أوروبا تناقش خطط أوكرانيا لضرب جسر القرم
د. إكرام زيادة
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_تشهد الحرب الروسية الأوكرانية تحولات متسارعة وخطيرة على الأمن الدولي في ظل التسريبات والتقارير التي تتحدث عن تأييد غربي أوروبي وبشكل علني لنوايا أوكرانيا في ضرب جسر ” كيرتش” في جزيرة القرم، والذي يكتسب أهمية خاصة لدى روسيا. بينما تتناول تقارير أن الاستهداف سيكون بأسلحة غربية أمريكية بريطانية تسلمتها أوكرانيا حديثاً وبدعم استخباراتي ألماني وأوروبي.
أوكرانيا تخطط لتدمير جسر القرم الحيوي بدعم غربي معلن
أعلن مسؤولون أوكرانيون كبار أن تدمير جسر القرم، المعروف أيضاً باسم جسر “كيرتش”، يمثل أولوية طوال صراع بلادهم مع موسكو، زاعمين أنه هدف عسكري مشروع. وقال الرئيس فلاديمير زيلينسكي لوسائل زيلينسكي، في مقابلة مع صحيفة “بيلد” الألمانية في 10 ابريل 2024، أن كييف تعد خطة لهجوم مضاد جديد، تتضمن تدمير جسر القرم.
ويشارك عدد من الداعمين الغربيين لكييف موقفها تجاه الضربات على البنية التحتية الروسية في السادس من مايو 2024 قال المتحدث باسم الخدمة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي بيتر ستانو، إن الاتحاد الأوروبي يدرس احتمال شن القوات الأوكرانية لهجوم على جسر القرم في سياق “حق أوكرانيا في الدفاع عن النفس”. وردا على سؤال حول موقف الاتحاد الأوروبي من خطط كييف المعلنة لضرب جسر القرم، أضاف الممثل الأوروبي في مؤتمر صحفي في بروكسل: “عادة نحن نمتنع عن التعليق على القضايا العملياتية والميدانية وقضايا الاستراتيجية العسكرية، لكن من الواضح لنا أن أوكرانيا تقاتل من أجل بقائها وأن أوكرانيا لديها حق قانوني ومكفول دوليا في الدفاع عن النفس”.
فيما أصر وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون في الثالث من مايو 2024 بأن أوكرانيا لديها الحق في استخدام الأسلحة البريطانية داخل الأراضي الروسية من منطلق “حق الدفاع عن النفس”. وتضع تعليقاته بريطانيا على موقف أكثر تشددا تجاه روسيا -على الأقل علنا- من الولايات المتحدة، التي تنص على أن أي أسلحة تزود بها أوكرانيا يجب أن تستخدم فقط داخل حدود أوكرانيا المعترف بها دوليا وليس ضد أهداف داخل روسيا نفسها.
يأتي ذلك بعد أن ألمح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو” ينس ستولتنبرج في 22 فبراير 2024 وللمرة الأولى منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية قبل نحو عامين، إن لدى أوكرانيا الحق في ضرب “أهداف عسكرية روسية خارج أوكرانيا” في إشارة إلى استهداف جزيرة القرم، الأمر الذي كان نقطة خلاف طويلة بين حلفاء كييف، بسبب مخاوف من تصعيد الصراع بحسب ما نقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، والتي وصفت التصريح بأنه “تصعيد في لهجة ستولتنبرج”.
لماذا “جسر القرم”
يلعب جسر القرم الذي تم تشييده بعد ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 ، دورًا مهمًا في إمداد موسكو لقواتها في شبه جزيرة القرم. ويستخدم الروس الجسر البالغ طوله (19) كيلومتر لنقل الدبابات وغيرها من المعدات العسكرية مباشرة إلى منطقة القتال في الجنوب. وبالنسبة لسكان القرم الروس، يعد هذا الجسر شريان الحياة إذ يربطهم بوطنهم الأم. ونظراً لأهميته الكبيرة بالنسبة لموسكو، أنشأت روسيا عام 2019 درعًا أمنيًا فوقه يصعب اختراقه. كما نشرت منظومة نظام دفاع جوي قوية لحمايته.، بُني الجسر بدعامات هي عبارة عن هياكل خرسانية وفولاذية ضخمة، لا يمكن إسقاطها إلا بضربة مباشرة من رأس صاروخي حربي ضخم.
وقد تعرض الجسر للضرب والإصلاح مرتين من قبل. وقع الانفجار الأول في 8 أكتوبر 2022. في ذلك الوقت، تم استخدام عبوات ناسفة تحتوي على خليط الهكسان (حوالي 21 طنًا من مادة تي إن تي المكافئة). ونتيجة للهجوم، انهار قسمان من أجزاء السيارة، كما لحقت أضرار بمسار السكة الحديد. فيما كان الاستهداف الثاني في 17 يوليو 2023 بمساعدة طائرات SeaBaby البحرية بدون طيار. ضمن عملية مشتركة بين جهاز أمن الدولة والقوات البحرية للقوات المسلحة الأوكرانية.
بحسب الخبير العسكري روبنسون فاريناتسو ، وهو ضابط سابق في البحرية البرازيلية فإن الغرب وكبار ضباط حلف شمال الأطلسي أدركوا بالفعل حقيقة أن أوكرانيا لا تستطيع الفوز. إن الضربة المحتملة على جسر القرم ستكون ملموسة من وجهة نظر نفسية ورمزية، لكنها لن تؤثر على مسار العملية العسكرية الخاصة، لأن يمكن لروسيا بدلاً من ذلك استخدام السكك الحديدية أو النقل البحري.
تسجيل مسرب يفضح تورط ألمانيا في خطط استهداف جسر القرم
نشر الإعلام الروسي الرسمي في الأول من مارس 2024 تسجيلاً صوتياً لاجتماع كبار المسؤولين العسكريين الألمان يناقشون إمداد أوكرانيا بالأسلحة والهجوم المحتمل الذي يمكن أن تشنه كييف لاستهداف جسر في شبه جزيرة القرم – شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني في عام 2014. وبحسب مصدر التسريب. ناقش المسؤولون كفاءة صاروخ كروز الفرنسي البريطاني المسمى ستورم شادو البريطاني وسكالب الفرنسي، بعد أن تبرعت كلتا الدولتين ببعض مخزونهما لأوكرانيا. كما ناقشوا ما إذا كان نظام الأسلحة مناسبًا لضرب الجسر، والذي يربط شرق شبه جزيرة القرم بمنطقة كراسنودار عبر مضيق كيرتش.
خطط كييف لتدمير جسر القرم
أكد قائد البحرية الأوكرانية، نائب الأدميرال أوليكسي نييزبابا،في فبراير 2024، إنه مقتنع بأن جسر القرم سيتم تدميره بحلول نهاية العام 2024. فيما كشفت تقارير صحفية في 14 ابريل 2024 أن المسؤولين الأوكرانيين يتوعدون بتدمير “جسر القرم بحلول منتصف شهر يوليو 2024.. وقال عدد من الخبراء إن القوات الأوكرانية قد تستخدم ما يقرب من (20 – 40) صاروخا من طراز (Storm Shadow) لضرب طريق الجسر، وكذلك قد تستخدم قوارب مسيرة لتفجير الدعامات التي تثبت الجسر تحت الماء.
ويعتقد برايان كلارك كبير الباحثين في معهد هدسون ومدير مركز المفاهيم والتكنولوجيا الدفاعية، أن من المحتمل أن تقدم أوكرانيا على تدمير الجسر، لكنها تحتاج إلى الأسلحة المناسبة لتحقيق ذلك، مشيرا إلى أنه يمكن إسقاط الجسر بهجوم جوي وبحري مشترك.وَافاد أنه يتوقع أن يتم استخدام صواريخ ستورم شادو لضرب هيكله، بينما تنفجر الزوارق المسيرة الانتحارية في قاعدة الجسر.
يقول أحد المسؤولين في جهاز المخابرات العسكرية الأوكرانية (HUR) في الرابع من ابريل 2024 أن وكالة التجسس الأوكرانية تخطط لاستهداف جسر كيرتش في النصف الأول من عام 2024″، مضيفاً أن كيريلو بودانوف، رئيس المديرية الرئيسية للاستخبارات، لديه بالفعل “معظم الوسائل اللازمة لتنفيذ هذا الهدف”. وكان يتبع خطة وافق عليها الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، “لتقليل” الوجود البحري الروسي في البحر الأسود.
وفقا للخبراء، فإن حصول أوكرانيا على صواريخ (ATACMS) يمكن أن يكون له تأثير كبير على مسار الحرب مع روسيا. إن زيادة نطاق الضربة إلى 300 كيلومتر ستسمح بضرب مستودعات الذخيرة ونقاط المراقبة والمطارات وغيرها من المرافق المهمة لروسيا على أراضي أوكرانيا الخاضعة لسيطرته، ولا يستبعد الخبراء إمكانية استخدام نظام ATACMS لمهاجمة جسر القرم.
وقد أكد مسؤولون أمريكيون في 24 ابريل 2024 أن أوكرانيا بدأت للمرة الأولى في استخدام الصواريخ الباليستية طويلة المدى (ATACMS) التي قدمتها الولايات المتحدة سراً ، حيث قصفت مطاراً عسكرياً روسياً في شبه جزيرة القرم والقوات الروسية في منطقة أخرى.
ترى روسيا أن هنالك احتمالات حقيقية لارتفاع منسوب التصعيد مع الغرب ، بحيث تعتبر أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة من خلال تصريحاتها، وتمويل الحرب، وتقديم الدعم الاستخباراتي، والتدريب العسكري، والتخطيط للعمليات العسكرية جنبا إلى جنب مع أوكرانيا، تصبح فعلياً منخرطة بشكل مباشر في الحرب ضد روسيا.فيما حملت توجيهات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، 6 مايو 2024، بإطلاق تدريبات عسكرية على استخدام الأسلحة النووية غير الاستراتيجية، تحذيراً يعد الأقوى في مضمونه، على تصاعد لهجة بلدان غربية بشأن احتمال إرسال قوات إلى أوكرانيا، والانخراط بشكل مباشر في الصراع المتفاقم،
تقييم وقراءة مستقبلية
– تتصاعد حدة الحرب والتوترات بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى، لا سيما بعد إعلان الاتحاد الأوروبي أنه يناقش خطط كييف بضرب البنية التحتية الروسية في جزيرة القرم، ما يمثل تصعيداً خطيراً في الموقف الأوروبي بحسب المسؤولين الروس.
– تضع أوكرانيا وأجهزة الاستخبارات الغربية أعينها على جسر “كيرتش” الذي يبلغ طوله 19 كيلو متر والذي يربط شبه جزيرة القرم بروسيا. ويشير كبار المسؤولين الأوكرانيين إلى أنهم يخططون لمحاولة ثالثة على الجسر، بعد محاولتين سابقتين لتفجيره.
– هناك إمكانية لاستخدام نظام صواريخ (ATACMS) الأمريكي والذي حصلت عليه أوكرانيا مؤخرا ضمن حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية لمهاجمة جسر القرم الذي يعد شريانًا لوجستيًا مهمًا لروسيا.
– تسعى الدول الأوروبية للإبقاء على المساعدات العسكري والاقتصادية المقدمة لكييف، وما تزال ترهن عليها رغم فشل الهجوم المضاد، وتأمل دول التحالف الغربي في تحقيق نصر رمزي لأوكرانيا عبر ضرب اجسر القرم، وربما يختلف واقع الحرب عن تلك الطموحات حيث تشير غالبية التقديرات للتفوق الروسي في الحرب.
– من المتوقع أن أي هجوم أوكراني مدعوم بسلاح غربي على جزيرة القرم أو داخل الأراضي الروسية سيؤدي إلى تصعيد كبير للحرب وقد يُشعل حربا عالمية إذا ما نفذت روسيا تهديداتها باستهداف مصالح أي دولة غربية تم استخدامها أسلحتها في الهجوم على القرم، الأمر الذي قد يستدعي تدخل الناتو للدفاع عن تلك الدول وتمدد نطاق الحرب.
– تشير تحليلات الأقمار الصناعية، أن روسيا أوقفت نقل العتاد العسكري عبر قسم السكك الحديدية من جسر القرم، ووجدت طرقاً بديلة لنقل البضائع العسكرية، والتي يبدو أنها تعمل بالفعل. هذه الحقيقة هي السبب في أن الهجوم على جسر القرم ليس له أي جدوى عسكرية الآن.
– في حين تراجعت أهمية الجسر كطريق إمداد للجيش الروسي في الآونة الأخيرة، فإن الأهمية الرمزية للجسر بالنسبة لروسيا لا تزال عالية، ولذلك ستبذل موسكو كل ما في وسعها لتجنب أو صد مثل هذا الهجوم. بل إن هناك الآن اقتراحات بأن روسيا تهدد باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية رداً على الهجوم على الجسر.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI