لماذا نكتب
قصي البسطامي _ ليبيا
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_يقسم جورج أورويل دوافع الكتابة إلى أربعة تقسيمات رئيسية وهي موجودة بدرجات مختلفة لدى كل كاتب – ملاحظة لا نكذب على بعضنا ونتعالى ونقول أنها ليست فينا، اذ تختلف النسب المتفاوتة بين كل واحد منا وفقا للوضع الإجتماعي أو الموقف السياسي أو الدافع التاريخي الذي لا ينفصل عنا مهما حاولنا انكار ذلك، والدوافع هي:
1. الأنانية الهائلة: ويقصد بها الرغبة الشعورية في أن تبدو ذكيا وأن يتم الحديث عنك وأن يتم ذكرك بعد الموت، انه لأمر سهل عل كل منا أن يدعي أنه ليس دافعا، لكن يعتبر تمركزا أساسيا كقاعدة تشكل دافعا قويا
2. الحماس الجمالي: ويقصد به إدراك الجمال في العالم الخارجي، أو من ناحية أخرى، بالكلمات وترتيبها الصحيح، إذ يجد متعة في تأثير صوت واحد آخر داخله، أي في تماسك النثر الجيد أو إيقاع قصة جيدة، والكل يفعل ذلك حين ينوي كتابة نص يكرر المراجعة عدة مرات إلى أن يتم وضع صياغة جيدة تليق به وتشعره بالرضى.
3. الدافع التاريخي: ويعني به الرغبة في رؤية الأشياء كما هي لإكتشاف الحقائق الصحيحة، وتخزينها كي تستخدمها الأجيال القادمة، وربما لا تستبعد الإنحيازات اللاشعورية عند من يملك الدافع التاريخي، إلى محاولة تأويل الكتابة التاريخية، بما يناسب منظوره الفكري وانحيازاته العاطفية. مع اختلاف النسب.
4. الدافع السياسي: استخدام كلمة ” سياسي ” بأوسع معنى ممكن، وهي تعبر عن الرغبة في دفع العالم في اتجاه معين لتغيير فكرة الشعوب الاخرى، عن نوع المجتمع الذي ينبغي عليهم السعي نحوه، وقد يكون لكل كاتب دافع سياسي، فحتى ان وقف الكاتب موقفا ضد الكتابة السياسية وإدعى الإبتعاد عنها ونادى بمقولة الفن لأجل الفن والكتابة لأجل الكتابة، فهو أيضا يعتبر موقف سياسي.
إن ما عبر عنه أورويل ووضع هذه التقسيمات التي ينطلق منها كل كاتب يمكن تلخيصها بالنسبة لي في عبارة واحدة وهي ” قلق الدازاين ” ويقصد به قلق الوجود، قلق الانسان من وجوده، بمعناه الثنائي عند كل من كريكغارد أب الفلسفة الوجودية والذي يرى في القلق الوجودي، تعبيرا ضمنيا عن الخطيئة الأولى، والآخر عند هايدجر والذي يعبر عن القلق من المحيط بمفهومه اللاهوتي العلماني اذ يعبر عن طريقة علائقية منغمسة مؤقته في الوجود. هذا التعبير الهايدجري دفعني إلى وضع هذه العبارة كبديل عن التقسيمات الرباعية التي تحلل دوافع الكتابة عند الكاتب، فالكاتب مهما كانت كتابته فإن شعوره بالقلق من وجوده ومن العالم والمحيط سواء أكانت الكتابة بشكلها الأناني أم غير ذلك هي ليست الا تعبيرا عن قلق الكاتب، فالدافع التاريخي ونقل الكتاب كتاباتهم وأعمالهم إلى الأجيال القادمة يعبر عن قلق الإنسان من الفناء وتسليم الأجيال القادمة لتصحيح الأخطاء التاريخية وبناء أشياء أخرى تتجاوز هذه الأبعاد والإنهيارات، اذ المهم هو البقاء وهذا تعبيرا عن قلق الوجود، ودافع إنجاب اجيال جديدة هو القلق بعينه، كذلك الدافع الأناني فهو إحساس الإنسان الكاتب بالنقص ولأجل ذلك يسعى جاهدا لنيل حق الإعتراف من الأخرين، إذا أن دافع إثبات الوجود ناتج عن قلق الوجود عينه، والحماس الجمالي رغم ضعفه عند الكثير من الكتاب إلا أنه يحمل رسالة ضمنية إلى اعطاء جودة اثبات الكتابة ذاتها، ونيل إعتراف المعجبين بجمال حروفه وأوزانه وايقاع موسيقاه الكتابية، وهذا الحماس ليس إلا أفيون مؤقت للتخفيف من وطأة قلق الوجود عليه، إذن هو يصب في بئر قلق الوجود، وبالتالي فإني أرى هذا الاصطلاح هو النموذج الأمثل لإحساس الكاتب بذاته وتحديد ذاتيته أمام الموضوعات متحديا غطرسة الذوات المتمردة الأخرى على الموضوعات أيضا. ليس صراع طبقيا كما يقول المارسكية ولا هو جندري كما تعبر عنه النسوية، بل تدافع ” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ” التدافع وليس الصراع، المصطلحات خطيرة جدا ويجب التركيز عليها قبل حشوها في ثقافة مغايرة عن الأخرى.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_