رحيل فايزة المبكر…
الروائية عزة كامل حسن المقهور ((ليبيا))
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_لم يتسنى الوقت لفايزة لتجمع حاجياتها كما تفعل كل مرة وترحل ..كانت تعود، تفك أحزمة حقائبها وتعيد ملابسها إلى ادراجها وتقول ” آه رايفت على بلادي”!
رحلاتها لأجل اولادها الذين حرصت على تعليمهم كما حرصت على عودتهم للوطن دون اطالة.
غزيرة الكتابة عن يومياتها، حريصة على قراءة ما يكتب ومتابعة لكل تفاصيل ما يحدث.. لكنها دائما تتألم لحال البلاد وكلها أمل أن تتحسن الظروف، وأن يجد شباب الوطن البوصلة لمستقبل زاهر.
في آخر حوار لي معها وانا اسألها عن حالها بعد ان اعلنت عن وعكة صحية عادية ألمت بها..
” رايفت عليك وعلى قصصك”
” المرة الجاية لما نتلاقوا نحكيلك على شباب خدمات التوصيل.. كل ما يجوني نضيفهم انا وعثمان زوجي ونسمع حكاياتهم.. ياريت تكتبي عليهم”.
لهذا الحد كانت فايزة مهمومة بناسها خاصة الشباب منهم. شخصيتها المعطاءة لا تترك احدا إلا وقد هدأ هاجسه أو اطمأن بعد أن أزالت عنه القلق، او ابتسم بعد أن بددت عنه حزنه، أو ارتاح بعد ان فكت عنه كربه. كل الشباب اولادها وكل الصبايا بناتها.. لصيقة بهمومهم ومنزعجة لحالهم.
عرفت فايزة مفتاح الشريف في ذاك القسم القصي من كلية الهندسة ببنغازي. يقع قسم تخطيط المدن في الثمانينات في مبنى جميل تزينه اشجار باسقة وسط البلاد، متفردا عن كلية الهندسة الأم.. شباب من خيرة شباب الوطن كأنهم أسرة واحدة، يعملون بجد ومثابرة من أجل تخطيط مجتمعات حضرية على أسس سليمة ومتطورة. كانت زياراتي الخاطفة لأجل صديقة عزيزة هي سناء بن موسى التي اقتربت من خلالها من هذا العلم المتطور والأنيق في شكله وافكاره وخياله.. وكانت فايزة ونادية لا تفترقان.. مبتسمتان للغريب الذي يطل على عالمهم الخاص المميز مرات جد معدودة، الآت من عالم صاخب في جامعة واسعة ( قاريونس). في هذه المرات المعدودة تعرفت على فايزة.. كان لقاءان او ثلاثة تميز بابتسامة وسؤال او اثنين اهمهما أن والدها مفتاح الشريف المحامي صديق عزيز لوالدي رحمهما الله.
وبعد عقد او اثنين التقينا مجددا في طرابلس حيث استقرت، فتجددت صداقتنا ونمت، والتقينا مع صديقتينا انتصار ونادية في عمان، وسرنا معا في احراش غور الأردن. وفي رمضان من العام الماضي استضافتني في بيتها على الإفطار واصرت ان تطبخ لي ما أحب بحب وهي الماهرة في طبخها والتي تحرص على ان يكون المطبخ جامعا لأسرتها.
قد لا يكون كل ما كتبته مهما.. وقد يرى البعض أنه حديث مكرر عن علاقة صداقة قائمة في كل زمان ومكان.. وقد يكون الأمر كذلك.. لكن فايزة كانت مميزة في كل شيء.. ذكية في حياتها، قارئة جيدة لما حولها، محبة لبلادها، حريصة على شباب وطنها، مجتهدة وصاحبة عقل متطور، هادئة في نقاشها، صاحبة رأي قادرة على الدفاع عنه، اساس اسرتها وعمادها، ملجأ وحضن للكثيرين.
رحلت فايزة وهي على قناعة من حاجة كل من حولها اليها… وأنها ستذهب إلى المستشفى وتعود في ذات اليوم فلا يمكن لهذا البيت أن يعمل من دونها.. وماذا عن جيرانها من سيسأل عنهم، وعن أهلها في بنغازي أين اقامتهم عند زيارتهم لطرابلس إلا عندها؟ وماذا عن اعراس ابنها وابنتها؟ وعن دراسة ابنها زهير خارج الوطن وحرصها على عودته – كما اخوته- ما ان يستكمل دراسته؟ وماذا عن اخوتها واصدقاء اولادها ؟ وعن قصص شباب التوصيل الذين تسقيهم وتطعمهم وتكرمهم وتستمع إليهم وتخزن الحكايا حتى تحكيها لي؟ كل هذا الذي شغلها عن الآخرين حتى زفرت زفرتها الأخيرة ورحلت باكرا وتركت كل هذه الحقائب خلفها.
ستشتاق لكل هذا معك يا فايزة ولابتسامة مضيئة وضحكات بريئة لم يغيرها الزمن لقلب محب نابض بحب أهل الوطن.
رحمك الله يا عزيزتنا الغالية فايزة مفتاح الشريف.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_