نزف في الذاكرة من المجموعة القصصية ( عندما تتداعى الأشياء)

اسماء القرقني

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_امي لِمَ اشتريتها؟ ، اصبحت لدي خزانة مكتظة بالدمى ، اريد لعبة بازل ، اشترك أنا وأنت في تركيبها قطعة قطعة.

ارتسمت امامي لحظتها  ملامح بيتنا العتيق الذي ورثه ابي عن اجداده  ببابه الخشبي البالي ونوافذه المشققة  التي  تحكي قصص اجيال واجيال مرت بها حتى تعبت وتهالكت ، وشجرة اللبلاب التي تغطي جدرانه القديمة المتسخة وكأنها آثرت ان تسترها وتخفي سوءتها عن العيون ، وتمثل لي حلم صباي  الوحيد وامنيتي التي رأيتها شاهقة نائية  يصعب الوصول اليها ، وهي 

 “ان امتلك دمية “

امتلاك دمية  في منزل  يتكدس بالاطفال والمراهقين وأب كادح ينوء بحمله الثقيل و بالكاد يستطيع توفير الضرورات  هو حلم صعب التحقيق وبعيد المنال  كبعد  تلك النجمات الجميلة التي كنا  نحاول ان نعدها   انا واخوتي من سقف منزلنا في ليالي الصيف الرائقة.

.ظل ذلك الحلم يتراءى لي ويلح علي ، اتخيله في صحوي واسدل عليه جفني حتى  تلك الأمسية التي زارتني فيها رفيقتي في المدرسة ،  دق قلبي بعنف عندما رمقت تلك الدمية الشقراء الجميلة التي تحملها ، تأملتها بشغف وتمني  وحسد صغير    مازال محتفظا بنعومته ، صارحتها بإعجابي وحبي لها على استحياء :

-خذيها… لدي اكثر من واحدة.

 اتسعت عيناي دهشة وفرحا بما قالت ، رغبت  في اخذها ، تلهفت للمسها  ، اشتهيت  احتضانها  ، تطلعت بشدة  لامتلاكها ، لكن حيائي وعزة نفسي منعاني ان امد يدي نحوها ، لكنها اصرت  ، تركت  تلك الدمية النفيسة بين يدي  ورحلت…

بعد خروجها اجتمع اخوتي الصغار والكبار  يتفرجون على الدمية،  عيونهم  تسلطت  عليها بعجب مأخوذين بجمالها  ومبهورين بوجودها في بيتنا الذي لم يعتد ان تكون هذه الاشياء الرائعة  ضمن مقتنياته  .، معبرين عن امتنانهم وفي ذات الوقت  استغرابهم  من كرم صديقتي وطيبتها، .

، تلك الليلة افسحت لها مكانا جانبي في الفراش  وتنازلت لها  عن وسادتي وشاركتها لحافي ، نمت بعمق  وانا اشعر بسعادة من الصعب انا اصفها وكأني ملكت الدنيا وما فيها.

عندما استيقظت صباح اليوم التالي  ابلغتنا أمي أن عائلة خالي ستأتي لزيارتنا ، كنت اطير فرحا عندما اسمع بمجيئهم  لكنني لم آبه كثيرا ذلك اليوم ، ورائي اشياء عدة  سأفعلها مع دميتي  ولا احتاج للهو مع احدا سواها.

تحلقت بنات خالي الثلاث حولها  يرمقنها  بدهشة وطمع ، كل منهن تتمنى لو انها تمتلك واحدة  ، جلهن يردن  ان يحملنها ويضعنها بجانبهن ، نظمت ذلك التزاحم والاقبال عليها بكل اعتداد وفخر ، عند رحيلهم اخذت ابنتهم الصغرى تبكي بحرقة ، رأيت امي تسألها عما بها ؟  ثم تأتي لتنتزع دميتي من يدي وتمنحها لها.

..حينها تصورت أمي كأحد  الكواسر ، نشبت مخالبها في حلمي الغض وافترسته   فتناثرت دمائه وملئت زوايا ذاكرتي ولوثتها دون أن تعي.

هطلت دموعي تلك الليلة غزيرة كغيمة كريمة جادت بكل ما حازت حتى لم يبق  في جوفها  إلا الخواء ، بكيت لليالٍ متواصلة على فرحتي التي لم تمكث معي  سوى ليلة واحدة ، ليلة يتيمة تحقق بها المراد  و تلاشى بسرعة ثم أصبح كابوسا أراه كل ليلة  ، استعيد  فيها لحظة اغتصابها  مني ومنحها لإبنة خالي الماكرة.

نظرت إلي ابنتي وقلت لها مؤكدة::

__احتفظي بها ، المرة القادمة سأحضر لك لعبة البازل التي ترغبين.

بعد عدة اسابيع   دخلت على صغيرتي بعد رجوعي من السوق واعطيتها دمية ضخمة رائعة  جلبتها معي من محل مشهور لبيع الدمى التي لها أسماء معروفة ، فوجئت بها ترميها على الأرض بقوة حتى احدثت صوتا اخترق تلافيف الماضي البعيد  .::

-لِمَ تحضرين المزيد من الدمى يا امي؟؟….انا لا اريدها

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post تعذيب في سجن أنتويرب
Next post الجرارات تتجه نحو ميناء غنت