عبد الوهاب الدُكالي
د. أدريس القايد
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_العوني بوكرن اسمه الأصلي . ربما اختار اسم عبد الوهاب لأنه كان يقول حفظت اغاني محمد عبد الوهاب وأول أغنية غناها في الإذاعة كانت أغنية لمحمد عبد الوهاب . يمثل الدكالي الفنان الذي أشاع فن بلاده في أنحاء العالم العربي في مسيرة فنية احترافية وجديدة في ستينيات القرن الماضي ، لقد بدأ كبيراً بموهبة كبيرة ، تحدى غُربة اللهجة المغربية و قوالب الموسيقى العرفانية .وهو الذي قدم الأغنية المغربية بلون حديث، حقق نهضة موسيقية وصلتنا في ليبيا منذ البداية. وفتحت أمامنا معرفة الفن المغربي وتذوق أعمال المبدعين : عبد السلام عامر، و عبد الهادي بلخياط، والشاعر رفيع المستوى عبد الرفيع جواهري ، والشاعر العبقري أحمد الطيب العلج. كان تأثير إبداع عبد الوهاب الدكالي يشبه تأثير إبداع محمد عبد الوهاب في مصر . ولقد صنع موازياً نفس الفارق في الفن المغربي ، والفن المغربي يتميز بالتنوع الشديد، وتعدد الإيقاعات والأوزان إلى حد الإعجاز . مع تطور الاذاعات العربية و منها الإذاعة الليبية سمعنا أول أغنية مغربية و أحببناها “ما أنا إلا بشر” . الكلمات السهلة و اللحن المدهش وتبقى من الآثار الغنائية التاريخية . كتب كلماتها الشاعر المسرحي أحمد الطيب العلج في عام 1959، وسلمها إلى عبد الوهاب الدكالي الذي لحنها بصورة تلقائية لكن لجنة الكلمات بالإذاعة رفضتها عندما فُسِّرت كلمات الأغنية بمعاني سياسية و لم تخرج الأغنية إلا بعد عامين و كنا هناك نستمع . في أغنية ما أنا إلا بشر اعتمد الدكالي إيقاعات وجمل موسيقية حديثة متجددة ، وجمل قصيرة مفعمة بالنغم الخماسي السلس وتبادل الغناء بينه وبين الكورس . اللازمة الموسيقية البسيطة الملهمة لكل الأغنية. وكان اختيار مقام الرست على درجة الفا هو المقام الذي فتح الأغنية على مقامات أخرى مثل الحجاز و الكردي . اغنية بجمالية الشعر والألحان وهذا من أسرار خلودها. كان الحب رومانسيا إلى أبعد حد عندما خرجت هذه الاغنية ، فقد كانت الأمة العربية تعيش الاستقلال بعد عقود الاستعمار و تحلم بالمستقبل فكانت مبتهجة بالحياة .
ما أنا إلا بشر عندي قلب ونظر
وأنت كلك خطر ما تبقاش تحقق فيا
لا تقول لحتى كلمة أنا ضد الحكمة
راض بالقسمة وما كتاب في الحب عليا
اللي عشق الجمال البسمة والدلال
اللي عشق الجمال التيهة والدلال
إللي مات يموت حلال مسكين شهيد
ونعم التضحية.
مونبارناس .
أغنية خالدة أخرى لعبد الوهاب الدكالي
في يوم 17 أكتوبر 1961 بأمر من رئيسها موريس بابون، هاجمت الشرطة الفرنسية بباريس مسيرة سلمية خرج فيها آلاف المهاجرين الجزائريين وعدد من المهاجرين المغاربة احتجاجا على قرار حظر التجول الذي استهدفهم فقط و قتلت مئات من المتظاهرين والإلقاء بجثثهم في نهر السين الذي اختلطت مياهه بدماء المهاجرين الجزائريين والمغاربة ، وسميت هذه المجزرة بمجزرة “مونبارناس” نسبة إلى حي “مونبارناس” الشهير في العاصمة الفرنسية، ولا يزال الحي الفرنسي يحمل لوحة تذكارية لهذه الجريمة الشنيعة، وما يزال حي مونبارناس شاهدا على الذاكرة الحية للمهاجرين ، ولا يزال نهر السين يحفظ تاريخ الألم و العنصرية والكراهية ضد المهاجرين.
“في مونبارناس مات خويا يا بويا، برصاص قناص عنصري يا بويا، وبالحقد الأعمى تربى وعاش يكره الناس…”، بهذه الكلمات أبدع مؤلفها محمد الباتولي فابدع مع عملاق الأغنية المغربية عبد الوهاب الدكالي في تكريم ضحايا مجزرة “مونبارناس”، هذا الحي الذي يؤرخ لكل الأجيال حالة العنصرية ولغة الرصاص والموت والدماء التي غمرت نهر السين في ستينات القرن الماضي
” كل مرة يموت صبح جديد.. تغيب القمرة… ويتأجل العيد… في مونبارناس مات خويا يا بويا، برصاص قناص عنصري يا بويا، وبالحقد أعمى تربى وعاش يكره الناس، في مونبارناس سال الدم أحمر، وبكت طيور الفجر، ودم خويا يا بويا إنو عربي ولونه أسمر ..
تظل اغاني عبد الوهاب الدكالي من الاغاني التي رافقتنا في الشباب ولعل اغنية مرسول الحب و اغنية الولف صعيب كانتا أكثر حضورا في الغناء الجماعي و ” الزرادي” .. لكن اغاني الدكالي البديعة كثيرة و نعود إليها بين الحين والآخر لتربطنا بالماضي البعيد و القريب.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_