جيل الجيلالة

د. أدريس القايد

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_في أواخر السبعينيات ، أصبح هناك شغف بالغناء المغربي . والغناء المغربي ؛ بدأ بأغنية ما أنا إلا بشر إلى فرقة جيل الجيلالة و الناس الغيوان و الاغنية الثورية ليلي طويل للفنان يونس ميكري . وبامتياز يفتخر جيلنا بأن ذائقته تتسع لعدة فنون من الاغاني العربية اياً كانت طالما تحمل كلاماً جميلاً ونغماً يتلقاه الوجدان بيسر.
تختلف موسيقى المغرب عن موسيقى مصر والشام . فالموسيقى في المشرق العربي تُوصف بأنها ” طربية أبولونية” . في حين يُعبر عن الموسيقى اللحنية في المغرب بأنها ” العرفانية الديونيزوسية” . أي الموسيقى الصوفية التي ولدت مع الطرق الصوفية والتي نشأت معظمها في بلاد المغرب . في حين أن الموسيقى الطربية في مصر و الشام تتميز بالنغم المرسل فإن الموسيقى العرفانية تتميز بالايقاعات و الحركة السريعة والأداء الجماعي وحالة الميلان والإحساس الروحي في حلقات الذكر . إن التمايل و الحركة هما ما يميز هذا النوع من الموسيقى و هذا ليس غريباً . الرقص بأي شكل من الأشكال هو إحدى الصور الفنية للموسيقى .

وبما أن الصوفية تنتشر في المغرب العربي فلا غرابة أن تنشأ موسيقى خاصة يلعب الإيقاع فيها الدور المهم سواء بواسطة الات الإيقاع أو الات موسيقية مغربية خاصة مثل الكنبري و الكنبور . ربما لتميز الغناء المغربي بهذه الموسيقى الايقاعية العرفانية نجحت فرق غنائية مثل ناس الغيوان وجيل جيلالة التي استخدمت السلم الموسيقي الخماسي ، محملة بعبق العرفان ،و بحنين جارف إلى الماضي . واستعمال نص الأغنية فيالاحتجاج والنقد السياسي مغلف بنصوص صوفية .وهذا التداخل بين الغناء و الحضرة و الإيقاع جعل هذه الاغاني ثورية في زمانها وخاصة لدى الشباب في ليبيا. إذ تتميز كلماتها بشمولية المعنى مثل
( يا قلبي نكويك بالنار وإذا بريت نزيدك
يا قلبي خلفت لي العار وتريد من لا يريدك) .
نشأت الأغنية الشعبية في أحضان المعتقدات الدينية ربما لتقليل احساس الخوف من الموت والقوة الغامضة للحياة و ترتبط باستحضار أرواح الأسلاف و دروس التاريخ . تأتي الأغاني الشعبية عفوية مرتجلة و متدفقة المعاني و الأحاسيس من بسيط التعابير اللغوية إلى المركب منها ، وهي لغة عامية تخضع للهجة المحلية .

الأغنية الشعبية هي التي أنشأها الناس . وهي مرتبطة بحياة الإنسان اليومية وبسلوكه و يعبر بها عن حزنه وفرحه، فهي تقوم بوظيفة حيوية فتدخل عليه شئ من المرح والبهجة و تساند عواطفه . قد لا يوجد نص شعري أو لحني مدونا وحتى أسماء الذين لحنوا وكتبوا كلماتها تختفي وتصبح مجهولة تماما ، صحيح انه يبدعها شخص واحد لكن الناس يقومون بتغير كلماتها و الحانها تدريجيا حينما ينسى النص واللحن الأصلي.
لم تحظى فرقة بقبول جيل السبعينيات لاغانيها والتي كانت غاية في عمقها الشعبي المغربي مثل فرقة جيل جيلالة. كان اسمها ابداعا في اختياره وربما ساهم في شهرتها ، فهي تعبر عن ” جيل” من الشباب و هي صوفية الوجدان بالإشارة إلى ” جيلالة” والتي ترمز الى الصوفي الشهير عبد القادر الجيلاني.
رغم ارتباط المراهقين والشباب في السبعينات بأغاني البوب الغربية بشكل ربما سطحي و لمجرد التقليد و الإيحاء بين الأتراب بالاختلاف عن المجتمع ، إلا أن فرقة جيل جيلالة سحبت الجيل الى الحضرة التقليدية في الزوايا الصوفية وهزت مشاعر كامنة في أبناء ليبيا و المغرب العربي و التعبير عن الحنين إلى الماضي. نجحت جيل جيلالة في توظيف الموروث الشعبي و إسقاط قيمه على واقع الحياة . بل استطاعت اغانيهم استنطاق مشاعر الهوية الدينية و التقليدية و إذكاء الذاكرة البعيدة في أعماق المشاعر الدفينة في رفض الأوضاع الاقتصادية و الروحية و السياسية . ففرقة جيل جيلالة أنشئت في أوائل السبعينيات اي بعد هزيمة الدول العربية على يد إسرائيل و حلفائها . فجاءت اغاني جيل جيلالة وكأنها شكوى إلى الله باسلوب صوفي الهب بعض المشاعر الوجدانية المفتقدة : الله يــــــا مولانـــــا حالي ما يخفاك يا الواحد ربــــي .

لا شك أن للكلمات الأثر الأول لكن جيلالة زخرفت الاغنية بأداء جامح سيطر عليه الإيقاع و حرية التعبير بالصوت . و قد كانت كل أغانيها في خمسة عشر شريطا ذات بعد رمزي مباشر و غير مباشر و توظيف للموروث المغربى الصوفي في تجليات الوجدانية والتراث الأندلسي يتم وفق رؤية خاصة وتهذيب كل ما هو تراث صوفي في محاولة للقراءة الواعية للتاريخ، وهنا نؤكد اختيار فرقة جيل جيلالة طريقة انتقائية وقراءة خاصة للموروث المغربى واستخدمت آلات مثل السنتير والكمبري الإفريقية و البزق الشرقي و العود و كافة الات الإيقاع.
من الاغاني التي الهبت مشاعر شباب بلدان المغرب العربي اغنية تقول كلماتها : هذا وعدك يا مسكين بحقوقك نادينا وشحال من صيحة صحنا ومشا الصياح معا الريح- بهمومك غنينا
حسبوه جدبة وشطيح- هذا وعدك يا مسكين
كان الله ليك العوين- الحاجة في صدرك سكين
ولارضيتي تمد ليدين- لي دركتيه بعرك الجبين
أكثر منو يبذروه أخرين – حب الفلس أعمى القوم وفي حالك نساهم- في الخمر والزنا والميسير هامو- ظنوها دنيا تدوم والحظ راد وأعطاهم – كيف ظنها قارون في أياموا
لا تركن ليهم لا تطوع لا تخطاك مقاومة- لا تخضع لمساومة – خلي راسك مرفوع- زيد قاوم وكافح علام الظالم طايح -زيد قاوم وكافح – ارفع صوتك بلسان الحق وطالب – سرج عودك معاك الحق وأنت الغالب . الاغنية تكاد تكون خطبة إمام و معلم و ثائر ..

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post امضِ..
Next post الغياب