محاذير إيران في ردها على اغتيال إسماعيل هنية.. طبيعية أم خارج السياق؟
عبد السلام فايز
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_مع مرور الوقت على الرد الإيراني المحتمل جراء اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، إسماعيل هنية، يزداد الحرج على طهران التي تعرضت لإهانة سياسية منقطعة النظير، تفوق في وقعها اغتيال قاسم سليماني، بحكم أن الأخير جرى اغتياله خارج الأراضي الإيرانية ومن قبل الولايات المتحدة وبإشراف مباشر من رئيسها السابق دونالد ترامب، على عكس هنية الذي اغتيل في عقر طهران وخلال مشاركته بمناسبة دبلوماسية علنية إلى جانب وفود إقليمية شاركت هي الأخرى في حفل تنصيب الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان.
وللأمانة في المقال، أرى أن الرأي الأنسب في النظر إلى ملف الرد الإيراني على اغتيال هنية، يجب ألا يبنى بناءً على المواقف المسبقة تجاه إيران ودورها السلبي المعروف في دول بالمنطقة لا سيما سوريا، ولا على الحب والكره. وبالعودة لمسألة الرد، يمكن القول إنه من حق إيران أن تعد للعشرة قبل ردها على الاحتلال الإسرائيلي، وهي ترى كما نرى جميعاً، ترسانات الأسلحة الأمريكية تتدفق إلى المنطقة لدعم تل أبيب في مواجهة التهديدات الإيرانية، تزامنًا مع وصول سرب طائرات الإف-22، وزيارات مكوكية لقائد القيادة المركزية الأمريكية مايكل كوريلا إلى دولة الاحتلال، والتي تأتي في إطار الدعم المباشر، والتنسيق العسكري بينه وبين وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وفق وسائل إعلام عبرية، ولا يتردد أي مسؤول أمريكي في أي ظهور إعلامي عن إعلان التزام واشنطن بأمن الاحتلال والدفاع عنه تزامنًا مع التصعيد الجاري في المنطقة.
تدرك إيران أيضاً أنها في حال شنت حربا واسعة على الاحتلال الإسرائيلي، فإنها ستجد نفسها ربما في صدام مباشر مع دول عربية قبل الاحتلال نفسه، وذلك حينما تسعى تلك الدول إلى التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية المتجهة لدولة الاحتلال بذريعة انتهاك السيادة والمجال الجوي، كما حصل سابقاً عندما أطلقت إيران مئات الصواريخ والمُسيّرات باتجاه الاحتلال رداً على استهداف الأخير لسفارتها في دمشق، فيما لا تمانع تلك الدول التي تصدت للمسيرات الإيرانية في انتهاك سيادتها بالاتجاه المعاكس حينما تصل صواريخ تل أبيب إلى ميناء الحديدة في اليمن محدثةً أضرارا بالغة فيه ردا على مقتل إسرائيلي بقصف مُسيّر من الحوثيين على تل أبيب في الليلة السابقة.
كل تلك التحديات لا تعفي إيران من واجب الرد على اغتيال هنية، ولا تعفينا في المقابل من إدراك المحاذر الإيرانية جراء الإقدام على مثل هذه الخطوة، لكنني وعلى المستوى الشخصي أكاد أؤمن بالمفاجآت السياسية والعسكرية، لاسيما بعدما رأينا مفاجئة 7 اكتوبر وما أحدثته من حالة إرباك لدى الاحتلال، وكيف أن شخصية مثل يحيى السنوار لم يتمكن خصومه المدججون بالأسلحة من القضاء عليه في مساحة تبلغ مساحتها 365 كم مربع محاصرة منذ قرابة العقدين، بينما نجحوا باغتيال هنية ونائبه صالح العاروري خارج قطاع غزة، وكأننا نستطيع القول وبناء على هذه المعطيات أن السنوار استطاع بناء جهاز استخبارات وقوة تحصين أعجزت الاحتلال وكبرى أجهزة الاستخبارات الداعمة له، والتي تنفذ طلعات يومية في سماء القطاع بحثاً عن بصمة صوت أو قليل أثر للسنوار، لكنها لم تتمكن حتى إعداد هذا المقال، في الوقت الذي يدير فيه أبو إبراهيم معارك كتائب القسام، و المكتب السياسي لحماس أيضاً، بعد انتخابه رئيسا له خلفا لإسماعيل هنية.
إن محاذير إيران من ردّها تندرج ضمن السياق الطبيعي في الإقليم الذي يمارس السياسة ذاتها. الأمر ذاته ينطبق كذلك على حزب الله في جنوب لبنان الذي تراجعت شعبيته بشكل ملحوظ في العالم العربي جراء مشاركته المباشرة في القتال إلى جانب النظام السوري. ولكن لو نظرنا إلى تعامله مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فإنّنا سنكون مضطرين لفصل الملفين عن بعضهما إذا ما أردنا الوصول إلى رؤية سديدة. فالحزب فقد أكثر من 400 عنصر وقيادي في صفوفه جراء المواجهات المستمرة مع جيش الاحتلال، وأشعل الحرائق في مستوطنات الشمال وتسبب بأزمة واضحة لدى الاحتلال. كما أنه مُطالب في الوقت نفسه بالرد على اغتيال فؤاد شكر الذي تبنته تل أبيب، بعكس قضية اغتيال هنية التي لم يتبنّاها الاحتلال بشكل رسمي واضح حتى هذه اللحظة.
إجمالاً يمكن القول إن حماس وحزب الله باعتبارهما اللاعبَين الأبرز في هذا السياق، أحدثا توازناً جديدا في المواجهة مع الاحتلال رغم فوارق القدرات، ونحن كعرب كم تغنّينا سابقاً بتسعةٍ وثلاثين صاروخاً أطلقها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على دولة الاحتلال الإسرائيلي، لدرجة أننا حفظناها كحبّات السُّبْحة، وردّدنا تلك المقولة الشهيرة أننا في صدد انتظار الصاروخ رقم 40 والذي مضى عليه عقود طويلة ولم نلمح له أثراً.
أمّا اليوم، ولو فتح أحدنا على التلفزيون ليتابع الأخبار كمثال، وشاهد في شريط الأخبار العاجل خبراً بشأن إطلاق دفعة صواريخ على دولة الاحتلال من قطاع غزة أو من جنوب لبنان، فإنه لن يبالي أو ربما يمر عليه مرور الكرام، وذلك أن قصف الاحتلال بما في ذلك تل أبيب أصبح خبراً ثالثاً في وسائل الإعلام، ولو تساءلنا بتجرّد عن سبب ذلك، لقادتنا الإجابة بطبيعة الحال إلى صواريخ المقاومة الفلسطينية وحزب الله التي باتت تستهدف المستوطنات الإسرائيلية بشكل مستمر، رغم مرور أكثر من 10 أشهر على حرب الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال داخل قطاع غزة، ومع ذلك لم يتمكن من وقف إطلاق الصواريخ رغم تراجعها نسبياً مقارنةً مع أشهر الحرب الأولى.
وفي هذا السياق، أرى مخاوف إيران وحزب الله طبيعية إلى حد بعيد في ظل الدعم الغربي للاحتلال، وأعتقد أن الذين يطالبون إيران بسرعة التنفيذ ويسخرون من ردها، سوف يكونون أول المنتقدين في حال لو شنت إيران حرباً واسعة على دولة الاحتلال، وسوف يتباكون على نتائجها الوخيمة، في مشهد مماثل سابق، حصل عندما انتقد كثيرون عدم دخول حماس إلى معركة وحدة الساحات إلى جانب حركة الجهاد الإسلامي، وطالبوها بذلك وسخروا من “عدم جرأتها على شن حرب ضد الاحتلال”، لكنهم اليوم في طليعة المنتقدين للحركة بسبب معركة طوفان الأقصى التي تشنها الحركة رغم فوارق القدرات، فتجدهم يتصدرون المشهد على قنوات عربية وغربية للنيل من المقاومة بسبب الحرب التي يدعون أنها فرضتها على الشعب الفلسطيني، فيما يطالبون إيران بحرب مماثلة، ما يقودني إلى تساؤل فضولي أختم به مقالي: كيف يكون هؤلاء ضد الحرب ومع الحرب في آنٍ واحد؟!!
عربي بوست