هل يتدخل الناتو لحماية الجنود الفرنسيين في أوكرانيا؟
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_تشعر فرنسا بالقلق بسبب ضعف القوات الأوكرانية، وطول أمد حرب أوكرانيا، وقد سبق وناقشت السلطات الفرنسية في العام 2023 بسرية تامة مسألة إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا. وذلك في أعقاب الإخفاقات التي رافقت الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا على مواقع روسية. أثار قرار الرئيس “إيمانويل ماكرون” جدلا كبيرا داخل حلف شمال الأطلسي وبين الدول الأعضاء برفضه استبعاد “من حيث المبدأ” خيار إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا مستقبلا.
القدرات العسكرية والنووية الفرنسية
تحتل فرنسا المرتبة الرابعة كدولة نووية في العالم، وذلك من حيث الرؤوس النووية، حيث تمتلك فرنسا ما يبلغ من نحو (300) رأس نووية، وذلك بعد تقليصها من حوالي (540) رأسا نوويا في عهد الحرب الباردة. تنص العقيدة العسكرية الفرنسية على ضرورة وجود من واحدة إلى أربع غواصات نووية فرنسية في المحيط الأطلسي دائما لضمان الأمن القومي لها ولأوروبا.
يحتل الجيش الفرنسي المرتبة الثانية بين أقوى الجيوش في أوروبا، والمرتبة السابعة على مستوى العالم. تمتلك فرنسا برنامجا للأسلحة للفترة (2019-2024) يسمح لها باستعادة القدرات، وكذلك التكيف مع الوضع والأزمات الحالية دوليا لاسيما حرب غزة وأوكرانيا. الأمر الذي قد يجعل الجيش الفرنسي الجيش الأول على المستوى الأوروبي. تشير الإحصائيات إلى أن عدد جنود الجيش الفرنسي يبلغ حوالي (415) ألف جندي بينهم (205) آلاف جندي عامل و(35) ألف جندي احتياطي إضافة إلى (175) ألف فرد. يجعل حجم الإنفاق الدفاعي الفرنسي بين أكثر (11) دولة إنفاقا على جيوشها في العام 2022 بميزانية تقدر بـ (40.9) مليار دولار.
الحضور السياسي الفرنسي دوليا
تُعدُّ فرنسا أحد الأعضاء الاثنتي عشرة المؤسسة لمنظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وقد احتضنت أوّل مقر دائم لها في عاصمتها باريس في الخمسينيات والستينيات. يبلغ عدد العناصر الفرنسيين العاملين في جميع الهياكل والوكالات التابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” في الوقت الراهن زهاء (780) عنصرا. تحتل فرنسا المرتبة الثالثة من بين المساهمين في الميزانيتين العسكرية والمدنية لمنظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
يتكون مجلس الأمن من “15” عضوا، دول خمس دائمة العضوية: الصين ، فرنسا، روسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. تلك الدول لها حق قض النقض “الفيتو”. استخدمت فرنسا حقّها في الفيتو عدة مرات على سبيل المثال استخدمته فرنسا العام 1989 بشأن الأوضاع في بنما، وفي عام 2003 هدّدت فرنسا بالنّقض بما يتعلّق بالغزو الأمريكي للعراق، مسبّباً التوتر في العلاقات بين فرنسا والولايات المتّحدة الأمريكيّة.
خيار إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا في المستقبل
أثار الرئيس “إيمانويل” ماكرون جدلا كبيرا برفضه استبعاد “من حيث المبدأ” خيار إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا في المستقبل، في ختام مؤتمر باريس الذي جمع قادة الدول المتحالفة مع أوكرانيا وأغلبها أوروبي. أوضح رئيس أركان القوات البرية الفرنسية الجنرال “بيير تشيل” في 14 مارس2024 أن تصريحات الرئيس الفرنس “ماكرون” حول احتمال إرسال قوات إلى أوكرانيا هي في المقام الأول رسالة سياسية واستراتيجية موجهة إلى روسيا توحي بالاستعداد لمثل هذا الأمر.
أكد رئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية، الجنرال “تييري بوركارد”، إنه لا ينبغي لروسيا أن تتوقع من الغرب أن يقتصر دعمه لأوكرانيا على توريد الأسلحة. بينما تقول ألمانيا ودول أوروبا الوسطى إنها لن ترسل قوات إلى أوكرانيا.
ترى “جوليا غرينيون” أستاذة القانون في جامعة “لافال في كيوبيك” أن “سنكون طرفا في النزاع لأننا سنشتبك مع قوات مسلحة ضد عدو مشترك”، ويوضح خبير مقرب من وزارة القوات المسلحة أن “هذا سيكون بمثابة إعلان حرب على روسيا”.
تشير استطلاعات الرأي في مارس 2024 إلى(57%) من الفرنسيين يرون أن الرئيس الفرنسي تصرف بشكل خاطئ عندما طرح فكرة إرسال الجيش إلى أوكرانيا.وأنه قد يولد خلافات مع الدول الغربية ويزيد من مستوى التوتر في العلاقات الفرنسية الروسية.وعارض (51%) تخصيص 3 مليارات يورو لدعم أوكرانيا كجزء من اتفاقية التعاون الأمني.
عدد القوات الفرنسية المرسلة لأوكرانيا
كشف جهاز المخابرات الروسية الخارجية في 19 مارس 2024، أن فرنسا تقوم بإعداد وحدة عسكرية لإرسالها إلى أوكرانيا، في المرحلة الأولية ستصل إلى حوالي (2000). وأكدت على وجود عسكريين فرنسيين موجودون بالفعل بشكل غير رسمي في أوكرانيا، وتكبدوا خسائر على يد القوات الروسية. بينما أكدت وزارة الدفاع الفرنسية إن هذه المعلومات هي “جزء من الاستخدام المنهجي للمعلومات المضللة للرأي العام”.
أسباب إرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا
يمكن القول أن هناك عدة عوامل لإرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا منها
رأب الصدع بين حزب “ماكرون” والمعارضة” : استخدم “إيمانويل ماكرون” حرب أوكرانيا لرأب الصدع بين حزبه والمعارضة، حيث يتهم المنافس الرئيسي، حزب التجمع الوطني، بالإفراط في الولاء لروسيا. ويريدون إجبار زعيم الحزب “جوردان بارديلا ” على تحديد مساره: ما إذا كان يدعم سلطات كييف الحالية أم لا.
تحقيق مكاسب سياسية في الانتخبات الأوروبية : كذلك الرغبة في تسجيل نقاط سياسية في الانتخابات المقبلة للبرلمان الأوروبي، كون هذه الانتخابات قد تؤشر لملامح الحقبة المقبلة التي ستشهد انتخابات رئاسية لن يشارك فيها الرئيس “إيمانويل ماكرون” بحكم الدستور الذي يمنع ثلاث ولايات متتالية.
الصراع الروسي الفرنس في أفريقيا : لا يمكن فصل سبب إرسال قوات فرنسية لأوكرانيا عن تنامي النفوذ الروسي في إفريقيا وضلوع روسيا متمثلة في مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة فيه. حيث باتت المواجهة بين فرنسا وروسيا لا تقتصر على ساحات حرب أوكرانيا أوكرانيا، وإنما تتوسع رقعتها في القارة إفريقيا.
استعادة قيادة أوروبا : يرى “إيمانويل ديبوي” رئيس مركز الاستشراف والأمن في أوروبا أن “ماكرون” يريد استعادة قيادة أوروبا بالتزامن مع إعلان وزارة الدفاع الفرنسية تسليمها مساعدات عسكرية لأوكرانيا تصل إلى 2.6 مليار يورو. تريد باريس تأكيد زعامتها فيما يتعلق بضمان الأمن ودعم كييف.
حلف شمال الأطلسي وإطالة الحرب في أوكرانيا
تعد تلميحات الرئيس الفرنسي ” إيمانويل ماكرون” بارسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا أحد الأسباب المستقبلية لطول أمد حرب أوكرانيا. ما قد يؤدي إلى عواقب صعبة للغاية بالنسبة للغرب، فضلا عن أنها قد تؤدي إلى حرب محتملة بين الناتو وروسيا والمواجهة النووية، ومايزيد من تلك المخاوفامتلاك روسية الأسلحة اللازمة لضرب أهداف أخرى في البلدان الغربية.
يبدو أن إدارة لرئيس الأمريكي “جو بايدن” ليست حريصة على ملاحظة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن القوات الغربية يمكن أن تدافع بشكل مباشر عن أوكرانيا في مرحلة ما. تقول المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي “أدريان واتسون” “لقد كان الرئيس”جو بايدن” واضحا في أن الولايات المتحدة لن ترسل قوات للقتال في أوكرانيا”. وتابعت أن الحصول على ما يقرب من (60) مليار دولار من المساعدات العسكرية لكييف، التي أقرها الكونجرس، هو “الطريق إلى النصر”.
أثار الجدل الدائر حول تصريحات “ماكرون” تساؤلات حول الوحدة داخل حلف شمال الأطلسي، ومن الممكن أن تؤدي المواقف المختلفة للدول الأعضاء إلى توترات داخل التحالف. ويكمن التحدي في إيجاد نهج مشترك يضمن الأمن في المنطقة من دون المزيد من توتر العلاقات مع روسيا.
لايعني مشاركة قوات دولة عضو في “الناتو” إلى جانب الجيش الأوكراني في الصراع مع روسيا، فإن مشاركتها هذه لن تشملها المادة (5) من ميثاق “الناتو” للدفاع الجماعي”. حيث أن الدفاع الجماعي لبلدان الحلف يعني الدفاع عن أراضي دوله إن تعرضت لهجوم روسي.
تقييم وقراءة مستقبلية
– تحتل فرنسا المرتبة الرابعة كدولة نووية دوليا، كما يحتل الجيش الفرنسي المرتبة الثانية على المستوى الأوروبي، والمرتبة السابعة على المستوى الدولي.
– تعد فرنسا على المستوى السياسي من الثلاث الأوائل المساهمين في الميزانيتين العسكرية والمدنية لمنظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”. وتملك حق نض الفيتو داخل مجلس الأمن الدولي.
– يمكن القول أن هناك عدة عوامل لإرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا أهمها رأب الصدع بين حزب “ماكرون” والمعارضة”،تحقيق مكاسب سياسية في الانتخبات الأوروبية، التنافس الجيوسياسي بين روسيا وفرنسا في إفريقيا، كذلك، استعادة قيادة أوروبا.
– يبدو أن تدخل حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا أصبح مجرد آراء ويأتي بيان ماكرون أيضا في وقت تم فيه تخفيف الموقف الأمريكي بشأن دعم أوكرانيا بسبب الخلافات الحزبية في الكونجرس.
– تنقسم مواقف الدول الأوروبية بشأن أوكرانيا بشدة ومن الواضح أن المواقف الأوروبية متباينة، وخاصة بين الدول الأوروبية الثلاث الكبرى.
– من المحتمل أن يشكل نشر القوة تحديا لوجستيا كبيرا، وسيتطلب الأمر زيادة سريعة في إنتاج الذخائر والمركبات، فضلا عن التردد والانقسام الغربي الذي يدعم روسيا.
– بات من المرجح في حال إرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا أن تتسبب في استمرار الحرب طوال عام 2024، وليس مستبعدا أن تستمر إلى ما لا نهاية.
لا توجد خطط لحلف شمال الأطلسي لنشر قوات قتالية على الأرض في أوكرانيا. لذلك من المتوقع أن لن يحمي الحلف قوات أي بلد عضو بمن فيها فرنسا إن أرسلت إلى أوكرانيا، حيث لا يشمل ميثاق الحلف حماية قوات أعضائه خارج أراضيها.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI