طوفان درنة 7-

Read Time:3 Minute, 34 Second

اسماء القرقني ((ليبيا))

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_-واحد ، اثنين، ثلاثة .. ثلاثي مفروض عليك ههههههه ردي بالك منهم مش حنغيب واجد.

تهطل دموعي بغزارة حتى تبلل وجنتي وتكون نهراً صغيراً عند ذقني كلما تهيأت صوت شقيقتي الراحلة، تكرر ماتقوله كلما سافرت مع زوجها وتركت اطفالها الثلاثة في رعايتي ، احفظ كلماتها قبل ان تنطقها، ابادلها الضحك في كل مرة ، اصارحها دون حرج:
-المهم عندي الثلاثي هذا ، انت معش مدورتك معاهم

تطالبني أم خطيبي ان اضع حداً لما أعانيه، كلماتها وكأنها حجر ثقيل تلقيه على صدري :
—لازم تفكري في نفسك وتحددي موعد العرس ، ولدي صبر واجد واحترم حزنك وقت طويل .
ادرك انها على حق ، لكن ماحيلتي ؟ علي ان ارعى الأمانة التي تركتها شقيقتي، كلهم ينتظرون ان احدد موعداً لزفافي ، لا يرون اليتم في عيون اطفالها كما اراه ، لايشعرون بفجوة الفقد الفاغرة فاها في ارواحهم الغضة كما اراها.

لاتبرح مخيلتي عناوين الاخبار تلك الليلة :
(اعصار سيمر بالشرق الليبي للمرة الأولى )
( تجهيز المدارس والاماكن العامة بالمراتب والاغطية وكافة المستلزمات لاحتمالية نزوح بعض السكان)
( اخلاء المناطق القريبة من البحر تحسباً لأي طاريء) لم تلفتني هذه العناوين بقدر ما لفتتني نظرات أختي الغريبة ، شييء مبهم في عينيها اثار حيرتي ، لم افهمه ولم استطع ان اتخطاه ، رجوتها ان تقضي الليلة معنا:
-لا لا ، مفيش خوف ، عمارتنا عالية.

-باهي خلي العيال معاي يسلوني، الليلة مش حنرقد.

الثلاثي عبروا بصوت مرتفع عن رغبتهم في البقاء معي ، وافقت ، وصلت الى الباب ثم غيرت رأيها ، بكى اطفالها ، تمسكوا بثيابي بكل قوتهم .

كانت شقتها تطل على الضفة الشرقية للوادي ، عمارة ضخمة محشورة بين مجموعة من العمارات المتراصة على جانبي مجرى الوادي الضيق ، في الايام الممطرة كنت التقط الصور للوادي الممتليء من شرفتها، اعبر عن شعوري بالرعب عندما يمتليء المجرى وتتلاطم فيه المياه حتى تفيض ويتدفق بعضها على الطريق :
-مفيش زي البلاد وذيل الوادي، البلاد هي درنة ودرنة هي البلاد.

يستفزني كلامها ،ادافع عن موقع بيتنا المرتفع في الساحل بكل حرارة وينضم الى صفي اطفالها دون تردد .

اجتاحتي الخوف بعد خروجها ، تحول الهدوء الى عاصفة، ارتفعت سرعة الرياح، هطلت الامطار بجنون وقوة لم يسبق لها مثيل ، أطللت من النافذة ، رصدت منسوب المياه ، هالني ارتفاعه في ساحلنا الشاهق ، تسائلت ، تراها أين وصلت في المناطق المنخفضة ….البلاد ،شارع الوادي ،شارع الصحابة ، شارع حشيشة ، المدينة القديمة؟

لم تبزغ الشمس بسهولة ذلك الصباح. انتظرت ان ينطق ابي ويطمئنني ، كلمة واحدة من شفاهه المرتجفة جعلتني اسقط مغشياً علي :
” اختك راحت، انهارت عمارتها و بلعها البحر”،

افقت مقبوضة القلب، ماهذه الوجوه الذاهلة !؟، يا الله ماهذه الثرثرة؟ لِمَ لايصمتون لحظة واحدة؟ ، لمحت إمرأة غريبة تربت على رأسي وتغرز حقنة في ذراعي فقدت على اثرها وعيي……………

بدأ العد التنازلي ولم يبق على حفلة زفافي سوى اسبوع ، يتحلق حولي اطفالها ،يقول اكبرهم :
—توا نقعد واعي ليل نهار ، عشان نقعد معاك الوقت كله
يغمغم الاوسط :
—نقدروا نجوا نباتوا عندك؟
—تتنهد الصغيرة بصوت خفيض، تهمس:
— جديتي ماتعرفش تدير الدحي اللي نحبه .

لا تنفك ذاكرتي تعيد وتكرر مايخصهم منذ ولادتهم ،تحضيري لطعامهم ، لأدوات استحمامهم ، اختياري وتنسيقي لملابسهم، قلقي عند مرضهم ، كل تفاصيلهم اشتركت فيها ، بل كنت انا من اضع لهم التفاصيل ، احتفل بظهور اول اسنانهم ، وبأولى محاولاتهم للحبو واولى خطواتهم في المشي ، اجهز حفلات اعياد ميلادهم ، ارتب تحضيرات اول يوم للروضة واول يوم للمدرسة وووووو.

ايام قلائل واغادر بيتنا ، يتنازع ثلاثتهم النوم بجانبي ، اضطر ان ارتب لهم دوراً، اثنين بجانبي والثالث عند قدمي ، اليوم الثاني يتبادلون الاماكن، المح دموعاً غزيرة في عيني والدتي كلما لمحتني احضن لعبة صغيرتها، لا أبالي بتمتمتها المبهمة المعتادة.

قبل الزفاف بثلاثة ايام ، استيقظت من نومي فزعة منتصف الليل، الدموع تغرق وسادتي ، نبضات قلبي تدق بقوة حتى اكاد اسمعها ، رأيت شقيقتي في الحلم تمسك يدي بقوة ،تهوّن علي الأمر ، تطمئنني ان كل شيء على مايرام
اردد عهداً طالما كررته كلما رأيتها في منامي او طاف خيالها في ذاكرتي :
“لا تخافي ، انا معهم ، لايغيبون عني لحظة واحدة ، صغيرتك نائمة جانبي ، كفها لا تفلت كفي طوال الليل ، ابنك عند قدمي يمد ذراعه متمسكاً بي، والآخر لا يتقلب ولا يتحرك كثيراً في نومه حتى لايبتعد عني.

جررت فستان زفافي، كدت اقع، عاهدتها الا اتركهم ، يجب ان اوقف هذا الفرح الزائف، الدنيا تدور وتدور وتدور ، لا اميز شيئاً سوى الذعر على وجه عريسي
استيقظت في بيتي الجديد، زوجي بجانب سريري ، قال و القلق يعلو ملامحه:
-تمنيت تكون ليلتنا الاولى افضل من هكي.
غمغمت:
-سامحني ،وعدتها ما نبعدش عليهم.
زم شفتيه، مد لي جواله المضيء، كان مفتوحاً على صفحة طوفان درنة (صفحة توثق اسماء ضحايا الطوفان)، كل عائلة لها قائمة خاصة بها، قرأت في أسى اسم اختي المتصدر للقائمة ، جحظت عيناي عندما انتقلت للسطور التي تليه
واحد ،
اثنان،
ثلاثة.

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post ذكريات صحفية:(حواري مع صموئيل هنتغتون)
Next post الانسحاب ليس عيبا”