وجود جنود فرنسيين في أوكرانيا، المخاطر والتداعيات؟

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_رغم الاتهامات المستمرة من جانب روسيا لحلف الناتو، بالتحضير لمواجهة مسلحة مباشرة معها، إلا أن الحلف يبدو حذراً من التدخل في حرب أوكرانيا، رغم الدعم العسكري والسياسي الواضح لكييف منذ شن روسيا العملية العسكرية في 24 فبراير 2022. ولكن تسببت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة، بشأن احتمالية إرسال قوات غربية لأوكرانيا، في إثارة غضب روسيا التي استغلت الأمر، لتلوح من جديد باستخدام السلاح النووي كوسيلة ردع للغرب. ومن هنا سارع الناتو لتوضيح موقفه من تصريحات ماكرون، تجنباً لأي تداعيات غير محسوبة العواقب على العلاقة مع روسيا وعلى أعضاء الحلف.

هل يدخل الناتو في حرب مباشرة ضد روسيا؟

كان من المتوقع أن المقترح الفرنسي حول مشاركة قوات غربية في حرب أوكرانيا، سيلقى قبولاً من أعضاء الناتو، ولكن المواقف جاءت مغايرة لهذه التوقعات. وفي 27 فبراير 2024 أكد البيت الأبيض، أن بلاده لن ترسل قوات للقتال بأوكرانيا، وفي 9 مارس 2024، أعرب وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون معارضته لهذا الطرح، رغم اعتراف بلاده بإرسال عدداً صغيراً من الأشخاص لدعم القوات الأوكرانية في التدريب الطبي. وشدد المستشار الألماني أولاف شولتز، على أنه لن يتم إرسال أي جندي لكييف سواء من دول أوروبا أو من الحلف الأطلسي. وأكدت الحكومة الإيطالية، على أن دعم أوكرانيا لا يعني وجود قوات في ساحة الحرب، محذرة من أن يتحول الوضع لحالة حرب مع روسيا. وتوافقت إسبانيا والتشيك والسويد وسلوفاكيا، على الرفض التام للمقترح الفرنسي. أما بولندا التي ظهر تضارب في تصريحات مسؤوليها، حيث قال وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي، إن هناك أفراد عسكريين من الناتو متواجدين بأوكرانيا دون تحديد بلدانهم، مرحباً بالفكرة، إلا أن الحكومة البولندية أكدت عدم وجود خطط لإرسال قواتها للحرب.

استبعد حلف الناتو إرسال أي قوات للمعركة، وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، إن “هذه حرب، لأوكرانيا الحق في الدفاع عن نفسها، ولدينا الحق في دعمها”. وسرعان ما سعت فرنسا لتوضيح موقفها بعد انتقادات أوروبية وأمريكية وأيضاً فرنسية، وأوضح وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، أن على الغرب دراسة تحركات جديدة لدعم كييف، مثل عمليات نزع الألغام والعمليات السيبرانية، وإنتاج أسلحة على الأراضي الأوكرانية، منوهاً إلى أن هذه المهام قد تتطلب وجوداً بأوكرانيا، دون الانخراط في العمل الحربي، بينما أشار وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو، عدم التوصل لإجماع حول تنفيذ عمليات إزالة الألغام والتدريب العسكري بأوكرانيا، بعيداً عن الخطوط الأمامية للقتال

الأساس القانوني لتدخل الناتو بالحرب

تنص المادة (5) من ميثاق تأسيس الناتو، على أن الهجوم المسلح ضد دولة أو أكثر من الدول الأعضاء في أوروبا أو أمريكا الشمالية، يعد هجوماً ضد الحلف، ويصبح من حق كل دولة الدفاع عن النفس أو الدفاع الجماعي المعترف به، في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة. ويساعد الناتو الدولة أو الدول التي تتعرض للهجوم، بالتصرف بشكل منفرد أو بالتكاتف مع باقي الدول، واستخدام القوات المسلحة لاستعادة الأمن في منطقة شمال الأطلسي. ووضعت المادة كحجر زاوية لبناء الحلف في 1949 لمواجهة الاتحاد السوفيتي وقتها. وتأتي المادة (6) مكملة للمادة (5)، حيث تنص على أن الهجوم المسلح على أي عضو بالحلف، يعد هجوماً على باقي الأراضي في أوروبا وأمريكا الشمالية، وهذا الوضع لا ينطبق على أوكرانيا كونها ليست عضواً بحلف الناتو.

عند تفعيل المادة (5) يمكن للحلفاء تقديم أي شكل من أشكال المساعدة، سواء عسكرية أو مالية، ويعد التزاماً فردياً لكل عضو يحدد المساعدة الضرورية من وجهة نظره. ورغم التوافق على مبدأ المساعدة التبادلية، لكن كان هناك خلافاً حول طريقة تنفيذه، وأرادت دول أوروبا التأكد من مساعدة الولايات المتحدة تلقائياً في حال تعرضها لهجوم، لكن رفضت الأخيرة التعهد بهذا البند، ما انعكس على صياغة المادة.

لم يستخدم الحلف المادة (5) إلا مرة واحدة، واتخذ تدابير جماعية في بعض الحالات، ومع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014، نفذ الناتو أكبر زيادة في الدفاع الجماعي منذ الحرب الباردة، وضاعف حجم قوة الاستجابة التابعة له (3) مرات. وفي الحرب الراهنة عزز من قوة الردع والدفاع، ووضع الآلاف من القوات الإضافية في حالة تأهب قصوى. فالمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، لا تمنع الدول من حق الدفاع بشكل منفرد أو جماعي عن نفسها، في حال الهجوم المسلح على أحد أعضاء المنظمة، حتى يتخذ مجلس الأمن الإجراءات اللازمة لحفظ الأمن والسلم الدوليين، ويتم إبلاغه بالتدابير التي اتخذتها الدول الأعضاء للدفاع عن أنفسهم.

أكد خبراء هيئة البحوث بالبرلمان الألماني، في 29 مارس 2024، أن نشر أحادي لقوات بأوكرانيا، لن يجعل الناتو طرفاً في الحرب، وفي حال انخراط القوات الفرنسية لصالح كييف، سيعتمد على المادة (51) لميثاق الأمم المتحدة، ويصبح مسموحاً بموجب القانون الدولي، ولا يعني تفعيل المادة (5) للناتو. بينما في حال هجوم روسيا على أهداف في فرنسا، يصبح مخالفاً للقانون الدولي ويلزم الناتو بتفعيل المادة (5).

 أسباب تمنع من التصعيد المباشر بين الناتو وروسيا؟

عدم استعداد الناتو: تشير تقديرات عسكرية لخبراء، إلى أن إعادة إنتاج ما استنزفته حرب أوكرانيا، يتطلب سنوات خاصة لبعض الأسلحة الثقيلة، وأعلنت دول الناتو الشرقية، نفاد مخزون المعدات السوفيتية. وتعاني بعض الدول المصدرة للأسلحة من نقص في راجمات الصواريخ، بينما تعمل ألمانيا على إعادة بناء جيشها ويحتاج لسنوات، وتعاني بريطانيا من نقص في الجنود والتسليح، ما يعني عدم جاهزيتها لخوض أي حرب.

الانقسامات داخل الناتو: أصبحت فرنسا بمعزل عن باقي أعضاء الحلف بمقترحها الأخير، ما يجدد الخلافات بداخله، وظهر انقسام بين أوروبا الشرقية والغربية حول تحمل مسؤولية تسليح أوكرانيا. وأثارت تصريحات دونالد ترامب حول دفاع الناتو عن أوروبا في حال وصوله للبيت الأبيض قلق بعض الأعضاء، في ظل الخلاف حول حجم الإنفاق الدفاعي لدول الحلف، وظهور رغبة أوروبية بتأسيس جيش أوروبي موازي، إضافة إلى عدم التوافق حول الأمين العام الجديد للناتو.

قضايا أخرى شائكة: تريد واشنطن أن تحتفظ بقوتها العسكرية، تحسباً لأي مواجهة مع الصين وتحديداً في تايوان، وفي الوقت نفسه تعطي اهتماماً إلى دعم إسرائيل والحرب على غزة، وتنشغل أيضاً أوروبا بالتوترات في البحر الأحمر، وتبعاتها في ضوء تهديدات تنظيم داعش باستهداف دوري الأبطال الأوروبي.

 أصوات داعية الى التهدئة والتفاوض

ظهرت في نوفمبر وديسمبر 2023، محاولات غربية للعودة إلى المحادثات بين روسيا وأوكرانيا، كنتيجة لمباحثات مالطا لتشجيع أوكرانيا على تقديم تنازلات لإنهاء الحرب. وفي وقت تتراجع فيه ألمانيا وفرنسا عن لعب دور الوسيط، في أعقاب المكالمة المسربة لضباط ألمان حول ضرب جسر القرم، ومطالبة فرنسا بإرسال قوات لأوكرانيا، تتصدر سويسرا المشهد بدعوة جديدة للتفاوض، وفي 10 أبريل 2024 أعلنت سويسرا عقد قمة سلام بشأن أوكرانيا، يومي 15- 16 يونيو 2024، لتضم ما بين (80) إلى (100) دولة، بناءً على طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في يناير 2024. وتخطط سويسرا إلى خلق تفاهم بين الدول المشاركة لتحقيق سلام دائم وعادل في أوكرانيا، مستفيدة من الضغوط التي تمارس على طرفي الحرب للعودة إلى المباحثات. ولم تقتصر مشاورات سويسرا على الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع، بل شملت “الجنوب العالمي” مثل الصين والبرازيل والسعودية والهند وجنوب إفريقيا، لوضع إطار مناسب لمشاركة روسيا في القمة، رغم رفض روسيا لخطة أوكرانيا للسلام، ووصفها للمؤتمر المرتقب بمحاولة لحشد دعم دول الجنوب لصالح كييف، مؤكدة عدم مشاركتها بالمؤتمر.

شروط روسيا وأوكرانيا للتفاوض

رغم تأكيد روسيا على تفضيلها لعودة المباحثات، وإعلان المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في 11 أبريل 2024، انفتاح بلاده على المفاوضات، إلا أنها تتمسك بشروطها دون أي إمكانية للتنازل عنها. وتشترط موسكو استسلام أوكرانيا ونزع السلاح، والاحتفاظ بالمناطق الأربع التي سيطرت عليها في سبتمبر 2022 إضافة إلى شبه جزيرة القرم، بجانب تعديل أوكرانيا دستورها، بحيث ينص على العودة لسياسة الحياد، ونبذ الانضمام لأي حلف عسكري، في إشارة لحلف الناتو. بينما تتمثل شروط أوكرانيا في انسحاب روسيا من كافة الأراضي الأوكرانية، والإفراج عن الأسرى وخضوع روسيا للمحاكمة على ما وصفته بـ “جرائم حرب”، والحصول على ضمانات أمنية كشرط للسلام، ومنع موسكو من شن هجوم مستقبلي ضدها.

تقييم وقراءة مستقبلية

– لا توجد خطط للناتو في اللحظة الراهنة لأي مواجهة عسكرية مع روسيا، في ضوء نفاد أسلحته وعدم الاستعداد لخوض أي حرب، خاصة وأن الولايات المتحدة باتت تعاني من نقص مخزونها، بجانب رفض الكونجرس لتمرير حزمة المساعدات المنتظرة لأوكرانيا، إضافة إلى أن دول أوروبا لا تريد اتساع رقعة الصراع في القارة، ومعاناة الجيش البريطاني من قصور لا يمكنه من دخول أي معارك.

– إعادة بناء الجيوش الأوروبية تحتاج لنحو (5) أعوام أو أكثر، وربما بعد هذه السنوات تصبح أوروبا قادرة على أي مواجهة عسكرية. ومن غير المنطقي أن تظل الحرب الأوكرانية مستمرة طوال هذا الوقت، لأن هذا يعني استنزاف كافة قدرات حلف الناتو في المعارك، ما قد يتسبب في تأخر تسليح جيوش الحلف ويشجع روسيا على مهاجمة أي دولة من أوروبا الشرقية، التي كانت تخضع للاتحاد السوفيتي سابقاً.

– دعوة باريس لإرسال قوات غربية لكييف، جددت مخاوف الناتو من لجوء روسيا إلى السلاح النووي، لذا أعلنت الدول الأعضاء موقفها الرافض للمقترح بشكل واضح. فإن اتخاذ قرار بإرسال قوات لحرب أوكرانيا، يتطلب تجهيزات لوجستية لنقلهم، ولن تتم هذه المهمة إلا أن من خلال الولايات المتحدة وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا وبولندا وإيطاليا وإسبانيا، وهم بالأساس رافضين للفكرة، ما يجعل تنفيذها شبه مستحيل.

– من المتوقع أن تتراجع فرنسا عن تنفيذ هذا المقترح، بعد انتقادات داخل وخارج الحلف، لإدراكها أن مشاركة قواتها في الحرب لن تجبر الناتو للتدخل، وفي الوقت نفسه لا تريد باريس أن تقع في خضم الصراع وحدها، لذا ستسعى لضبط تصريحات مسؤوليها حول التصعيد مع روسيا.

– بالنظر إلى شروط موسكو وكييف بشأن التفاوض، نجد أن أغلبها مرفوضة من وجهة نظر الطرف الآخر، ما يعني أن التنازل يجب أن يكون من قبل الجانبين، ولكن تبقى المعضلة في النقاط التي يمكن أن تتنازل عنها كل من روسيا وأوكرانيا، وستحدد بحسب المعادلة في ميدان المعركة، والقدرات العسكرية للجيشين الروسي والأوكراني.

– رغم تراجع الدور الألماني والفرنسي في التواصل مع الجانب الروسي، إلا أن أي خطوات تتخذها أي دولة سواء من أوروبا أو دول الجنوب، لاحتواء الحرب الراهنة، ستجد دعماً من جانب الدولتين، لاسيما وأن أوروبا كانت الأكثر تضرراً من المعارك سياسياً واقتصادياً وأمنياً.

– ستلعب سويسرا دوراً مهماً لعودة المحادثات بين الغرب وروسيا، وربما يسهم دخول دول الجنوب على خط الوساطة في تقريب وجهات النظر، للعلاقات القوية التي تربطها بروسيا، ما يعني أن الفترة المقبلة ستشهد عدة مفارقات تتعلق بالتصعيد العسكري بين كييف وموسكو، في ضوء إعلان الأولى للتخطيط لهجوم مضاد ثانٍ، وتقدم عسكري روسي ملحوظ، وجهود وساطة دولية مكثفة للتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post ارتفاع أسعار العقارات في بلجيكا
Next post العلاقة بين أصحاب العمل والموظفين في بلجيكا