادة الأوروبية واستقلاليتها برمتها

المفاجأة الخامسة
 انهيار الإرادة الأوروبية واستقلاليتها برمتها. كانت سياسة أوروبا تسطّر من الثنائي فرنسا وألمانيا بشكل متوازن منذ أزمة 2007-2008، لكن لم تعد ألمانيا كزوج مطيع يستمع إلى ما تقوله له شريكته فرنسا. وحتى في ظل الهيمنة الألمانية، احتفظت أوروبا بقدر محترم من الحكم والقرار الذاتي. ورغم تردده في البداية، تخلى المستشار الألماني شولتز ومعه الاتحاد الأوروبي بسرعة عن أي رغبة في الدفاع عن مصالح ألمانيا وأوروبا الخاصة، مع فقدان استقلالية القرار السيادي. بل قطعت ألمانيا عن نفسها إمدادات الطاقة الروسية وانسحبت شركاتها من اقتصاد روسيا، شريكها التجاري بالمليارات.

والمفارقة أنها فرضت عقوبات على نفسها بنفسها بشكل متزايد، وتغاضت عن عملية تخريب خطوط أنابيب الغاز “نورد ستريم” (1 و2) لإمداد الصناعات الألمانية بالطاقة، وهو عمل يوصف بالإرهابي عند غيرها. وهو موجه ضدها بقدر ما هو موجه ضد روسيا، لكن تجاهلت ألمانيا التحقيق في هذا الحدث المذهل بإذعان.

وتبخّرت دبلوماسية وسطوة فرنسا بقيادة إيمانويل ماكرون على الساحة الدولية، في حين أصبحت بولندا الوكيل الرئيس لواشنطن في الاتحاد الأوروبي، وخلفت في هذا الدور بريطانيا التي أصبحت مصالحها خارج الاتحاد الأوروبي بسبب الخروج منه (بريكست). وتم استبدال محور باريس- برلين بمحور لندن- وارسو- كييف الذي تتم إدارته من واشنطن. تلاشت أوروبا وأمست تابعا مفكّك السلطة ومنزوع القرار.

6) المملكة المتحدة كقوة حربية مضادة لروسيا من خارج الاتحاد الأوروبي

المفاجأة السادسة
 للحرب هي ظهور المملكة المتحدة كقوة حربية مضادة لروسيا، وظهرت وزارة دفاع بريطانيا على الفور باعتبارها واحدة من أكثر المشاركين حماسا في الصراع. وكانت المملكة المتحدة أول من يرسل صواريخ بعيدة المدى ودبابات ثقيلة إلى أوكرانيا. وقد أثرت هذه الخطوة على وتيرة تصعيد الحرب، وبطريقة غريبة وبنفس القدر على الدول الإسكندنافية المجاورة لروسيا التي كانت لفترة طويلة ذات مزاج سلمي وأكثر ميلا إلى الحياد عسكريا.

7) تحول شمال أوروبا والنرويج والدنمارك من الحياد إلى مناطق عسكرية مع طلب الانتماء إلى الحلف الأطلسي

وهو ما أحدث المفاجأة السابعة، في شمال أوروبا إذ تحولت النرويج والدنمارك لمناطق عسكرية حليفة مهمة للغاية للولايات المتحدة، بينما طلبت فنلندا والسويد انضمامهما إلى حلف شمال الأطلسي، وبيّنتا الاهتمام الجديد بالحرب والتسلح الذي كان مكتوما قبل الغزو الروسي لأراضي أوكرانيا، فقد كانتا بمنأى عن الصراعات العسكرية.

8) نقص إنتاج السلاح للقوة العظمى العالمية الأمريكية وعجزها عن ضمان تزويد أوكرانيا

المفاجأة الثامنة
 هي الأكثر إثارة للدهشة حسب إيمانويل تود، وجاءت من الولايات المتحدة، القوة العسكرية الأولى المهيمنة في العالم. فقد تم التعبير عن القلق رسميا في حزيران/ يونيو 2023، في العديد من التقارير والمقالات لمراكز التفكير (Think tank) استنادا للبنتاغون: الصناعة العسكرية الأمريكية ضعيفة في إنتاج السلاح التفجيري؛ فالقوة العظمى العسكرية العالمية الأولى غير قادرة على ضمان تزويد القذائف والصواريخ -أو أي شيء من هذا القبيل- إلى تلميذتها الأوكرانية.

هذه ظاهرة غير عادية تماما عندما نعلم أنه عشية الحرب كان الناتج الداخلي الإجمالي لروسيا وبيلاروسيا يمثل 3.3 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي الغربي (الولايات المتحدة وكندا وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية)، لكن رغم ذلك فإن روسيا قادرة على إنتاج كمية أسلحة أكثر من العالم الغربي برمته. وبذلك تكون المشكلة مزدوجة: أولا بالنسبة للجيش الأوكراني الذي يخسر الحرب، بسبب نقص إمدادات الذخيرة، وثانيا كذب وافتراء تحليلات واستشراف العلم الحاسم في الغرب، أي الاقتصاد السياسي والجيوسياسي “العلمي للخبراء الجهابذة” الذي انكشف طابعه الأيديولوجي الزائف لكل العالم.

إن مفهوم الناتج الداخلي الإجمالي كمعيار للقوة العسكرية عفا عليه الزمن، ويجب علينا الآن أن نفكر في علاقة الاقتصاد السياسي النيوليبرالي بالواقع الاقتصادي متعدد الأنظمة وبالقوة العسكرية وانهيارها وسقوطها وهزيمتها حسب إيمانويل تود.

9) عزلة الغرب الأيديولوجية عن الأغلبية الديموغرافية لسكان العالم

المفاجأة التاسعة
 هي عزلة الغرب الأيديولوجية عن الأغلبية الديموغرافية للعالم: أفريقيا وأمريكا اللاتينية والصين والهند، أي ثلثي سكان العالم، وجهله (الغرب) بعزلته وعماه. فبعد أن اعتاد الغربيون على تحديد وإملاء القيم التي يتعين على العالم أن يلتزم بها، توقّعوا مصدقين أنفسهم أن الكوكب الأرضي بأكمله سيشاركهم سخطهم على روسيا وسلوكها المتعجرف، ولكنهم أصيبوا بخيبة أمل. وبعد مرور الصدمة الأولى للحرب، شهدت الدبلوماسية الأفريقية والآسيوية والأمريكية الجنوبية ظهور دعم أقل تحفظا لروسيا بل وفي كل مكان تقريبا. وكان من المتوقع أن الصين، التي حددها الأمريكيون باعتبارها الخصم التالي على قائمتهم، لن تدعم روسيا ضد الناتو، لكن ما حصل هو دعم الصين اقتصاديا وماليا للدخول في التعامل بالين والخروج عن الدولار، وإسناد إيران لروسيا عسكريا، وتمسك تركيا بالحياد.

وتجدر الإشارة، حسب إيمانويل تود، إلى أن المعلّقين والمحللين والساسة على ضفتي المحيط الأطلسي، قد أعمتهم نرجسيتهم الأيديولوجية لأكثر من عام من التفكير بجدية، واعتقدوا أن الصين لن تدعم روسيا. وكان رفض الهند المشاركة معهم أكثر إحباطا لهم، لأن الهند هي الدولة الديمقراطية الأضخم في العالم، وهذا يشكل نوعا من الفوضى العبثيّة بالنسبة لمعسكر “الديمقراطيات الليبرالية”. فسّر الغرب الأمر بأن السبب هو أن المعدات العسكرية الهندية كانت إلى حد كبير من أصل سوفييتي.

وفي حالة إيران، التي سارعت إلى تزويد روسيا بطائرات بدون طيار، لم يقدر المعلقون في الأخبار المباشرة تفسير ما يعنيه هذا التقارب من تحول في تحالفات المصالح وتقوية الدفاعات المتبادلة. لقد اعتاد الجغرافيون السياسيون المحترفون في وسائل الإعلام ومراكز القرار، وضع البلدين في حقيبة واحدة، أي حقيبة قوى الشر. تاريخيا، كان لإيران عدوّان: إنجلترا التي حلت محلها الولايات المتحدة بعد سقوط الإمبراطورية البريطانية، وروسيا -وهو من المفارقات- الجارة الشيوعية قبل الشاه وحتى بعده.

في الحقيقة، حسب إيمانويل تود، يبدو بعد عامين تقريبا من الحرب في أوكرانيا أن العالم الإسلامي بأكمله ينظر إلى روسيا كشريك وليس كخصم. ومن الواضح أن المملكة العربية السعودية وروسيا تنظران إلى بعضهما البعض على أنهما شريكان اقتصاديان وليستا خصمين أيديولوجيين؛ عندما يتعلق الأمر بإدارة إنتاج النفط وأسعاره والخروج من سيطرة التعامل بالدولار. وبشكل أكثر عمومية، يوما بعد يوم، زادت الديناميكيات الاقتصادية للحرب من العداء تجاه الغرب في العالم النامي لأنه يعاني من العقوبات الغربية.

10) هزيمة الغرب

المفاجأة العاشرة والأخيرة
 على وشك أن تتحقق، وهي هزيمة الغرب. وهي نتيجة مروّعة عندما يطلقها واحد من أفذاذ العلوم الإنسانية متعدد الاختصاصات، وقد صحت تنبؤاته. وحسب إيمانويل تود الذي له باع في التنبؤ بسقوط الأنظمة، فسوف نفاجأ بمثل هذا التأكيد عندما لا تنتهي الحرب التي انطلقت من أوكرانيا ورست راهنا في غزة والشرق الأوسط. لكن هذه الهزيمة مؤكدة من منظور تحليل تود؛ لأن الغرب يدمّر نفسه بنفسه من دون أن يتعرض لهجوم من روسيا.

يدعو إيمانويل تود إلى أن نوسّع منظورنا ونهرب ولو للحظة من المشاعر التي يثيرها عنف الحرب بشكل مشروع. فيذكّر بداية بأننا في عصر العولمة الكاملة وبكل معنى الكلمة: الأقصى والمنتهي. وحسب رؤية جيوسياسية واقعية، روسيا في الواقع ليست المشكلة الرئيسية، فهي أرض واسعة للغاية بالنسبة لعدد سكانها المتناقص، وستكون غير قادرة على السيطرة على الكوكب الأرضي وليست لديها الرغبة ولا الحاجة في القيام بذلك. إنها قوة موارد “طبيعية” وتطورها ليس غامضا، بل لا توجد مخاطر أزمة روسية قادرة على زعزعة استقرار التوازن العالمي.

إن الأزمة بالفعل هي أزمة غربية، وبشكل أكثر تحديدا أمريكية، تعرّض توازن الكوكب الأرضي للخطر، وقد اصطدمت بمقاومة دولة روسية قومية كلاسيكية ومحافظة بعد أن كانت شيوعية سوفييتية نهضت كقوة عسكرية ضاربة.

_________
(*) إيمانويل تود هو عالم أنثروبولوجيا ومؤرخ وديموغرافي وجيوسياسي وكاتب مقالات. نشرت دار غاليمار (Éditions Gallimard) بشكل خاص كتبه التي ترجمت إلى عدة لغات، خاصة “بعد الإمبراطورية” (2002) و”بعد الديمقراطية” (2008). و”هزيمة الغرب” (La défaite de l’occident)، (2024).

عربي 21

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post قانون جديد يحظر تضليل المستهلكين في أوروبا
Next post دعوة من أطفال بريطانية لوقف إطلاق النار في غزة