إسرائيل وإيران والجمهور العربي.. أربعة كتب لتفادي أخطاء الماضي

علي باكير

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_كشف العدوان الإسرائيلي على غزّة مؤخراً والدعم اللامحدود الذي حصلت عليه تل أبيب من الإدارة الأمريكية حجم النفوذ الإسرائيلي داخل الولايات المتّحدة بشكل لم يسبق له مثيل على الإطلاق لدرجة أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي ألقى خطابا في الكونغرس هاجم فيه الأمريكيين الذين يعترضون على جرائم نظامه في غزّة، وهذه سابقة لم يفعلها أي مسؤول أجنبي في مؤسسة أمريكية ـ الكونغرس ـ من المفترض أنّها تمثّل الشعب الأمريكي والناخبين الذي انتخبوا أعضاءها.

ولم تقتصر الصدمة الناجمة عن إدراك حجم النفوذ الإسرائيلي داخل الولايات المتّحدة، ومدى قوّة وتأثير اللوبي الإسرائيلي على المسؤولين الأمريكيين، على شرائح واسعة من الشعب الأمريكي، بل إنّ العالم كلّه سمع ورأى وعاين هذا النفوذ بشكل غير مسبوق في وقت يقوم فيه الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب مجازر إبادة جماعية في فلسطين على نطاق واسع بشكل علني وتحت مرآى ومسمع العالم.

لكن هذا النفوذ لم يكن سرّاً، وكان كل من البروفيسرو جون ميرشامير وستيفان والت قد ألّفا عنه كتاباً في العام 2007-2008 تحت عنوان “اللوبي الإسرائيلي وسياسة أمريكا الخارجية”. يعتبر هذا الكتاب الأشهر على الإطلاق لناحية التداول والتأثير في ما يتعلق بفئة الكتب التي تتحدّث عن نفوذ اللوبي الصهيوني في واشنطن. مؤلّفاه من أشهر أساتذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في واشنطن.

اعتمد المؤلّفان على المنهج العلمي في تأليفه، وقد حافظا خلاله على تقديرات معتدلة بعيداً عن المبالغة إمّا خوفاً من اللوبي نفسه، وإما تسهيلاً لقبوله من العامة، أو لتقويض إمكانية حجبه أو حتى دحضه من قبل الخصوم. قراءة هذا الكتاب تعتبر من الضروريات لمن يريد أن يفهم عمق ومدى تأثير اللوبي، وتفسير مواقف الإدارة الامريكية التي تتناقض ليس مع مصالح أمريكا فقط بل حتى مع مصالح الشعب الأمريكي وحقوقه. القسم الأوّل من الكتاب هو الأهم في هذا الصدد.

وبموازاة حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين، برزت إيران وأذرعها الإقليمية في لبنان والعراق وسوريا واليمن إلى الساحة مُجدّداً ليس كروّاد لحرب الإبادة التي شنّوها كذلك ضد عدد من الشعوب العربية خلا العقد الماضي، لاسيما في سوريا، وإنما كـ”مقاومة”! المشهد نفسه يتكرّر كل عقد من الزمن والمجرم يصبح في طرفة عين مقاوما، والناس التي كانت تدينه أصبحت تهلّل له! لماذا تنجح إيران وأذرعها في كل مرة في غسل جرائها وتبييض صورتها السوداء من خلا التمسّح بفلسطين؟

الجواب عند تريتا بارسي (بارزي). كتب تريتا بارسي واحداً من أفضل الكتب على الإطلاق عن العلاقة المعقّدة بين أمريكا وإسرائيل وإيران تحت عنوان “حلف المصالح المشتركة: التعاملات السرّية بين إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة”. الكتاب نشر أيضا عام 2007-2008. وعلى الرغم من أنّ عنوانه يعطي انطباعاً بأنّه كتاب مؤامراتي، إلا أنّه في حقيقة الأمر كتاب علمي مستل من أطروحة الدكتوراه التي أجراها بارسي.

بالإضافة إلى طابعه العلمي، فإنّ ما يجعل الكتاب ثمينا جداً هو إجراء المؤلّف ما يزيد على الـ130 مقابلة رسميّة مع مسؤولين رسميين رفيعي المستوى في إيران وإسرائيل والولايات المتّحدة، وشموليته من خلال الفترة التي يغطيها ـ 1948 وحتى تاريخه ـ، وقدرته على تحليل التعقيدات والتناقضات في العلاقات الإيرانية ـ الإسرائيلية، والإيرانية ـ الأمريكية، والإسرائيلية ـ الأمريكية وذلك على المستويين العلني والسرّي.

المثير للاهتمام أنّ مؤلّف الكتاب أصبح بعد تأليف الكتاب واحدا من أهم رجالات النظام الإيراني في واشنطن، وأدار ما أصبح يعرف فيما بعد باسم لوبي إيران في واشنطن. بمعنى آخر، الكتاب لم يكتبه أحد معارضي النظام، وهو أساسي وأكثر من ضروري لكل من يريد أن يفهم سر العلاقات الإسرائيلية ـ الإيرانية والتناقض بين الظاهر والباطن، والأهم لماذا تنجح إيران في تبييض صورتها من خلال القضية الفلسطينية وما الهدف النهائي للجهد الإيراني في هذا الصدد.

الكتاب الثالث هو “المهمّة الإنجليزية: فهم إيران”. هذا الكتاب، وعلى خلاف الكتابين السابقين، ليس كتابا أكاديميا أو علمياً، لم يكتبه أستاذ جامعي وليس عبارة عن أطروحة دكتوراه أو دراسة علمية. وبالرغم من ذلك فإنّ أهمّيته تكمن في مؤلّفه وهو جاك سترو، وزير خارجية بريطانيا السابق، والذي سبق له أن شغل كذلك عدّة مناصب رسمية من بينها عضو برلماني عدّة مرات، ووزير ظل في التعليم وشؤون البيئة والداخلية، وكذلك وزير الدولة للشؤون الداخلية.

الوزير البريطاني معروف بحبّه للفارسيّة، وقد اتّهم من قبل معارضي النظام بأنّه متأثّر بإيران، حتى إنّ أمير طاهري كتب مقالاً عنه انتقد فيه كتابه وقال إنّ الرجل “مفتون بإيران التي تسكن خياله”. أهمّية كتابه في أنّه يحتوي على معلومات وإن لم تكن الأولى من نوعها إلا أنّها المرّة الأولى التي يتم توثيقها حديثاً من قبل سياسي عرف دبلوماسية الأبواب المغلقة، ولديه إمكانية الوصول إلى معلومات ليس بإمكان الباحث العادي فضلاً عن القارئ الوصول إليها بنفسه.

واحدة من أهم الأفكار التي وردت في الكتاب هي شرحه للتناقض الإيراني إبّان ثورة الخميني، ففي الوقت الذي كان ينادي فيه بزوال إسرائيل، تحوّلت إسرائيل الى أكبر داعم لنظام الخميني في العالم في حربه ضد العراق، حتى إنّ سترو يذكر أنّ إسرائيل كانت تضغط على أمريكا لدعم إيران في الوقت الذي كان الخميني يدعو فيه علنا الى إزالة إسرائيل فيما يتلقى منها الأسلحة والمبعوثين سراً لاستخدامها ضد العراق.

لماذا تدعم إسرائيل إيران؟ ولماذا تقول إيران إنها تريد إزالة إسرائيل فيما هي تزيل العرب؟ ولماذا يتنافس الطرفان على النفوذ في العالم العربي بدلاً من أن يدمرا بعضهما البعض؟ وكيف نفهم الأحداث الجارية اليوم لنتجنّب أن نكون مجرّد ضحايا لهما ونتفادى أخطاء الماضي في الترويج لأي من الطرفين أو الوقوف مع أي من الطرفين؟

اقرأ الكتب الثلاثة أعلاه وأضف إليها أي كتاب علمي تريده عن “البروبغندا والمعلومات المُضلّلة” يشرح ماهيّتها، وسائلها وأدواتها، الفئة المستهدفة، والهدف النهائي لها.

عربي 21

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post  مخاوف أوروبية بشأن الأمن والاستقرار
Next post  استعادة الجنسية البلجيكية