الحياة السياسية بالولايات المتحدة تمضي بتوجه فاشي

سعيد مضيه

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_التفاؤل حيال الشدائد شجاعة تعززها ذكريات الماضي الكفاحي,يكثف الأكاديمي الأميركي، هنري غيروكس، عرض ثقافة الظلامية المغذية للقسوة والحروب العدوانية والانحلال الخلقي، تمهد للفاشية داخل الولايات المتحدة والعالم أجمع. “بغياب الفاعلية، تنعدم الإمكانية لتخيل مستقبل لا يردد صدى فاشية الماضي؛ وبدون الإمكانية يُفتقَد منطق الإقرار بصلب التهديد الحقيقي، المادي والإيديولوجي، الذي يواجه الولايات المتحدة وبقية العالم الآن” ، يحذر هنري غيروكس، بدون تشاؤم .

الجانب المظلم للعنف المعاصر هو الكولنيالية وسياسة الفضلات البشرية والأصولية الدينية والليبرالية الجديدة، و العسكرية الفجة . يبدو أن العنف قد احاق بالأرض مثل عاصفة رملية تعمي البصر. يُقتل الأطفال بالجملة في غزة، ويتزايد باضطراد في عديد من البلدان انتشار التشرد بين الشباب ، وتعمم على مستويات مذهلة حالة اللامساواة ، ومحل ثقافة العدالة حلت ثقافة الحرب على صعيد عالمي . تشن الرأسمالية اللصوصية حربًا ضد الطبقة العاملة، وحقوق المرأة الإنجابية، وحقوق المثليين، والأشخاص الملونين، وضد الديمقراطية بالذات – بصلافة تتلفع الرأسمالية بخطاب الفاشية.

تنهار الأخلاق باضطراد تحت وطأة فقدان الذاكرة التاريخية، و اضطهاد المعارضة، و خراب الثقافة المدنية. فقدت اللغة قدرتها على إيقاظ الوعي تحت وطأة المشهد الخانق ومفردات الديماغوجيين المخبولة. المسؤولية الاجتماعية تهيم على غير هدى، وفقدت صلتها بالكيفية التي يعمل بها المجتمع الأمريكي. السياسيون ومقاولو الموت يتجاهلون الدماء التي تسفك بأسلحتهم، ويغدقون الرساميل بلا حساب في استثمارات على الإرهاب محليا وعلى صعيد العالم . يتم قصف عائلات بأكملها وأطفال ومدارس ومستشفيات وأماكن عبادة ، وتُقتل النساء والأطفال بينما يتبجح برابرة الفاشية وصناعات الأسلحة بأرباحهم المتزايدة الناجمة عن إراقة الدماء والمعاناة المستعصية على التصور. وكما كتب كريس هيدجز، فإن الرأسمالية القرصنية بلغت نهايتها المنطقية والسامة، ” تخصبها حالات اليأس الشائعة ومشاعر الإقصاء وعدم الجدارة والعجز، والحرمان الاقتصادي”. وحصيلة ذلك كله هي الانزلاق في منحدر السياسات الفاشية نذير بموت فكرة الديمقراطية في الولايات المتحدة.
صحفيو فيشي و منافذ الإعلام ينخرطون الأن أكثر من أي وقت مضى في تجارة “الموضوعية” وينادون بعدم التحيز بينما يتصاعد العنف على جميع مستويات المجتمع. ويُنظر الى ترامب مرشحا عاديا للرئاسة رغم اعتناقه أشكالا عدمية من الخروج على القانون. ينفث العنصرية والكراهية وتهديدات بالعنف لا نهاية لها، غير مبالٍ بالدعوات المطالبه إخضاعه للمحاسبة، رغم ما هي عليه من استحياء. يختبئ الجبن خلف المناشدات الكاذبة لفكرة مترجرجة عن التوازن . اما وسائل الإعلام الرئيسية فجاذبيتها للخلاصة أقوى منها للحقيقة، وصمتها بمثابة أحد أشكال التواطؤ.

بات الحزب الجمهوري الآن في غالبيته ناقلا لسياسات الفاشية. بلغت الولايات المتحدة حد النهاية لنظام اقتصادي وسياسي قاسٍ أشبه برجل ميت يسير في سبات غيبوبة، يثري من استغلال الطبقة العاملة، والمهاجرين، والفقراء، والمجردين من املاكهم ، والأطفال القاصرين يموتون تحت انقاض القصف بقنابل دولة الإرهاب. تندمج قومية المسيحيين البيض مع عناصر الرأسمالية الأشد تطرفًا لتعزيز سياسات قسوة عديمة الرحمة، فحواها نزع الملكية والاجتثاث والفضلات البشرية؛ لغةُ الاستبداد مشبعة بجرعاتٍ من الدماء، تتبعها سياسات التدمير والاستغلال واليأس المطلق. الزمن العام الراهن القائم على مفاهيم المساواة والصالح العام والعدالة آخذ بالتلاشي في مزبلة التاريخ المغسول ناصع البياض. وكما أشار جيمس بالدوين ذات مرة، إلى أن يطرق النازيون أبوابهم، فإن هؤلاء الأشخاص الذين ينادون “فلنكن متوازنين” يرفضون التحلي بالشجاعة لتسمية الفاشية باسمها .
لمواجهة زمن الطوارئ، من الأهمية بمكان تنمية يقظة عظيمة للوعي، وحركة ذات قاعدة جماهيرية عريضة للدفاع عن المصالح العامة؛ وحشد المعلمين والشبان ممن يستطيعون قول لا ويناضلون من أجل ديمقراطية اجتماعية . لا يمكن للكفاح ضد الفاشية ان ينجح بدون أفكار ورؤى جديدة وقدرة على ترجمتها إلى أفعال . تساعد في ذلك الذكريات الخطيرة وإنعاش الوعي التاريخي؛ حتى انها تكتسب المزيد من الضرورة حيث تختنق الديمقراطية بقذارة الديماغوجيين، وأنصار القومية البيضاء، والحرب الطبقية، والنزعة العسكرية، والقومية المسيحية. الأميركيون ممن يؤمنون بالديمقراطية والعدالة لم يعد بوسعهم قبول التحول إلى جمعية متفرحين ، ولم يعد بإمكانهم تعريف الديمقراطية باختزالها في صندوق اقتراع ؛ ولم يعد بإمكانهم قبول مساواة الديمقراطية بجثة الرأسمالية ؛ لم يعد بمقدورهم السماح بصمت الصحافة، كي تؤدي دور آلة ثلم التخيل، القدر اكبر من عملها صرف الجمهور عن السياسة؛ ولم يعد بمقدورهم السماح بدفع التعليم ليكون آلية للأمية وفقدان الذاكرة التاريخية والجهل.
لست منخرطا في تشاؤم يفضي الى شلل؛ إنما أُبرز الضرورة الملحة للحظة تاريخية توشك ان تهيئ تابوت أميركا الفكرة، أميركا الوعد بما تفترضه الديمقراطية الراديكالية في المستقبل. نحن نعيش في عصر زمن الطوارئ – زمن الأزمات غدا فيه الوقت نقيصة، والوقت العام ضرورة ودعوة للفكر والعمل الكفاحيين . وبدون الفاعلية، تنعدم الإمكانية لتخيل مستقبل لا يردد صدى فاشية الماضي، وبدون الإمكانية نفتقد منطق الإقرار بصلب الحظر المادي والإيديولوجي الحقيقي الذي يواجه الولايات المتحدة وبقية العالم الآن.
الفاشية لم يدفنها التاريخ؛ إنما يجري إحياء روح فايمار 1933. وإلا فكيف نفسر الزعم الفاشي الصريح من طرف ترامب بأنه يخطط، بمجرد انتخابه، لسجن المعارضين السياسيين في معسكرات الاعتقال؟ أو تعهده “باستئصال البلطجية الشيوعيين والماركسيين والفاشيين واليساريين المتطرفين الذين يعيشون مثل الحشرات داخل حدود بلدنا، والذين يكذبون ويسرقون ويغشون في الانتخابات وسيفعلون أي شيء ممكن – سيفعلون أي شيء، سواء بشكل قانوني أو غير قانوني – لتدمير أمريكا وتدمير الحلم الأمريكي. يدمج خطاب ترامب العدائي مفردات تجريف إنسانية البشر مع لغة التطهير العرقي وتكرار تهديداته بالعنف؛ يزعم أن المهاجرين “يسممون دماء بلادنا”؛ ويتحدث ان “الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة يستحق الإعدام”؛ ولإخافة اللصوص يحرض ضباط الشرطة على رميهم بالرصاص. يؤكد على المكشوف بابتسامة يرسمها على وجهه أنه يريد أن يكون ديكتاتورًا؛ بالنسبة للسياسيين اليمينيين المتطرفين و(MAGA) ساسة “لنجعل أميركا عظيمة من جديد”، يجري عرض سياسات الفاشية وتصدر بقوانين كأنها أوسمة شرف. هاهنا الفعل أقوى من مجرد ترديد صدى أنظمة استبدادية سابقة؛ فالتهديدات اللاحقة الصادرة عن ترامب متمظهرا بجندي محارب تفضي مباشرة إلى معسكرات الاعتقال ومعتقلات عصور الاستبداد السابقة.
تعود الى المسرح روح الكونفدرالية متماهية مع نسخة مطورة ومتأمركة من الفاشية؛ والمعتقدات العسكرية التقليدية الشبيهة بالجثث متمثلة في العسكرة والتطهير العرقي وفاشية الليبرالية الجديدة دلالة إفلاس الضمير وحالة سقوط اللغة وانهيار الأخلاق الى همجية، حيث تتعرض للسخرية والهجوم كل مسحة للديمقراطية . مع اقتراب العام الجديد، أود ان أنهي مقالتي بملاحظة حول الاحتمال عن طريق تقديم اقتباس من هوارد زين، معلمي وصديقي السابق، إذ يقول :
أن تكون متفائلاً وقت الشدائد ليس مجرد حماقة رومانسية؛ فالتفاؤل يرتكز على حقيقة أن تاريخ البشرية ليس تاريخًا للقسوة فحسب، بل تاريخ الرحمة والتضحية والشجاعة واللطف أيضًا، وما نختار التركيز عليه في هذا التاريخ المعقد هو الذي سيقرر حيواتنا. إذا ما رأينا فقط الأسوأ، فذلك يدمر قدرتنا على القيام بأي شيء؛ أما إذا ما تذكرنا تلك الأزمنة والأماكن – يوجد منها الكثير- حيث تصرف الناس بشكل رائع، فهذا يمنحنا الطاقة على العمل، وعلى أقل تقدير احتمال إرسال قمة هذا العالم الدوار في اتجاه مغاير. وإذا ما تصرفنا بالفعل ، مهما كان ذلك ضئيلا، فلن نضطر لانتظار مستقبل طوباوي عظيم. المستقبل عبارة عن تتابع لا ينتهي من حواضر ، وأن نعيش الآن كما نعتقد أنه يتوجب على البشر أن يعيشوا، في تحد لكل ما هو سيئ من حولنا، هو في حد ذاته انتصار رائع.

الحوار المتمدن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post الكرة السماوية من بغداد إلى أوكسفورد
Next post هل يصبح السودان في خبر كان؟