مرارة
اسماء القرقني
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_وقفتُ انصت لحديث ابن عمي وعيني على وجهه الناضح بالغضب والحقد:
-ابنكم فقأ عين ابني بالحجارة ، لن يطفيء غليلي سوى منحي دار الضيافة وهي في الأصل وفي خريطة جدي من حقي أنا.
شعرت ان الدنيا اسودت في وجهي ،كيف امنحه دار الضيافة مكان صلاتي و الأقرب الى قلبي؟؟!!!
” ابن عمي ليس مقرباً بالنسبة لي سوى بالدم، لم يعرف الاستقرار في حياته ، تنقل وصال وجال في الأوطان ،لم اتعرف عليه إلا عندما حلّ ضيفاً عندي تلك الليلة المشؤومة ، اطلعني على خريطة مجهولة أراها لأول مرة ،ادّعى ان جدنا من رسمها ،طالبني بنصف بيتي بناءً على ماجاء فيها ، بل بأكثر من نصفه ، رفضت بقوة، شهد الجيران معي، لكنه لم يبرح منزلي، حتى الشرطة لم تستطع طرده ، اقنعهم انه المالك الأصلي وصدقوه ، اضطررت بعد مكوثه مدة طويلة متطفلاً علي ان اتفق معه ، تنازلت ، وأقمنا جداراً يفصلنا .
لن انسى رجفتي عندما رأيته مكشرا عن أنيابه ذات صباح ، ماذا دهاه؟ لم تمضِ سوى فترة وجيزة على اتفاقنا !!! الم امنحه مايريد؟
-اريد ان اضم دار المؤونة الى بيتي ، في خريطة جدنا هي من نصيبي .
اجتمع جيراني عدة مرات ، أخبروني عن وقوفهم إلى جانبي ومساندتهم لي ، استعان هو بإثنان من أقربائه -غلاظ شداد – زاروه اكثر من مرة في بيتي ليثبتوا حقه ، عندما رأيتهم عصبة تنازلت عن دار المؤونة وانا اشعر انني في ورطة كبيرة…..”
افقت من شرودي وطعم مرارة الظلم في حلقي .
قلت محتداً:
-الم يفعلها ابنكم قبل ابني ؟ ونزولاً عند رغبة اقاربك تنازلنا عن حقنا وسامحنا.
– هذا شأنكم، اما نحن فلا نفرط في حقنا ابداً
طمأنني ابنائي عند عودتي ،هوّنوا مصابي كعادتهم في كل مرة :
-لا تبتئس يا ابي ، الجيران معنا ، كلهم شهود على ملكيتك للبيت ، ووعدونا بالمؤازرة.
تجولت بالبستان الملحق ببيتي، وقفت اتأمل في حزن اشجار الزيتون التي زرعها أبي ، جفت اوراقها ،يبس عودهاوأغصانها ،تشققت الارض التي تحتضنها، كيف لم انتبه انني اهملتها منذ اُبتليت به؟
لمحت ابن عمي في احد أركان البستان وضحكة ماكرة تعلو محياه :
-الم تفكر في الأمر بعد؟ سلمني دار الضيافة لترتاح ونحل هذه المشكلة ، والا ..
تلاقت اعيننا للحظة ، هالني الحقد المنسكب من عينيه ونبرة التهديد العابقة في صوته ،فوجئت بحجر يُرمى عليه من احد الزوايا ، لمحت طفلاً من احفادي يهرب بعيداً بعد ان فعل مافعله ، أصابه الحجر إصابة بسيطة في رأسه ، صرخ على اثرها منادياً اقربائه مستنجداً بهم ،انها المواجهة بيننا لا محالة .
وقفوا صفاً واحداً والشرر يتطاير من اعينهم ، في مقابلهم انا وابنائي واحفاد لم يتخطوا بعد مرحلة الطفولة .
تساوت القوى في الجولة الأولى رغم شراستهم و قلة عددنا
سألت ابنائي والأمل يدغدغني:
-الم يأت ِ الجيران؟
-لم يتوقفوا عن الدعاء لنا ، ينتظرون فقط الأذن من آبائهم.
وقع ابني الأكبر ، سالت الدماء غزيرة من رأسه في بداية الجولة الثانية ، سألت بقية ابنائي والأمل يداعبني:
-اين الجيران؟
– قلوبهم معنا ولم يتوقفوا عن الدعاء لكنهم مازالوا ينتظرون الأذن من آبائهم.
في الجولة الثالثة اشتدت المعركة ، اوقعنا منهم عدداً لابأس به ،
سقط ابني الأوسط بعد اصابته في احدى قدميه
سألت ابني الاصغر و نبضي يتسارع :
– اين الجيران؟
– الحماس يملأهم ولا يتوقفون عن الدعاء ، لكنهم مازالوا ينتظرون موافقة آبائهم
في الجولة الرابعة اشتد القتال اضعافاً ، استمتنا في المقاومة ولم يتبق معي سوى ابني الأصغر واحفادي الصغار البواسل
أُصيب ابني، و أُصيب معه ثلاثة من احفادي ، اصطبغت ثيابهم وحبيبات التراب تحتهم باللون الأحمر، أستبد بي الأسى ،ركضت نحوهم وقلبي يكاد يتوقف .
قال ابني و والألم يعتصر وجهه الشاحب:
– أنا واثق من دعمهم وحزنهم الكبير من اجلنا .
صرخت بأعلى صوتي:
– أين هم ؟
– آبائهم مازالوا يتشاورون يا أبي.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_