سلم علي من يسلم عليا

أ. خيرية فتحي عبدالجليل

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_دلفتُ غرفتي بسرعة ، أرتديت ثياب البيت الواسعة بعد أن تخلصت من الحذاء العسكري الثقيل عند الباب ، وبنفس السرعة حشرت ” الكاسيت ” في آلة التسجيل الخاصة بي ثم ضغطت على زر التشغيل ببطء شديد وأستلقيت على السرير ، رحت أحملق في السقف بعد أن انسابت الموسيقى بعذوبة طاغية ، يمتلك هذا اللحن الجميل طاقة خاصة للنفاذ إلى دواخلي ، أنها ” ميادة الحناوي ” ترغمك على الإنصياع للكلمات ، أنزويت في ركن قصي من الغرفة أنتظر أن يبدأ الغناء بعد أن خفضت صوت الجهاز للحد الأدنى حتى لا يتسرب الصوت خارج الغرفة ، أنها الغرفة القابعة في نهاية الممر الطويل  ونهاية البيت ، بعيدة عن صخب البنات و نشاط الأم وحتى إهتمام الجدة الحنونة ، جاهدت الأم طويلاً لجعلها غرفة خاصة بنا نحن البنات ولكن عبثاً ، تركناها بأثاثها وأسرتها و ستائرها و أستبدلناها بغرفة الجدة ، ننام معها وتدثرنا بالحكايات الطويلة و بروائحها الزكية وأغطيتها الصوفية الثقيلة .

  نهاراً ظلت هذه الغرفة ملجأي الوحيد ومكمن أسراري ، الجأ إليها بحجة كتابة واجباتي ومذاكرة دروسي ،  أضع بها كل الأشياء الخاصة بي ، دفاتري ، حقيبتي ، ملابسي ، أرتب كل شيء بحيث يتناسب مع ميولي ، كنت أعشق قراءة ” روايات عبير ” ، نتبادل أنا وبنات الجيران النسخ التي نحصل عليها ، كأننا نعثر على كنز عندما نلمح عنواناً جديداً من هذه السلسلة ، كنت أدس بعضاً من هذه الروايات تحت السرير في الغرفة القصية ، السرير يتوسط الغرفة و يقابل مكتبتي ، نعم لدي مكتبة بها الكثير من الكتب والروايات وأكداس كثيرة من مجلة النهضة الكويتية و اليقضة وكذلك مجلة العربي و الدوحة ، تبرز من بين الكتب سلسلة تاريخنا و ” بهجة المعرفة  ” ، روايات كثيرة منها ” البؤساء ، قصة مدينتين ، الأم و أحدب نوتردام .

  مازلتُ أحدق في فضاء الغرفة ، موسيقى بليغ حمدي تتسرب في دعة ، مسحورة أنا ، معمدة بالبهجة والسرور ، لا إمتحانات هذا الأسبوع ولا واجبات مدرسية ثقيلة ، أنه الأسبوع الأخير من شهر ” مارس ” حيث تكثر المهرجانات والإحتفالات وكذلك العطل و الأعياد ، عيد الأم ، عيد الطفل ، عيد المعلم وعيد جلاء القوات البريطانية حيث تكثف الإدارة العسكرية بالمدرسة  تدريباتها حتى يتسنى لنا المشاركة في عيد الجلاء يوم 28 مارس هذه السنة في طبرق .

   ظلت النغمات تموج داخل فضاء الغرفة ، الجمل الموسيقية تتكرر وتعيدها كل أنامل الفرقة الموسيقة العازفة ، تصفيق الجماهير تطغى بين الفترة والأخرى خاصة عند كل فقرة توقف .

فاتت سنة …

   ظلت نغمات بليغ حمدي تموج وتتراقص خلف اللحن الخالد الجميل الذي بدأ  يتسلل خلسة من خلف نافذة جدتي وبابها المشرع ناحية شروق الشمس حيث القبلة ، نغمات تتراجع وأخرى تطغى على المكان ..

سلم علي من يسلم عليا يا ثلاثين مية وعلى عد موج البحر بالوقية ، بدأت هذه النغمات تهيمن على المكان، لم أكن أظن أنني  سأحمل لهذا اللحن حنيناً  في قادم أيام العمر ؛ لم أكن أتوقعه بتاتاً ، شيء ما يؤكد لي أن هذه الكلمات كتبتها ” خديجة الجهمي ” لي و لي وحدي  واني سأشاركها مع كل الناس عبر فضاء ازرق افتراضي ذات صباح.

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post ثيودورا ابنة الملك اليوناني السابق تقيم حفل زفاف أرثوذكسي في أثينا
Next post بريطانيا ومراجعة خطتها الدفاعية