لأصبح رجلاً

اسماء القرقني

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_جلست أنتظر دوري لمقابلة البائع في الدكان المنزوي ، يتكرر الشريط في رأسي ، يتسلسل و يتعاقب في ذاكرتي دون توقف.

تقول لأخي
“لا بأس يادكتور “
وتقول لي
“قبحك الله “
في كل مرة يتصرف فيها أحدنا تصرفاً ارعناً وغير مهذب .

وجدتها تحتسي الشاي يوم نجاح اخي بتفوق في الشهادة الثانوية ،تتزين بمصوغاتها الذهبية ، طوق ورثته عن والدتها وقرطين اهداهما لها أبي في إحدى المناسبات الخاصة ، تقول دائماً انها تعني لها الكثير و لاتتزين بها إلا عندما تكون سعيدة ورائقة ، انتهزت الفرصة وعاتبتها، ندمت ، جاهل مثلي لايمكنه ان يقدر حجم معاناة الأمهات بعد رحيل الأباء ،
قالت وعينيها تكسوهما طبقة سميكة من الدموع :

  • اتحسب الأمر هيناً؟ ، أقسو عليك لتصبح رجلاً.

محاضرة طويلة اسمعتني اياها يوم تنسيب أخي لكلية الطب،
” تمنيت ان افرح بك لكنك مصراً على الفشل “

اخطائي كثيرة ، ومحاولاتي لأكون صالحاً لا تتوقف، نجحت في عملي في ورشة الحدادة ، مكسبها ليس وفيراً لكنه يكفيني ويسد حاجتي وبعضاً من حاجاتها ، لم يرضها حالي أو يقنعها ، و لم يبرح قلبي اليقين بأنها على حق ، ، لو أتبعت نصائحها لكنت بحال افضل.

عندما عادت ذات مرة من السفر ، قدمت لي هدايا عديدة ، وقدمت لأخي الأفخم والأجمل ، ربما أنا أبالغ ، لا ادري ، سمعتها تقول له:
-حرصت أن اشتري لك أاشياء مميزة وماركات شهيرة ، ،اعرف وضعك جيداً.

فكرت ملياً في كلامها ، هي على حق ، أخي يدرس في كلية مرموقة وعلينا ألا نجعل مظهره اقل من غيره .

تفاصيل مشاجرتي مع أخي لا تفارقني، ارتديت احدى ستراته الفخمة دون اذنه، هدد وتوعد ووصلنا إلى الضرب ، نهرتني أمي وهي ترتجف:
-لِمَ ارتديت سترته؟ كيف يلبسها وقد اصبحت رائحتك الممزوجة بالحديد والشحوم عالقة بها.
أمي تحاول أن تكون حازمة، تقول كلمة الحق دون أن تهادن أو تجامل ، الأمر ليس هيناً كما تقول ، شعرت بإنني لست بخير ، ألم قاتل يعتصرني !!وكأن سهماً انغرز في صدري

رمقتها صباح اليوم التالي وهي تخرج من غرفتها حزينة ، مشعثة الشعر على غير عادتها ، تردد في جزع :
-ضاعت اقراطي ، بحثت عنها في كل مكان ولم أجدها .
رققت لحالها ، واسيتها ، اعتراني حزن جارف ، تمنيت ان تبتلعني الأرض واصبح نسياً منسياً.

تلك الفتاة أسرتني ، مدحتها أمامها مراراً وتكراراً ، قلت لها على استحياء عندما تصادف أن التقيناها قريباً من بيتنا “آه ،جميلة جداً”، شعرت بإبتسامة أمي تتسع وكأني اوحيت لها بفكرة ما ، ابتسمت أنا ايضاً ، خمّنت انها لاشك فهمت مرادي وما يعتلج في قلبي ، عندما عدت من عملي بعد أيام وجدت أخي يرتدي بدلة فاخرة وكأنه عريس ،ناولتني أمي صحن به قالب من الحلو ، أُصبت بغصة عندما ابلغتني الخبر :

  • ليست خطبة رسمية، مجرد اتفاق مبدئي.
    عقبت في همس:
  • اهل الفتاة من علية القوم ولن يرضوا سوى بشخص يناسب مستواهم يا بني.

آه ، عاودني ألم صدري ، كاد أن يقتلني تلك الليلة.

أفقت من شرودي على صوت البائع وهو يسألني “ماحاجتي ” مددت له طوقها كي يزنه ويعرف ثمنه ، الأمر أصبح هيناً هذه المرة ، لم اشعر بالندم والأسى اللذين شعرت بهما عندما بعته اقراطها.

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post شذرات نحو القمر
Next post كيف قوضت سياسات حزب بهاراتيا جاناتا المعادية للمسلمين نجاحه الانتخابي؟