بوتين يهدد بصواريخ بعيدة المدى

مظفر حبيبوليف

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_في غزة هذا العام، لم يُسمح لأي طالب بالاحتفال بتخرجه من المدارس، لأن المدارس لم تعد موجودة وأغلب الطلاب في قبورهم، فإسرائيل، في قسوة لا مثيل لها، قتلت أكثر من 10 آلاف طالب و400 معلم حتى الآن. كمعلّم سابق، أعلم تماماً فرحة الطلاب بتخرجهم وفرحة أهاليهم بنجاحهم. كنت أرى لمعة الأمل في عيونهم وهم يتطلعون إلى المستقبل، يرسمون طريقهم نحو تحقيق أحلامهم. أفكر الآن في طلاب غزة، كيف كان كل منهم يحلم بأن يصبح معلماً مثلي، أو طبيباً مثل صديقي، أو مهندساً مثل آخر، أو شاعراً مثل شاعرهم الذي أحب محمود درويش، أو كاتباً مثل غسان كنفاني. أفكر فيهم وهم الآن تحت التراب، أرواحهم في السماء، أفكر فيهم واحداً تلو الآخر.

في بلادي، كنت أعتني بطلابي في الفصل، وأجد في كل واحد منهم عالماً بحد ذاته، و ربما فرصة لإنقاذ أمته من الفقر والجهل. كنت أرى فيهم البذور التي يمكن أن تثمر وتزهر، لكن الآن تلك البذور دفنت تحت الأنقاض ويعلم الجميع أنها لن تثمر، فقد أصبحت أجسادهم الهزيلة و الصغيرة مجرد ذكرى في ذاكرة مكلومة. أفكر فيهم ولا أستطيع النوم، أفكر في أن كلهم كان سيحققون النجاح، بينما الراسب الوحيد هو العالم الذي لم يحميهم وتركهم يرحلون قبل تحقيق أحلامهم.

لا تصدقوني إن قلت أعلم ما في الحرب من ألم، فلم أرى رصاصة حتى في حياتي، لكن صدقوني أني أعلم الطلاب،  وأعلم أن الطلاب في غزة كانت أحلامهم بسيطة، كأن تتحرر بلادهم ويمرحون في أراضيها رقضاً دون مراقبة، ويصبح أحدهم طبيباً يعالج جروح الآخرين، أو مهندساً يبني المنازل والمدارس التي هدمتها الصورايخ، أو معلماً ينشر العلم والمعرفة، أو شاعراً وكاتباً  يدون معاناة شعبه وأمله في حياة أكثر عدالة. لكن هذه الأحلام قُتلت قبل أن تُولد، منها ما دفن ومنها ما ظل عالقاً تحت الأنقاض، وغابت كلها عن الوجود مع أجسادهم التي لم ترى أرض الله الواسعة بسبب ما كانوا يعيشون فيهم قبل الحرب من حصار يحدد المساحة التي يلعبون فيها وحتى أوزانهم.

في هذا العالم الذي ندّعي أنه ارتقى وتتطور ليراعي ويدافع عن حقوق الإنسان، فشل في امتحانه فلم يحمي أطفال غزة، بل تواطئ القائمين عليه في قتلهم. العالم الذي يتحدث عن القانون والعدالة، لم يستطع حماية هؤلاء الأطفال والمعلمين. العالم الذي يبني يدعي أنه بنى مبادئه على الإنسانية، قد خذل غزة وتركها تواجه الشر وحدها.

أعلم أني سأعود لتدريس يوماً ما في عمق هذه المأساة، لكني أعلم أنه لن يكون لدي إجابات لطلابي حول طبيعة العالم الذي نعيش فيه. هل نحن فعلاً نعيش في عالم يحترم الحقوق والإنسان؟ أم أننا نعيش في عالم تسيطر عليه القوة والظلم؟ فبالتأكيد كل طلاب العالم رأوا وسيرون الوجه الحقيقي للعالم، الوجه الذي يتحدث عن الحقوق ولكنه يغض الطرف عن الظلم.

ما يدركه، وسيدركه الجميع طلاب وغيرهم، هي الحقيقة المرة لأن العالم قد رسب في امتحان الإنسانية، وليس طلاب غزة. العالم الذي كان يمكنه أن يفعل شيئاً، اختار الصمت والتجاهل. لم يتعلم هؤلاء الأطفال في حياتهم القصيرة عن حقوق الإنسان إلا أنها مجرد كلمات فارغة لا تطبيق لها. لم يعلمهم أحد أن القانون يجب أن يُحترم، لأنهم رأوا بأعينهم كيف تخرق الرصاص أجسادهم قبل القانون ولا أحد يحاسب.

ربما الكثير من طلاب غزة الآن في عالم أفضل، عالم لا يعرف القسوة والظلم، عالم تتجسد فيه أحلامهم وتُحقق. لكني ما زلت أفكر فيهم وفي حياتهم بيننا التي لم تُعطَ الفرصة لتزدهر. أفكر في العائلات التي فقدت أبناءها، في الأمهات اللواتي لن يحتفلن بتخرج أبنائهن، في الآباء الذين لن يروا أولادهم يحققون أحلامهم. أفكر في الأطفال الذين لم يولدوا بعد، الأطفال الذين لن يروا النور لأن آباءهم قد قتلوا وهم أطفال.

عربي بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post ما الذي ينبغي أن يفعله “الناتو” في تعزيز إدارة الأزمات؟ 
Next post الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء