ملف الهجرة يثير الكثير من الانقسامات

اكرام زيادة

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_تشكل الهجرة  ـ والتحديات السياسية التي تخلقها ـ قضية رئيسية على الأجندة قبل انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو 2024. وبعد الارتفاع المفاجئ في أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا في عام 2015، والهجمات الإرهابية في العام التالي، وقيام الاتحاد الأوروبي بتجميع القواعد الأولية للسيطرة على الهجرة، سادت الخلافات والانقسامات بين دول الاتحاد الأوروبي حول هذا الملف حتى بعد اعتماد ميثاق جديد للهجرة في مايو 2024.

طلبات اللجوء في أعلى مستوى

تشهد أوروبا قفزة غير مسبوقة في الهجرة غير النظامية إلى القارة، وخاصة من أفريقيا والشرق الأوسط. وقد ساعدت الصراعات في سوريا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ونيجيريا، وإثيوبيا، وغيرها من المناطق الساخنة في تغذية الهجرة، إلى جانب الفقر المدقع والجوع بطبيعة الحال. وتهدد الحروب الجديدة نسبياً في السودان وغزة بزيادة تدفق الأشخاص الذين يحاولون البحث عن الأمان في البلدان الأوروبية.

وقد أظهرت بيانات من وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي في 28 فبراير 2024 ، أن طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي قفزت (18%) إلى (1.14) مليون في 2023، وهو أعلى مستوى منذ أزمة المهاجرين 2015-2016.  وفي الوقت نفسه، غرق رقم قياسي بلغ (3041) مهاجرا في البحر الأبيض المتوسط ​​في عام 2023.

وظل السوريون والأفغان أكبر مجموعات المتقدمين بطلبات اللجوء. وفي اتجاه جديد، شكل المواطنون الأتراك ثالث أكبر مجموعة من المتقدمين، حيث قدموا طلبات أكثر بنسبة (82%) مقارنة بالعام السابق. وأضافت أن عدد الفلسطينيين المتقدمين بطلبات اللجوء ارتفع إلى مستوى قياسي بلغ نحو (11600) في أعقاب الحرب بين إسرائيل وحماس، مشيرة إلى أنه من الصعب تسجيل أعدادهم بشكل صحيح نظرا لأن غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لا تعترف بفلسطين كدولة. 

ميثاق جديد للهجرة في الاتحاد الأوروبي

قبل شهر من الانتخابات الأوروبية التي يُتوقع أن تشهد صعودا لأحزاب اليمين المتطرف، أعطى الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر النهائي لإصلاح تاريخي لسياساته المتعلقة بالهجرة واللجوء، وذلك بعد نحو عقد من الجدل حولها. حيث وافق وزراء الاتحاد الأوروبي في 14 مايو 2024 بصورة نهائية على إصلاح شامل لقوانين الهجرة واللجوء. وتتألف خطة الإصلاح من (10) تشريعات، دعمتها أغلبية كبيرة من دول الاتحاد الأوروبي. ومع عبور الحزمة التشريعية الضخمة خط النهاية، تسعى بعض الدول إلى بذل مزيد من الجهود لتشديد سياسات الكتلة الأوروبية وإرسال المزيد من الوافدين إلى دول ثالثة تعالج طلباتهم. وتُشدّد هذه الحزمة الإجراءات عند حدود الاتحاد الأوروبي وتُجبر كل الدول الأعضاء على تقاسم مسؤولية الوافدين إليها.

ومن المتوقع أن تدخل الإجراءات حيز التنفيذ في العام 2026 بعد أن تحدّد المفوضية الأوروبية كيفية تطبيقها. وبموجب التشريعات الجديدة، ستحتجز مراكز حدودية مستحدثة المهاجرين غير النظاميين أثناء درس طلبات لجوئهم، على أن تُسرّع كذلك عمليات ترحيل المرفوضين من دخول الاتحاد الأوروبي. وفي حين تم إقرار هذه الاتفاقية بأغلبية مؤهلة (55%)  من الدول الأعضاء، شهدت التشريعات اعتراضات من بعض الدول. حيث صوّتت المجر وبولندا ضد التشريعات كلها، فيما صوّتت النمسا وسلوفاكيا ضدّ بعض هذه القوانين. 

خلافات أوروبية حول ميثاق الهجرة واللجوء الجديد

ينظر إلى ميثاق الهجرة، الذي وافق عليه سفراء الاتحاد الأوروبي، من قبل المنظمات غير الحكومية واليسار السياسي على أنه استرضاء لليمين المتطرف لأنه يقترح احتجاز القُصَّر غير المصحوبين بذويهم الذين يعتبرون خطراً أمنياً، وسوف يؤدي، في بعض الحالات، إلى حبس المهاجرين. في مراكز الاحتجاز لمدة تصل إلى ستة أشهر. في حين يرى اليمين المتطرف، بما في ذلك حزب التجمع الوطني الفرنسي، أن الاتفاق والإصلاحات لم تذهب بعيدا بما فيه الكفاية للحد من الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي، وهو الهدف الأساسي لحزمة الإصلاحات الشاملة.

فيما أعلن رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك على الفور إنه لن ينفذ الجزء الذي يطلب من الدول الأعضاء نقل اللاجئين من دول أخرى في الاتحاد الأوروبي من أجل توزيع أكثر عدلاً. كما انتقدها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الاتفاق قائلاً إن “ميثاق الهجرة مسمار آخر في نعش الاتحاد الأوروبي، ماتت الوحدة ولم تعد هناك حدود آمنة. المجر لن تستسلم أبدا لجنون الهجرة الجماعية! “.

وبينما لم يمضي يومان على اعتماد قواعد اللجوء الجديدة ، عبرت الحكومة الهولندية المقبلة بقيادة حزب “من أجل الحرية” اليميني المتطرف الذي يتزعمه خيرت فيلدرز عن سعيها إلى الانسحاب من قواعد الهجرة في الاتحاد الأوروبي، حيث تقول إنها تواجه أزمة لجوء.  وقال الائتلاف المكون من أربعة أحزاب  في خطته الحكومية التي نشرت في 16 مايو 2024،  إنه سيهدف إلى “نظام اللجوء الأكثر صرامة على الإطلاق” مع ضوابط أقوى على الحدود وقواعد أكثر صرامة لطالبي اللجوء الذين يصلون إلى هولندا. ويقول التحالف في ميثاقه: “سيتم تقديم بند إلغاء الاشتراك في سياسات اللجوء والهجرة الأوروبية في أقرب وقت ممكن إلى المفوضية الأوروبية”.ومن غير الواضح ما إذا كان سيتم قبول مثل هذا الطلب.

15 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تدفع صوب قواعد أكثر صرامة

اتساقاً مع بلخلافات الحادة حول قضية الهجرة، اتخذت خمسة عشر دولة أوروبية مبادرة جديدة بقيادة الدنمارك والتشيك. وتدعو هذه الدول إلى اعتماد “حلول جديدة” من أجل ترحيل المهاجرين إلى دول ثالثة.

ترغب الدول الموقعة، والتي تشمل دولًا مثل إيطاليا واليونان، في الذهاب إلى ما هو أبعد من قانون الهجرة الجديد الذي تم اعتماده مؤخرًا من قبل البرلمان الأوروبي من خلال التنسيق مع دول شمال أفريقيا ولبنان كي تشارك في إبعاد المهاجرين ومنع وصولهم إلى البر الأوروبي. كما تقترح هذه الدول الخمسة عشر أيضًا ترحيل طالبي اللجوء إلى دول ثالثة أثناء دراسة طلباتهم.

ينص القانون الأوروبي على أنه يمكن إرسال مهاجر يصل إلى الاتحاد الأوروبي، إلى بلد خارج التكتّل حيث بإمكانه طلب اللجوء، بشرط أن يكون لديه رابط كافٍ مع هذا البلد الثالث، ما يستثني في هذه المرحلة النموذج الذي تتبعه المملكة المتحدة عبر إرسال المهاجرين غير النظاميين إلى رواندا. وكتبت هذه الدول في رسالتها “يجب إعادة تقييم تطبيق مفهوم الدولة الثالثة الآمنة في قانون اللجوء الأوروبي”.

ووقّعت الرسالة كل من بلغاريا والجمهورية التشيكية والدنمارك وفنلندا وإستونيا واليونان وإيطاليا وقبرص وليتوانيا ولاتفيا ومالطا وهولندا والنمسا وبولندا ورومانيا.

توقعات بتشديد الإجراءات ضد الهجرة مع تصاعد أحزاب اليمين المتطرف

تظهر استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات الأوروبية المقبلة في يونيو 2024 صعود أحزاب الهجرة اليمينية المتشددة. ومن المتوقع أن يحتل تجمع الهوية والديمقراطية اليميني المتطرف، والذي يضم حزب البديل من أجل ألمانيا المتطرف المناهض للمهاجرين، المركز الثالث، وفقًا لأحدث استطلاعات الرأي التي أجريت في 24 مايو 2024. ومؤخراً، التقى بعض أعضاء الحزب مع النازيين الجدد للحديث عن “خطة رئيسية” للترحيل الجماعي لطالبي اللجوء والمواطنين الألمان من أصل أجنبي.

وبالتوازي مع الاتجاهات المتشددة من الأحزاب الأوروبية اليمينية  تجاه ملف الهجرة واللجوء، ينظر الأوروبيون إلى الهجرة بقدر متزايد من الشك. يعتقد سبعة من كل عشرة أوروبيين أن بلادهم تستقبل عددًا كبيرًا جدًا من المهاجرين، وفقًا لمسح أجرته القناة الفرنسية الألمانية ARTE GEIE في 7 مايو 2024. ويظهر الاستطلاع أن (85%) من المشاركين يشعرون أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لمكافحة الهجرة غير الشرعية . ويعتقد (39%) فقط أن أوروبا تحتاج إلى الهجرة اليوم. 

تقييم وقراءة مستقبلية
– يبقى ملف الهجرة الملف الشائك، ويثير الكثير من الإنقسامات والخلافات ما يهدد تماسك الاتحاد الأوروبي لا سيما عندما نتحدث عن توزيع اللاجئين داخل التكتل وفق اتفاقية دبلن أو مبدأ التضامن، لكن هناك إجماع أوروبي تقريباً حول تشديد الإجراءات، رغم الاختلاف في الآلية وهذا يعني تحول جديد في سياسات الاتحاد.

– ربما يكون الميثاق الجديد للهجرة في الاتحاد الأوروبي قد وضع حدا لسنوات من المفاوضات المشحونة والمرهقة بين دول الاتحاد، ولكن وجود سياسة مشتركة للهجرة لا يكفي، بل يجب تطبيقه أيضا بطريقة تحترم القيم الأوروبية. سيكون هذا هو المقياس الحقيقي لنجاح الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الهجرة.

– أظهر الاتحاد الأوروبي، من خلال استجابته للنزوح الجماعي الناجم عن الحرب في أوكرانيا، أنه قادر على الترحيب باللاجئين بطريقة منسقة وعادلة وإنشاء وتنفيذ سياسة هجرة إنسانية عندما تكون لديها الإرادة للقيام بذلك.

– إن تزايد عدم الاستقرار في أفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل، وفي الشرق الأوسط (فلسطين وزعزعة الاستقرار الإقليمي التي أطلقتها الحرب) وفي أوروبا الشرقية (أوكرانيا) يبشر بزيادة في معدلات الهجرة نحو الاتحاد الأوروبي، ونتيجة لذلك، فإن تزايدا موازيا في التحركات نحو الاتحاد الأوروبي تصاعد التوترات السياسية داخل الدول الأعضاء وفيما بينها بسبب إدارة اللجوء.

– من المُرجح أن يستمر ملف التعاطي مع قضايا الهجرة غير الشرعية واللجوء الإنساني مصدر قلق للعديد من الدول الأوروبية خلال عام 2024؛ إذ تعتبره هذه الحكومات أحد أهم أسباب صعود التيار اليميني الذي يعتمد على خطابات شعبويَّة لتغذية الانقسام وتعزيز خطاب الكراهية ضد المهاجرين. بالتاالي؛ من غير المتوقع الوصول لاتفاق لجوء أفضل من وجهة النظر الإنسانية في الاتحاد الأوروبي على المستوى القريب. بل على العكس من ذلك، من المتوقع حدوث موجة يمينية في الانتخابات الأوروبية لعام 2024.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post  ربما أنا 
Next post الاتحاد الأوروبي ومساعي لتعزيز سياساته القومية