أبو رجل مسلوخة وأمنا الغولة وعيشة قنديشة.. أساطير مخيفة تبين أنها حقيقة في تراثنا العربي

أماني مبارك

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_تمثّل الأساطير الشعبية العربية المخيفة للأطفال جزءاً لا يتجزأ من تراثنا الثقافي، فهي تحمل الكثير من الحكمة والعبر والدروس التي تهدف إلى تحذير الأطفال وتعليمهم كيفية التصرف في مواقف معينة والتحلّي بالشجاعة والصبر، وعلى الرغم من أن العديد من هذه القصص تُعتبر خرافية، إلا أن بعضها يمكن أن تكون له نواة حقيقية تعود إلى بعض الأحداث التاريخية أو الاجتماعية التي عايشتها الشعوب.

وتتنوع هذه الأساطير، بين قصص الجن والمخلوقات الغريبة التي تعيش في الغابات أو تختبئ في الظلام، كنباش القبور في تونس وأبو رجل مسلوخة وأمنا الغولة في مصر وعيشة قنديشة في المغرب، وعلى الرغم من خوفها المفتعل، فإن هذه الأساطير كان لها دور مهم في إثراء التراث الشعبي العربي وإمتاعنا بالحكايات الخرافية.

فما هي هذه الشخصيات والقصص الخرافية التي أثبتت الروايات التاريخية والسكان المحليون وجود أحداث مشابهة تتعلق بها؟

وكيف يمكن تفسير ظهورها عبر الأجيال؟

أساطير نباش القبور

يُخيِّل الآباء للأطفال في الوطن العربي وجود كائن يُدعى “نباش القبور” كوسيلة للتخويف ومنعهم من مغادرة المنازل.

وينسب مصطلح “نباش القبور” إلى القصص الخيالية التي كانت تُروى في الزمن القديم، خاصةً بين القدماء المصريين، حيث كانوا يُسلّطون الضوء على خطورة اقتحام المعابد والمقابر، فهو وفق المعتقدات الشعبية مخلوق يسكن الجبال وينزل ليلاً لسرقة الجثث من القبور الجديدة.

ووفقاً للاعتقادات الشعبية، يُعتقد أن “نباش القبور” لا يتغذى إلا على الجثث الطازجة، ويفضل تجنب الجثث المتعفّنة، ما يجعل البعض يعتقد أنه يفضل الجثث التي لم يمر عليها أكثر من 10 أيام كحد أقصى.  

كما يشاع عن “نباش القبور” أنّه مخلوق شديد الوقاحة، حيث يُتابع الأشخاص الذين يهدف لأكل جثثهم، ويظهر لهم بين الحين والآخر ليهددهم بأنه سيأكل جثثهم فور وفاتهم، ويُقال أحياناً إنه قد يختطف الأشخاص أحياءً.

وعلى الرغم من أن “نباش القبور” قد يكون مجرد خيال، إلا أنه في بعض الثقافات، يُعتبر وصفاً لبعض الحيوانات الموجودة في البراري والصحاري، مثل حيوان السلعوة في المملكة العربية السعودية، حيث يُقال إنّ لديه القدرة على الحفر، وهو جيد في الاختباء والترصد، ويتغذى بشكل رئيسي على اللحوم، مثل الفرائس الصغيرة كالفئران والسحالي والثعابين.

أبو رجل مسلوخة

تتنوع قصص أبو رجل مسلوخة من ثقافة لأخرى، ولكن في العادة، يُصوَّر كرجل غريب المظهر ويمتلك قوى خارقة، ويروى أنه يتجول في الليل ويثير الرعب في الناس.

ولا تزال التصورات التي روجها المخيال الشعبي العربي عن هذا الرجل الذي يأكل الأطفال أو يخطفهم تردد وبشكل كبير إلى يومنا هذا، إلا أن اكتشاف سر وجوده في المعابد المصرية حسب ما ذكره موقع “سبوتنيك ” حل لغز الأسطورة التاريخية، حيث إنّ “أبو رجل مسلوخة” هو تشكيل للإله المصري القديم “بس”، الذي كان يُعتقد أنه رب المرح والسرور في مصر القديمة، كما يشاع عنه أنه كان له دور حامي للطفولة في العصور اليونانية والرومانية، وكانت تماثيله تُصوّر عادة على هيئة قزم.

وتظهر هيئة أبو رجل مسلوخة بوضوح منذ عصر الدولة الوسطى في مصر، ولكن أقدم تمثيل معروف له يعود إلى عصر الدولة القديمة، حيث جاءت هيئته عبر “قناع المعبود”، الذي كان يُمثّل شكله بوضع أمامي، وحافظ على تفاصيله مثل اللحية والشعر المتراخي، إلى جانب تمثيلات أخرى له بصورة أنثوية تتضمن ملامح مثل الثدي المترهل والبطن المنتفخ.

وبالنظر إلى هذا السياق، يمكن فهم كيف أن صورة “بس” الهزلية والمرعبة في الوقت نفسه قد أثّرت على الخيال الشعبي، وأدت إلى تشكيل أسطورة “أبو رجل مسلوخة” كرمز للرعب والتهديد بين الأطفال. 

أمنا الغولة 

قصة “أمنا الغولة” هي واحدة من القصص التي تُروى للأطفال لوصف كائن مخيف يُستخدم كوسيلة لإرغامهم على النوم مبكراً.

وتتميز الغولة في التراث الشعبي العربي بسمات خاصة، حيث يُوصف وجهها بأنه مخيف بعيون حمراء وشعر متشابك وأنف أفطس وفم واسع مع أنياب مسننة، ويُقال إنها تدوس على ضحيتها حتى تستولي على روحها، وتستخدم الغولة الرعب كوسيلة لقتل أعدائها.

ويرجع أصل كلمة “الغول” إلى الكلمة العربية “غيلة” التي تعني الغدر أو الخيانة، ويُعتقد أنها تشير إلى الطريقة التي تستخدمها الغولة في قتل ضحاياها. 

وقديماً، كانت العرب تُطلق كلمة “غول” على الأفاعي والحيوانات العظيمة التي تهاجم الناس، ومع مرور الزمن، تطورت هذه القصص لتصف كائنات غريبة نصف إنسانية ونصف حيوانية.

وتروي قصص “ألف ليلة وليلة” العديد من القصص عن غولة عملاقة تأكل البشر والحيوانات، وتظهر هذه القصص الغولة كمخلوق يموت بعد ضربة واحدة بالسيف، لكنه يعود للحياة إذا تم ضربه مرة أخرى.

ورغم تداول القصص والروايات عنها قد لا يخطر على بال الكثيرين أنّ للغولة جذوراً تاريخية ضاربة في القدم وقع منها استنباط وتوارث الروايات الشعبية، حيث ذكر الباحث الأثري “فرانسيس أمين محارب” أنّ قصة “أمنا الغولة” ترتبط بمعبد الكرنك وآلهة مصر القديمة في مدينة الأقصر بصعيد مصر، وخصوصاً الإلهة “سخمت” التي كانت تُعتبر آلهة الحرب والدمار والفزع، حيث كانت تُصوّر “سخمت” عادةً بشكل امرأة ذات رأس أسد أنثوي، وكان يعتقد أنها السبب في الأمراض وفي الوقت نفسه كانت تُعالج كلّ من يصاب بها.

ولا يزال معبد الكرنك يحتوي إلى اليوم على العديد من تماثيل الإلهة “سخمت”، وذلك لأن الملك “أمنحتب الثالث” خلال فترة مرضه قام بصنع أكثر من 700 تمثال لها، حيث كان ينتج تمثالين كل يوم، أحدهما في وقت شروق الشمس والآخر في وقت غروبها.

ويعود أوّل ذكر لقصة “أمنا الغولة” في الأقصر إلى عام 1907، حيث وقعت حادثة وفاة لأطفال أثناء لعبهم بجوار حائط في معبد الكرنك عندما سقط الحائط عليهم، وقد تزامنت هذه الحادثة مع اكتشاف تماثيل للإلهة “سخمت”، ما أدى إلى ترسيخ قصة “أمنا الغولة” في الذاكرة الشعبية المصرية التي اعتُقد في ذلك الوقت أنها كانت تخرج من معبد الكرنك في الليل لتلتهم الأطفال، وكان وجه الإلهة “سخمت”، الذي يمثل رأس الأسد المخيف، يساهم في انتشار هذه القصة، ما جعل عمال الحفر يتوقفون عن العمل في المعبد خوفاً من “سخمت”.

وادّعى الباحث الأثري الفرنسي جورج ليجران أنه أزال هذا الاعتقاد من قلوب العمال والأهالي بواسطة تعويذة باللغة الهيروغليفية، ما أدى إلى انتهاء قصة “أمنا الغولة”، كما كان تمثال الإلهة “سخمت” مرتبطاً أيضاً في معتقدات سكان الأقصر بالإنجاب، حيث كانت تقوم السيدات اللاتي يبحثن عن الإنجاب بالدوران حول التمثال، وهو ما أدى في بعض الأحيان إلى تدمير التمثال بعد عدم تحقيق مرادهنّ بالإنجاب.

عيشة قنديشة 

هي امرأة عاشت في المغرب منذ زمن بعيد، وفي جميع الأساطير والقصص التقليدية، كانت تُصوّر عادةً بأنها جميلة الشكل والمظهر، ترتدي ملابس بيضاء فضفاضة، تستهوي الرجال وتجذبهم بهدف ممارسة الجنس، ومن ثم تقوم بقتلهم وأكل لحومهم، وتُوصف أيضاً بأن لها أقداماً مشابهة لخفّ الجمل.

في أسطورة أخرى، تُصوّر عيشة في شكل ساحرة عجوز ملتحية، تقضي معظم وقتها في القيام بتعاويذ سحرية لتفريق الأزواج عن بعضهم، وتتفق الأساطير على أن مجرد ذكر اسمها المخيف “قنديشة” يمكن أن يجلب للشخص لعنة تطارده طوال حياته.

وتُذكر القصص الشعبية أيضاً أن عيشة كانت تخشى شيئاً واحداً فقط، وهو النار، فحسب تقرير نشر على موقع هسبريس المغربي، كانت هناك مجموعة من الرجال قاموا بحرق عباءاتهم بمجرد مواجهتهم لعيشة قنديشة، وكانوا على وشك أن تطيح بهم لولا انتباههم لأقدامها المختلفة والتي تشبه حواف الجمال.

ويتجاوز تداول أسطورة عيشة قنديشة حدود العامة، إذ تناولها العالم الاجتماعي المغربي الراحل بول باسكون في كتابه “أساطير ومعتقدات من المغرب”، وفيه يروي قصة أستاذ أوروبي للفلسفة في إحدى الجامعات المغربية، كان يبحث عن “عيشة قنديشة”، واضطر إلى حرق كل ما كتبه حولها وإيقاف بحثه بعد تعرضه لحوادث غامضة متتالية، ما جعله يعزم على مغادرة المغرب ويربطها بلعنة عيشة قنديشة.

ووفقاً للروايات الشعبية، كانت عيشة قنديشة شخصية حقيقية، تنحدر من الأندلس، تنحدر أصولها من عائلة موريسكية نبيلة طُرِدت من الأندلس لتستقر في المغرب خلال القرن الخامس عشر. 

وكانت “الكونتيسة عائشة”، كما كانت تُلقب، معروفة بتعاونها مع الجيش المغربي ضد البرتغاليين للانتقام لعائلتها التي فقدت كل شيء في الأندلس  ثمّ صنعت لنفسها مجداً واسماً كبيراً بفضل شجاعتها ومهارتها في قتال الجنود البرتغاليين، وتم وصفها بأنها ليست بشرية.

وتشتهر عيشة بتكتيكاتها الغريبة خلال المعارك، حيث كانت تستخدم خفيتها التي تُشبه حواف الجمال لترك آثارٍ ملتبسة، ما جعل من الصعب على العدو تحديد مواقعها، كما كانت تستخدم إغراء الجنود البرتغاليين وجذبهم إلى الوديان والمستنقعات ليتم ذبحهم بطرق مرعبة، ما أثار الذعر في صفوف المحتلين.

بهذه الطريقة، أصبحت عيشة قنديشة شخصية تاريخية وأسطورية تجتاح الحدود الزمانية والجغرافية، وتثير الفضول والرعب في آنٍ واحد. 

النداهة 

 منذ عدة عقود، تتردد أسطورة “النداهة” على ألسنة أهل الريف، تلك الفتاة الجميلة التي تظهر ليلاً وسط الحقول أو تخرج من مياه الترع، وتُنادي على أحد الرجال بصوت عذب يجعله يسير وراء مصدر هذا الصوت، حتى يختفي عدة أيام عن أفراد أسرته، لا أحد يعلم عنه شيئاً ثم يعود مُصاباً بالصمت والذهول وتشتت العقل لتكون نهايته الموت المفاجئ.

وتُعتبر هذه الأسطورة رمزاً ودلالة في الأدب، ففي قصة النداهة التي كتبها الدكتور يوسف إدريس، استخدمها كرمز لحياة المدينة التي تغوي من يحبّ حياة الريف، حيث استعار الأسطورة الريفية المصرية ليجعل المدينة نفسها هي النداهة التي تجذب ضحاياها.

وفي أدب الرعب، استخدمها الدكتور أحمد خالد توفيق في سلسلة ما وراء الطبيعة، برواية تحمل اسم “أسطورة النداهة”، وتدور أحداثها حول أسطورة غريبة تنتشر في قرية بطل الرواية الدكتور رفعت إسماعيل، ويتأثر بها شقيقه عاصم ثم هو نفسه.

ورغم أن النداهة قد تبدو كأنها شخصية من الخيال، إلا أن العديد من الشهادات والروايات تشير إلى أنها شخصية حقيقية في تقاليد الثقافة الشعبية حيث تحدّث الدكتور محمود صلاح، الكاتب والباحث في علوم ما وراء الطبيعة، في تصريحات تليفزيونية عن أسطورة النداهة، مشيراً إلى انتشارها خاصة مع قلة عدد السكان في الأزمنة الماضية، ومن خلال دراسته وأبحاثه حول هذه الأسطورة، التقى بالعديد من أهل الريف والقرى الذين فقدوا رجالاً من عائلاتهم بسبب استجابتهم لصوت النداهة.

وشملت حوادث النداهة مختلف المحافظات على مدار 200 عام، وخاصة في القرى والأماكن الريفية، وكانت تتجسد في صورة امرأة جميلة، لتكتشف الضحية أنها مخلوق مرعب دميم الوجه، كما أنّ هناك بعض الرجال الذين استطاعوا الهرب منها في آخر لحظة، وهو ما أكّد للمؤرخين والمتخصصين في علوم الإجتماع أن شخصية النداهة حقيقية وليست من وحي الخيال.

عربي بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post هل يمتلك الاتحاد الأوروبي الأساس القانوني لتصنيف الحرس الثوري الإيراني
Next post الأحزاب الفلمنكية وانتخابات 2024