اللمة

اسماء القرقني.((ليبيا))

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_تتربع  الأم وأمامها أكوام  البصل و النعناع والكسبر والحبق ، تنقيها من الشوائب و العشب الملتف بها ،تنسقها وتجهزها لعمل العصبان••، تقشر الحمص وتقطع القرع لإعداد الطبيخ
تنادي ابنتها:

– قولي لخوك يجيب الراجل اللي يذبح بسرعة. وكلمي صبايا خوتك ، النهار راح.

تلوح علامات الإستياء على ملامح ابنتها ، تغمغم :

– الجو بلاهن هادي وروعة ، اكيد وحدة منهن مازالت اتمكيج ولخرى تسن••في لسانها.

منتصف الظهيرة كان البيت كخلية نحل ، البنات يزاولن عملية نظافة داخلية شاملة  ،يرفعن السجاد ،ينظفن الأرضيات  ، يلمعن النوافذ والطاولات ،يطلقن البخور وملطف الجو في كل الأركان والزوايا، زوجتا كل من الأبناء في المنور تغسلان بطون الخرفان ، تضعا الأوساخ وبواقي الذبح في أكياس كبيرة استعداداً لرميها في مكب القمامة الذي تكدس وأصبح  كالجبال من بقايا  جلود ورؤوس وفضلات الأضاحي .
يقطع استرسالهما في العمل صوت الأب يقول بنفاد صبر:

– وين الشواية.  معقولة لعند توا مازلتوا ما شويتوا؟


تمتص الأم  امتعاضه في هدوء ، تعاتبه دون أن ترفع صوتها:

– حاضر حاضر، اصبر اشوي الصبايا مش مقصرات.


تأمر ابنها الأعزب بإستلام مسؤولية الشواء  فالكل لديه مايشغله عدا هو .

– أوف ،والله ماعرفنا عليش نبدّوا••.


تهتف زوجة الابن الأكبر  معترضة، تغسل يديها  وتطهرهما من بقايا فضلات البطون ، تقوم بسرعة البرق بإضرام النار في  الفحم وتجهيز اللحم للشواء ارضاءً لعمها ،تسترق  وسلفتها السمع ، الشاب الأعزب يقول لوالدته حانقاً:

– عليش حاطة هاللبز••كله على وجهها ؟! معقولة هكي قدام بوي.

– اسكت  الله يربحك، بوك منعمي معش يشوف راهو.

– ياريتني تبعت اصحابي ومشيت زردت•• معاهم.


تعبس زوجة الابن الأصغر ، تقلب شفتيها غضباً ، تتفوه متوعدة :

– ساهل ،خليه يحكي توا ، ماله ومالي نمكيج ولا نطير حتى؟

– تبي الحق ؟، ماتزعليش مني حتى انتِ مبالغة ، راهو  عيد مش عرس.


تصارحها  سلفتها برأيها وعلامات التشفي جلية على محياها ، متجاهلة
نظراتها الحارقة وتمتمتها المحتدمة غيظاً وهي مستمرة في الغسل والتنظيف
لاينهي التوتر القائم بين الإثنتين إلا دخول أحد الأطفال صارخاً  تتبعه عمته :

– ماما هذي أي مكان نلعبوا فيه تطردنا.

– اقعدوا برا مع امهاتكم ، ماتخشوش الا لما  ايكملن  الحوسة بيش الوسخ مايخشش جوا.


تتأفف زوجة الابن الأكبر وهي تسمع  أوامر عمة ابنائها، عبثاً تحاول كتم غضبها وردع لسانها  وهي تقدم الشواء لعمها :

– ظلم ، هذوم•• عيال صغار يبوا يلعبوا براحتهم ، المفروض يتحملن ، هو يوم  واحد في السنة…

ترتفع صوت قرقرة بطونهم ، تتراخى أطرافهم ، تشل حركتهم التخمة ،  يستلقي كلُ منهم  ويسلم أجفانه لنوم عميق بعد  وجبة غداء عامرة  يتصدرها اللحم وطبيخة القرع والحمص  والزبيب ، يساندها المسيّر والمخللات والمقبلات والمشروبات من مختلف الأنواع.
يقطع سويعة الراحة والهدوء أحد الأخوين  مخاطباً شقيقته:

– وين القهوة  ؟؟هذا وقتها.


تستشيط الابنة، تعبر عن غضبها بعد أن تختلي بأمها في المطبخ:

– ليش ما يطلب من مرته؟! نحن النهار كله  ما تريحنا لحظة.

– اسس ديرن قهوة وانتن ساكتات .

تمسك  الأم فنجانها ، تحتسي قهوتها برشفات  متتابعة  ،يغمرها الإرتياح وهي تشم رائحة العصبان الوشيك النضج  ، تهمس بعد ان تتنهد في عمق :

– الحمدلله ، ربي يدوم لمتنا      


** هوامش
العصبان•• أكلة ليبية شهيرة تقدم في الاعياد والمناسبات.
تسن••: تشحذ
هذوم ••: هؤلاء
نبدّوا••: القيام بأكثر من عمل في وقت واحد
اللبز••: الوحل ، وهنا يقصد به كثرة الأصباغ
زردت••ذهبت في رحلة

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post بلجيكا وخفض عجز الميزانية
Next post (( لبني يونس ))تكتب حول التحول الرقمي في افريقيا فرص و تحديات