تأملات اكاديمي أميركي..رائحة الدمار والموت والبؤس التي لا داعي لها لا يدانيها سوى انهيار الضميربجبن
سعيد مضيه
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_” لم تعد خافية دوافعهم الظلامية وعواطفهم المحرضة على العنف الإجرامي. تمضي آلة الموت برضى متكلف وتفاخر وابتسامة مقززة، يعلنها بجسارة نتنياهو وأشياعه من اليمين المتطرف”،هذه بعض تعليقات البروفيسور الأميركي هنري غيروكس، داعية الترببية النقدية والإعلام النقدي والثقافة النقدية، كما ورد في المقالة التالية:.
لايمكن مقاربة التنديد بقتل المدنيين والأطفال من خلال عدسة التكافؤ الزائف، بافتراض تكافؤ جميع الأطراف في المسئولية عن هذه الحرب. فما فعلته حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مهما كان مروعا، لا يعادل المعاناة والإرهاب الذي فرضته دولة إسرائيل على الفلسطينيين، من الناحية التاريخية وفي ضوء نطاق التصاعد الراهن لما يرقى إلى مستوى هول العنف الذي لا يقبله تفكير او ضمير. إن قتل الأطفال الفلسطينيين بلا توقف على أيدي قوات الدفاع الإسرائيلية، وإفنائها لأبسط الاحتياجات الأساسية للشعب الفلسطيني في غزة ينأى عن التجريد في مفهوم أو قضمة سليمة يمكن دفنها تحت لغة عدم التكافؤ، أوالنداء الجبان للتوازن. محكمة العدل الدولية أيدت دعوى جنوب إفريقيا ، رغم ان التأييد جاء مخففا بأن إسرائيل تشن حرب إبادة جماعية، ويجب عليها “اتخاذ كل التدابيرفي إطار سلطتها” للوفاء بالتزاماتها بموجب المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية. بحق أعلنت الحملة الأمريكية من اجل حقوق الفلسطينيين أن ” شيئا واحدا بات واضحا على المسرح العالمي: تتوفرالأدلة الموثقة على نطاق واسع بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين”.
وإذ يتوجب الترحيب بقرار محكمة العدل الدولية، فمن الصعب تخيل لماذا لا يتوجب صدور دعوة فورية لوقف إطلاق النار واعتراف كامل بجرائم الحرب وأعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل. إن لحرب نتنياهو نقطة نهاية واحدة لا غير، وهي التدمير الكامل للشعب الفلسطيني مع الأرض التي لا يزال يملكها. ومن غير الممكن تغطية الإرث الطويل للاستعمار الإسرائيلي وسياسة الفضلات البشرية والتصفية التامة خلف ادعاءات كاذبة بالدفاع والسيادة ؛ إنه مشروع القسوة الجماعية وانتزاع الملكية ، يجري الإعلان عنها بجسارة من قبل نتنياهو وأشياعه من اليمين المتطرف ذوي النزعة الإجرامية .
لم تعد خافية دوافعهم الظلامية وعواطفهم المحرضة على العنف الإجرامي. تمضي آلة الموت برضى متكلف وتفاخر وابتسامة مقززة، يعلنها بجسارة نتنياهو وأشياعه من اليمين المتطرف . في أعقاب الحرب، يصل عدد جثث القتلى، ومعظمهم من النساء والأطفال والمدنيين، إلى ما يزيد على 26 ألفًا حتى الآن. يلتقط جيفري سانت كلير بشكل مؤثر الجرائم المرتكبة ضد شعب غزة مندمجة بالصراحة المرَضية، إن لم يكن سعادة دولة إسرائيل، إذ تؤكد هيجانها الإجرامي، فيكتب:
بخلاف الفظائع التاريخية الأخرى، فإن الجرائم المرتكبة ضد شعب غزة – القتل الجماعي، والمجاعة المدبرة ، وسلب الممتلكات، ونهب الممتلكات، تقويض التراث الثقافي والديني، والطرد القسري – قد تم ارتكابها جميعاً على المكشوف، وكتبت الأعمدة الصحفية عن خطط إبادة الجماعية، وعرضته بحرية البرامج الحوارية. لن تضطر إلى التنقيب في الأرشيفات السرية؛ فالأدلة على هذه الجرائم البشعة معروضة للجميع؛ ما قالوه وما فعلوه مسجل على أشرطة ؛ ولا يمكن التنصل منها . ويجب الإدانة بالتواطؤ لجميع من سلح وموّل وحرض وبرر إجراءات الإبادة الجماعية ” .
عميقة هي معاناة الأطفال في غزة، وهي على تضاد من حيث النسبة مع جرائم حماس ، ويجري إدارة حرب الانتقام بأسلوب يردد أصداء ماض شمولي بإرثه الكولنيالي المتمثل بالسلب والإبادة . ينساب الدم كل يوم في غزة، يجري في معظمه من الأجساد الأقل مناعة: نساء واطفال. واتضح هذا بصورة خاصة في مدونة سجلتها الدكتورة سيما ليلاني، تصف فيها الساعات الثلاث الأولى من عملها بمستشفى الأقصى وسط قطاع غزة.
كتبت: “في الساعات الثلاث الأولى من عملي بمستشفى الأقصى، عالجت طفلاً يبلغ من العمر عامًا واحدًا، حفاضته ملطخة بالدماء، و ذراعه اليمنى وساقه اليمنى مبتورتان؛ لم يكن هناك ساق تمسك الحفاضة؛ صدره ينزف. تمت المعالجة على الآرض نظرا لعدم توفر نقالات ولا أسرة ؛ وعندما جاء جراح العظام ليلف جذعه لوقف النزيف، تخيلت لو كنت بالولايات المتحدة أن الحالة واضحة، توجه على الفور إلى غرفة العمليات نظرا لخطورة الحالة. بدلاً من ذلك، فرضت الخيارات المستحيلة على أطباء غزة ان الطفل ليس على “حالة الطوارئ اليوم”؛ إنما كانت هناك قائمة انتظار، وكانت غرفة العمليات ممتلئة فعلا بحالات أخرى أشد إلحاحا. رحت أتساءل: ما هي الحالة الأشد إلحاحًا من طفل عمره عام بلا ذراع وبلا ساق وينزف في صدره ويختنق بدمه؟ هذا سيخبركم القليل عن حجم الدمار الذي يكابده سكان غزة”. [ منقولة عن مقال جيفري سانت كلير”حرب بلا مستقبل”-20 يناير 2024 “]
وهذا مجرد مثال واحد على الرعب الذي تنزله بالفلسطينيين دولة إسرائيل كجزء من حربها الانتقامية اليمينية، رعب مضخم آلاف الأضعاف. رائحة الدمار والموت والبؤس التي لا داعي لها لا يدانيها سوى انهيار الضميربجبن ، خاصة لدى الولايات المتحدة ودول أخرى ترفض الدعوة لوقف إطلاق النار ، تقوم بتزويد إسرائيل بالأسلحة الحربية. بالتاكيد وكر يسكنه برابرة وجبناء. توضح الحرب على غزة والشعب الفلسطيني ما الذي يبدو عليه موت الإنسانية من خلال عدسات التسلح ، الإبادة ، الكولنيالية والحرب.
الحوار المتمدن