الشخصية التربوية في قصة معلم الحساب للقاص خليفة حسين مصطفى
د. أبتسام صفر ((ليبيا))
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_ من خريطة الأحلام السعيدة ( مجموعة قصص قصيرة)
صور المرحوم خليفة حسين مصطفى شخصية المعلم وتضحياته نحو العلم ومشقة التعليم وخسارة الزمن تحت مظلة الفقر والمعاناة ، وكان البعد التربوي الذي اشتغل على شخصية أبو ستة وتطورها كا لآتي:
1- الضمير الإنساني
أظهر الكاتب شخصية المعلم متميزة ومخلصة في عملها، حريصة على العلم وإدارة الوقت( كان أبو ستة معلما للحساب بإحدى المدارس الابتدائية وقد انهمك في تعليم هذه المادة المعقدة للصغار ما يزيد عن عشرين عاما بلا انقطاع، لم يتغيب أو يتأخر يوما واحدا)
فحركة الشخصية تدور في فلك العلم والعطاء كل يوم مع التلاميذ ، تمسكت الشخصية بإحياء الضمير ونقاءه فكان العطاء في مظلته والعمر في جعبته وحضن المعلم عدته المدرسية من أجل الأجيال القادمة، ( أحبه أطفال المدرسة لأنه لم يحاول أن يكتسح صخبهم وإهمالهم بالعصا كما يفعل بقية المدرسين كان يلجأ إلى النصائح ويواجه العيون المصوبة عليه في بلاهة بسرد حكايات مكررة عن صراعه المزمن مع مسائل الحساب يوم أن كان هو الآخر تلميذا صغيرا)
نلحظ جمالية الشخصية التعليمية التربوية المتمثلة في السلوك وحسن المعاملة مع تلاميذه داخل الفصل وخارجه، ( خلف نظارة قديمة يلوك جملته التي لا تتغير ، يقول: في آمان الله بصوت قوي لابد أن يسمعه المدير ، وهكذا يكون قد فرغ تماما من كل ما يربطه بالمدرسة حتى اليوم التالي)
اتجه القاص إلى واقعية الحدث ونقل صورة المعلم بكل تفاصيلها حتى ارتسمت مفاصل المواقف عند المتلقي دون إشارة أو تلميح لها، فهو نقل مباشر للبث المرئي في حياة المعلم العلمية دون توقف كقاعدة حسابية ثابتة لا تتغير مع الزمن.
2- تقنيات الزمن:
اختار القاص مادة الحساب التي تشير إلى دلالة معنوية تشمل الضمير والإخلاص في عمل الشخصية ودقة الحضور والانصراف فالمعلم( يقول : أنا كالساعة ، والساعة لا تشرد ولا تغش) ( عشرون عاما في نفس المدرسة ، وفي كل عام تزدحم المدرسة بوجوه أطفال يختلفون عن الذين سبقوهم )
كان الزمن معولا على الشخصية التي تلتحم بالمكان ولا تفارقه ولا تقبل بالتغيير والتنوع وهذا التعلق شكل الشخصية التقليدية في التعليم الغائبة عن النشاط والتنوع بين الأماكن فالزمن يقف على مكان بعينه حتى نهاية القصة.
3- الشخصية والحلم الاجتماعي:
انشغل البطل بالمدرسة انشغالا كبيرا، ولم يهتم بنفسه وحياته الاجتماعية والتفكير بالزواج والأسرة والسفر وهيئته والتفكير خارج الصندوق، ( لم يتزوج .. كان يتعلل بأسباب متضاربة) تارة بالمال ( رقم هزيل ويظل هزيلا رغم تقسيم الأعداد الزوجية إلى آحاد ، فهو لا يقبل أن يجمع عشرة وعشرة كرقم واحد) تارة بالتسويف ( عندما يجد نفسه خارج أسوار المدرسة يبطئ في سيره يعود إلى التفكير في نفس الموضوع الذي لا يشغله غيره وهو موضوع التوفير والمرأة التي تنتظره .. طوال الطريق إلى المنزلينشط عقله في البحث والمراجعة)
من القراءة السابقة للنص نرى أن القاص أشار إلى قضية اجتماعية مهمة تتعلق بحال المعلم وضعف راتبه وانغماسه بين الكتب وتجهيز المادة العلمية التي تأخذ وقتا طويلا وإهمال نفسه ماديا ومعنويا فغابت عنه آلية التغيير في حياته.
4- الشخصية المنكسرة:
صنع القاص إطار التعاطف بين البطل والقارئ قائلا: ( خرج من الفصل وقطع الممر الصغير في خطوات مضطربة ثم وقف يحملق في الوجه الشاحب والنظارة القديمة : إن شاء الله خير
خير يا أستاذ
تناول الظرف الصغير وسحب منه ورقة مطوية وبسطها تحت عينيه وشرع يقرأ ويعيد القراءة ، الكلمات قليلة ولكنها غامضة كمسائل الحساب..
لن يمسك بأصابعه قطعة الطباشير)
كان التقاعد هو نهاية حلقة الوصل مع طلابه.
استيقظ البطل من سباته العميق ليدرك أن العمر قيمة تربوية للآخرين ولم ينتبه لنوافذ الحياة الأخرى وكانت نافذة معلم الحساب لم تدرك قيمة حساب المستقبل
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_