قلق أوروبي من صعود اليمين في البرلمان الأوروبي

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_يتجه المشهد السياسي الأوروبي نحو اليمين الشعبوي،  وهذا ما يثير قلق العديد من الأطراف السياسية والمراقبين في أوروبا. يُشير مصطلح “اليمين الشعبوي” إلى مجموعة من الأحزاب والحركات السياسية التي تتبنى مواقف قومية متشددة، وتُعادي العولمة والتعددية الثقافية، وتُؤكّد على أهمية الهوية الوطنية والسيادة الشعبية. يعود صعود اليمين الشعبوي في أوروبا إلى العديد من العوامل. من أهمها الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008 حيث أدت إلى تفاقم مشاعر عدم الرضا والغضب الشعبي في العديد من الدول الأوروبية. كما أدت موجات الهجرة المتزايدة إلى أوروبا إلى تنامي مشاعر القلق والخوف لدى بعض قطاعات من المجتمع الأوروبي، ممّا استغله اليمين الشعبوي للترويج لخطاب معادٍ للمهاجرين.

تحالفات وخلافات الأحزاب اليمينية الشعبوية داخل البرلمان الأوروبي

يشكل اليمين الشعبوي قوة سياسية داخل البرلمان الأوروبي، مع 36 مقعدًا يشغلها أعضاء من 10 أحزاب مختلفة في الدورة البرلمانية الحالية (2019-2024). يمثل الهوية والديمقراطية (ID) أكبر تكتل يميني شعبوي، يضم 93 مقعدًا من 12 دولة عضو. يُعد حزب الحرية النمساوي (FPÖ) وحزب الرابطة الإيطالي (Lega) من أبرز أعضائه. يمثل المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون (ECR) ثاني أكبر تكتل يميني شعبوي، يضم 63 مقعدًا من 13 دولة عضو. يُعد حزب القانون والعدالة البولندي (PiS) وحزب Vox الإسباني من أبرز أعضائه. يتعاون اليمين الشعبوي أحيانًا مع مجموعات أخرى لتحقيق أهدافه. على سبيل المثال، تحالف مع بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة: صوت بعض أعضاء اليمين الشعبوي مع أحزاب يمينية متطرفة مثل حزب “الحرية” الهولندي وحزب “الشعب” الدنماركي في قضايا محددة. يتعاون اليمين الشعبوي مع مجموعات مناهضة للهجرة مثل “الجيل الهوية” و”مواطنون قلقون”.

توجد خلافات بين الأحزاب اليمينة الشعبوية حول قضايا مختلفة، مثل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي.  بعض الأحزاب، مثل حزب الحرية النمساوي، متشككة بشكل كبير في الاتحاد الأوروبي وتدافع عن سيادة الدول الأعضاء بشكل مطلق. بينما تدعم أحزاب أخرى، مثل حزب الشعب الأوروبي، الاتحاد الأوروبي بشكل عام مع سعيها لإصلاحه من الداخل. تختلف مواقف الأحزاب اليمينة الشعبوية من القضايا الاقتصادية، مع دعم بعضها لسياسات اقتصادية ليبرالية، بينما يدافع البعض الآخر عن تدخل حكومي أكبر. تتفق جميع الأحزاب اليمينة الشعبوية على ضرورة الحد من الهجرة، لكن تختلف وجهات نظرها حول أفضل السبل لتحقيق ذلك.

رسمت مجموعة حزب الشعب الأوروبي التي تنتمي إلى يمين الوسط لسنوات عديدة، خطًا أحمر على القوى اليمينية الشعبوية المتشككة في الاتحاد الأوروبي في البرلمان الأوروبي. وقد يتغير هذا الخط بعد الانتخابات الأوروبية في يونيو2024. كانت هناك ثقة في الأجواء مع بدء حزب الشعب الأوروبي حملته السابقة للانتخابات في بوخارست . ومن المتوقع أن تحصل المجموعة على ما يقرب من ربع الأصوات للفوز في انتخابات يونيو، وتظل أكبر فصيل في البرلمان الأوروبي. في البرلمان الأوروبي، تنقسم القوى اليمينية الشعبوية إلى مجموعتين سياسيتين متنافستين في الغالب وقد فشلت محاولاتهما للانضمام معًا. أحدهما هو حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين. والآخر هو مجموعة الهوية والديمقراطية (ID). وأوضحت بيجي كورلين، المحللة في مؤسسة روبرت شومان، أن المجلس الأوروبي مؤيد لأوكرانيا، ومؤيد للتوسع، ومؤيد لحلف شمال الأطلسي.

 

 زعماء أوروبا يطلقون التحذيرات من صعود أحزاب اليمين الشعبوي

حذر المستشار الألماني أولاف شولتز من “أزمنة عصيبة” مقبلة إذا استمر صعود الشعبويين اليمينيين في أوروبا، في خطاب حاد في مؤتمر للحزب الاشتراكي الديمقراطي الأوروبي في بوخارست 7 أبريل 2024. واتهم شولتز الشعبويين اليمينيين بمعارضة “أوروبا الموحدة وقيمها” في حملاتهم الانتخابية، قائلاً: “إنهم على استعداد لتدمير ما بنيناه على مدى عقود”. كما حذر من أن الشعبويين اليمينيين “أثاروا الاستياء ضد اللاجئين والأقليات”، مما يُهدد التماسك الاجتماعي في أوروبا. أعرب شولتز عن قلقه من أن صعود الشعبويين اليمينيين قد يُهدد “السوق المشتركة” والاتحاد الأوروبي ككل. كذلك أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قلقه من “خطر” صعود التنظيم الشعبوي على وحدة أوروبا. وحذرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من أن “الديمقراطية الليبرالية في أوروبا تواجه تحديات لم نشهدها منذ عقود”.

اختار الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأوروبي نيكولا شميت، مفوض العمل الحالي بالاتحاد الأوروبي، كأفضل مرشح له في الانتخابات الأوروبية المقبلة، وذلك في خطوة لمواجهة الشعبويين اليمينيين. حظي شميت بدعم كبير من المندوبين في مؤتمر الحزب، مع آمال الحزب بتوليه رئاسة المفوضية الأوروبية. يرى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأوروبي في شميت بديلاً أفضل لرئيسة المفوضية الحالية أورسولا فون دير لاين. أكد شولتز على الحاجة إلى “أوروبا اجتماعية” في أوقات الأزمات، مشيرًا إلى أن شميت “يمثل” هذه الرؤية. دعا شولتز الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأوروبي إلى التوحد لمواجهة التحديات التي تواجهها أوروبا، بما في ذلك صعود الشعبويين اليمينيين.

تظاهرات في دول أوروبا ضد اليمين المتطرف

يشهد العديد من الدول الأوروبية موجة من الاحتجاجات ضد صعود اليمين الشعبوي، مع خروج مئات الآلاف إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لخطاب الكراهية والسياسات الانقسامية. خرج مئات الآلاف إلى الشوارع في ألمانيا منذ الكشف عن اجتماع لليمينيين المتطرفين في بوتسدام في نوفمبر 2023. يُؤكد الباحثون أن الاحتجاجات حشدت أكبر تعبئة احتجاجية منذ تأسيس الجمهورية الفيدرالية، ولفتت الانتباه إلى مخاطر التطرف اليميني. أثارت الاحتجاجات ردود فعل متباينة من حزب البديل من أجل ألمانيا، حيث زادت عضويته بينما انخفضت نتائجها في استطلاعات الرأي. حظيت الاحتجاجات بدعم من المستشار أولاف شولتز والرئيس فرانك فالتر شتاينماير، اللذان أشادا بدورها في إبعاد اللامبالاة وتعزيز الديمقراطية.

نظم نشطاء مناهضون للعنصرية مظاهرات ضد حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف في باريس وغيرها من المدن الفرنسية، وذلك ردًا على خطاب زعيم الحزب المعادي للمهاجرين والمسلمين عام 2023. خرج الآلاف إلى شوارع لندن للتظاهر ضد خطط الحكومة لترحيل طالبي اللجوء، والتي اعتبرها البعض قاسية ولاإنسانية. وفي إيطاليا نظمت مجموعات مناهضة للفاشية احتجاجات ضد حزب “الرابطة” اليميني المتطرف في روما وميلانو، وذلك بعد تصريحات عنصرية من قبل زعيم الحزب. كما استمرت الاحتجاجات ضد حكومة فيكتور أوربان اليمينية المحافظة في المجر لعدة أشهر، مدفوعة بالقلق من تراجع الديمقراطية وازدياد الفساد. ساهمت الاحتجاجات في زيادة الوعي بمخاطر صعود اليمين الشعبوي وأثرت على النقاش العام حول الهجرة والهوية الوطنية. مارست الاحتجاجات ضغطًا على الحكومات لاتخاذ إجراءات ضد خطاب الكراهية والتطرف، وتعزيز القيم الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان. ألهمت الاحتجاجات العديد من الأشخاص للمشاركة في النشاط المدني والدفاع عن قناعاتهم. ساعدت الاحتجاجات على توحيد القوى المناهضة لليمين الشعبوي وبناء تحالفات جديدة بين مجموعات مناهضة للعنصرية والتمييز.

تداعيات ومخاطر صعود أحزاب اليمين الشعبوي على أجندة الاتحاد الأوروبي

شهد الاتحاد الأوروبي صعودًا ملحوظًا لأحزاب اليمين الشعبوي، مما يُثير مخاوف بشأن مستقبل التكتل وتأثيره على مختلف المجالات. يُمكن أن يُشكل صعود اليمين الشعبوي تهديدًا لمستقبل الاتحاد الأوروبي. تُعارض أحزاب اليمين الشعبوي مبدأ التكامل الأوروبي، وتدعو إلى إعادة صلاحيات الدول الأعضاء على حساب المؤسسات الأوروبية.  تُؤكّد أحزاب اليمين الشعبوي على أهمية السيادة الوطنية، وتدعو إلى الحدّ من التعاون الدولي، ممّا قد يُؤدّي إلى انعزال الدول الأوروبية عن بعضها البعض. تُروّج أحزاب اليمين الشعبوي لخطاب معادٍ للأجانب والمهاجرين، ممّا قد يُؤدّي إلى تصاعد في حدة التوترات الاجتماعية والعنف. قد تُؤدّي سياسات أحزاب اليمين الشعبوي إلى زعزعة الاستقرار السياسي في بعض الدول الأوروبية، ممّا قد يُهدّد بدوره استقرار الاتحاد الأوروبي ككل.

تُروج أحزاب اليمين الشعبوي لخطاب عنصري وكراهية ضد الأقليات. تسعى هذه الأحزاب إلى تقييد حرية التعبير والتجمع السلمي. تُهدد هذه الأحزاب استقلال القضاء وحرية الإعلام. تسعى هذه الأحزاب إلى تقويض دور المؤسسات الأوروبية وتعزيز سيادة الدول الأعضاء. تُروج أحزاب اليمين الشعبوي للقومية الضيقة وتُعارض التكامل الأوروبي. تسعى هذه الأحزاب إلى تقليص دور الاتحاد الأوروبي على المسرح العالمي، وتُعارض أحزاب اليمين الشعبوي سياسة الهجرة الأوروبية وتُطالب بفرض قيود صارمة على دخول المهاجرين. تُعارض أحزاب اليمين الشعبوي سياسة اللجوء الأوروبية وتُطالب بإعادة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية.

تُروج أحزاب اليمين الشعبوي للحمائية التجارية وتُعارض حرية التجارة، وتسعى هذه الأحزاب إلى فرض قيود على الاستثمار الأجنبي. تُعارض أحزاب اليمين الشعبوي سياسة المناخ الأوروبية وتُطالب بإلغاء أو تخفيف تدابير مكافحة تغير المناخ. تُروج أحزاب اليمين الشعبوي لسياسات خارجية عدوانية وتُطالب بزيادة الإنفاق العسكري، وتسعى هذه الأحزاب إلى تقليص التعاون الأمني الأوروبي. كما تُعارض أحزاب اليمين الشعبوي سياسة حقوق الإنسان الأوروبية وتُطالب بتخفيف معايير حقوق الإنسان

يقول جوشوا آر كروكر هو باحث مستقل، ومؤسس شركة التحليلات المتخصصة Reaktion Group، ومحلل في مشروع التحليل السياسي R. Political إن السياسات الشعبوية تمتد من الحركات المحلية الصغيرة إلى تصرفات رؤساء الدول الحاليين والمحتملين في المستقبل. وفي حلقة من ردود الفعل السلبية، أثرت أفعالهم على الطريقة التي استجابت بها أوروبا للتهديد الروسي، مثل إعاقة المساعدات لأوكرانيا وتأخير العقوبات ضد روسيا. ويمثل كل هذا اتجاهاً طويل الأمد يهدد مستقبل التضامن الأوروبي.

تقييم وقراءة مستقبلية

يُعدّ صعود اليمين الشعبوي في أوروبا ظاهرة مقلقة تتطلب من القوى الديمقراطية توحيد الجهود لمواجهة خطاباته المتطرفة، وتعزيز القيم الأوروبية التي تُؤسّس لِاتحاد قوي وموحد.

تساهم أحزاب اليمين الشعبوي في ازدياد الاستقطاب الاجتماعي وتُشعل فتيل التوترات بين مختلف فئات المجتمع، كما تساهم خطابات الكراهية التي تُروج لها أحزاب اليمين الشعبوي في ارتفاع معدلات العنف والجرائم الكراهية، وعموما يُهدد صعود أحزاب اليمين الشعبوي ثقة المواطنين في الاتحاد الأوروبي ويُضعف شرعيته، كذلك ساهم صعود اليمين الشعبوي في زيادة الاستقطاب السياسي داخل الاتحاد الأوروبي.

يواجه اليمين الشعبوي تحديات في المستقبل، بما في ذلك الانقسامات الداخلية واحتمال تراجع شعبيته، تتغير تحالفات وخلافات الأحزاب اليمينة الشعبوية بمرور الوقت.

تُظهر موجة الاحتجاجات ضد اليمين الشعبوي في أوروبا تصميم الناس على مقاومة التطرف والدفاع عن القيم الديمقراطية، يلعب المجتمع المدني دورًا هامًا في استمرار الحراك ضد اليمين الشعبوي وتعزيز القيم الديمقراطية، وقد تختلف أشكال وحجم ونطاق الاحتجاجات ضد اليمين الشعبوي من دولة إلى أخرى.

نجح اليمين الشعبوي في تحقيق مكاسب انتخابية كبيرة في العديد من الدول الأوروبية، مما أدى إلى زيادة تمثيله في البرلمان الأوروبي والبرلمانات الوطنية. وقد أجبر صعودُ اليمين الشعبوي الأحزابَ والسياساتِ الأخرى على التكيف مع مواقفه، مما أدى إلى اتّخاذِ سياساتٍ أكثر صرامةً بشأن الهجرة وقضايا الثقافة الوطنية. إذا تمكّنت الحكوماتُ من معالجةِ القضاياِ الأساسيةِ التي تدعم صعودَ اليمين الشعبوي، مثل البطالةَ وعدم المساواةِ والشعورِ بعدم الأمن، فقد يؤدي ذلك إلى تراجعِ شعبيته.

من المتوقع أن تشهد انتخابات البرلمان الأوروبي القادمة صعود نسبي إلى اليمين الشعبوي، لكن في أي حال من الأحوال لا يمكن ان يمثل الأغلبية في هذه الانتخابات، لكن ممكن ان يشهد اليمين الشعبوي تصاعد أكثر داخل الحكومات الوطنية والبرلمان الأوروبي بسبب حرب أوكرانيا وحرب غزة ونزاعات دولية أخرى التي اثرت كثيراُ على اقتصاديات دول أوروبا بالتوازي مع زيادة الإنفاق على التسلح والدفاع. ومقابل ذلك سوف تشهد الأحزاب التقليدية الكبيرة في البرلمان الأوروبي وعلى مستوى وطني تراجعاً.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلفتحت شعار (معاً نشجع الإبداع ونحمي حقوق المؤلف)
Next post أعمال 8 مايو 2024 في لوكسمبورغ