ما هو دور هولندا وبلجيكا في الصراع بين حزب الله وإسرائيل

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_بوتيرة متسارعة دخلت لبنان في خضم الصراع الراهن في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن أخذت المواجهات بين إسرائيل وحزب الله منحى شديد الخطورة لم يحدث منذ حرب لبنان الثانية في يوليو 2006، ما يزيد التخوفات لدى دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها بلجيكا وهولندا، رغم اختلاف مواقفهما بشأن التصعيد في غزة ودعم إسرائيل، إلا أن الرؤى بينهما توافقت على ضرورة التهدئة وتجنيب لبنان دخول حرب شاملة مع إسرائيل.

موقف بلجيكا من الصراع بين إسرائيل وحزب الله
منذ بداية التوترات بالشرق الأوسط، تبنت بلجيكا موقفاً واضحاً بشأن رفض التصعيد الإسرائيلي، ومع مواصلة الغارات الجوية الإسرائيلية وبدء عملية برية محدودة في جنوب لبنان، قالت نائبة رئيس الوزراء البلجيكي بيترا دي سوتر في 1 أكتوبر 2024، إن “الغزو البري المخطط للبنان ينتهك القانون الدولي بشكل صارخ” منوهة إلى أنه ليس دفاعاً عن النفس بل يثير حرباً شاملة. وطالبت الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بالرد بأقصى قدر من العقوبات على إسرائيل. أدان ساسة بلجيكيون في 24 سبتمبر 2024 علناً التصعيد، وأعربت بيترا دي سوتر، عن صدمتها إزاء الهجوم على جنوب لبنان، مؤكدة أن الحل الدبلوماسي السبيل الوحيد الذي يعيد السكان لمنازلهم. وجددت الخارجية البلجيكية تحذيراتها من السفر للبنان عقب تفجيرات البيجر.

طالب السفير اللبناني في بلجيكا فادي حجلي بروكسل في 25 سبتمبر 2024، بالذهاب خطوة أبعد في فرض العقوبات على إسرائيل، داعياً مؤسسات الاتحاد الأوروبي لمراجعة العلاقة مع إسرائيل. وبتفاقم الوضع في لبنان، دعت الحكومة البلجيكية مواطنيها في 26 سبتمبر 2024 لمغادرة لبنان في أسرع وقت ممكن. قبل التصعيد الأخير بلبنان، حثت بلجيكا جميع الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وقالت وزيرة الخارجية البلجيكية حاجة لحبيب في 5 أغسطس 2024، إن الاستقرار أمر حيوي للبنان والمنطقة. وفي 10 أغسطس 2024 أبدت بلجيكا عن قلقها تجاه التوترات بالمنطقة عبر مكالمة بين وزيرة الخارجية البلجيكية حاجة لحبيب ونظيرها الإيراني علي باقري، موجهة دعوة لجميع الأطراف الإقليمية بممارسة أقصى درجات ضبط النفس، بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في 31 يوليو 2024.

بلجيكا تعد المحرك الرئيسي وراء تغيير موقف الاتحاد الأوروبي تجاه الوضع بالشرق الأوسط منذ اليوم الأول للحرب على غزة، ووقعت ضمن (48) دولة على بيان للأمم المتحدة في أبريل 2024 الذي يدين الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل بصواريخ بالستية وصواريخ كروز وطائرات مسيرة استهدفت عدة أهداف. حثت بروكسل دول الاتحاد على اتخاذ موقف جاد تجاه الأوضاع في الشرق الأوسط، وفي 7 نوفمبر 2023 قالت وزيرة التعاون الإنمائي والسياسة الحضرية كارولين جينيز لسفراء بلادها في بروكسل، ليس من الواضح أنه يجب البقاء على الحياد، مشددة على أهمية تطبيق القانون الإنساني على الجميع. تنظر بلجيكا إلى القرار (1701) بأنه السبيل للتهدئة على الجبهة اللبنانية، وطالبت الحكومة البلجيكية خلال اتصالاتها المكثفة مع الحكومة اللبنانية، بضرورة تنفيذ بنود القرار الذي أنهى النزاع بين إسرائيل وحزب الله في حرب 2006.

مخاوف بلجيكا من اتساع الصراع

حذرت بلجيكا في 25 يناير 2024، من أن التصعيد يخلف تهديداً أمنياً لأوروبا ومن المتوقع أن يستمر بعد وقف إطلاق النار، ما دفع الحكومة البلجيكية نشر قوات إضافية من الشرطة لمناطق بعيدة مثل الحي اليهودي في أنتويرب. ومع تفاقم الوضع بالبحر الأحمر تخوفت بروكسل من تضرر (12%) من حجم التجارة العالمية الذي يمر بهذا الممر المائي وتأثر شبكات الإمدادات لأوروبا، خاصة وأن المناوشات بين الفصائل المسلحة التابعة لإيران والولايات المتحدة أدت لارتفاع طفيف لأسعار النفط الخام في نوفمبر 2023 بنحو (0.27%). وتخشى بروكسل من أن توسيع دائرة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله، تدخل أطراف إقليمية ودولية في الصراع ما يعني انزلاق المنطقة لحرب، ما ينعكس على التضخم وأسعار السلع والطاقة.

تسبب نزوح نحو مليون شخص من لبنان جراء القصف الإسرائيلي، في قلق الاتحاد الأوروبي وتحديداً بلجيكا، من تفاقم الضربات على المناطق المكتظة بالسكان، خاصة وأن هذه التوترات ترجح وجود موجة لجوء جديدة لأوروبا، في حين تعاد صياغة إجراءات اللجوء والهجرة بالاتحاد الأوروبي، ما يزيد الأعباء على كاهل هذه الدول ويضعها في مأزق للتعامل مع تداعيات الوضع الإنساني اللبناني.

موقف هولندا من الصراع بين حزب الله وإسرائيل

تدعم هولندا جهود احتواء التصعيد بالشرق الأوسط، وفي 26 سبتمبر 2024 قال وزير الخارجية الهولندي كاسبر فيلدكامب بمجلس الأمن، إن بلاده تدعم الدول التي تعمل على وقف إطلاق النار في ضوء التصعيد بلبنان. وأثنت على المبادرة الدولية لوقف المواجهات بين إسرائيل وحزب الله، والتي طالبت بوقف لإطلاق النار لمدة (21) يوماً ما يتيح الفرصة للتفاوض والتوصل لاتفاق. وفي 24 سبتمبر 2024 دعت هولندا مواطنيها لمغادرة لبنان فوراً، ورفعت مستوى التحذير من السفر للبنان إلى الأحمر منذ أكتوبر 2023. كما حذرت رعاياها في 26 يونيو 2024 و30 يوليو 2024، من خطر التصعيد في لبنان والمنطقة. وكانت هولندا ضمن الدول الموقعة على بيان الأمم المتحدة الذي أدان هجوم إيران على إسرائيل في أبريل 2024. وتواصل وزير الخارجية الهولندي كاسبر فيلدكامب مع نظيره الإيراني علي باقري، لبحث سبل التهدئة مع إسرائيل بالمنطقة.

مخاوف هولندا من اتساع الصراع

نظراً لاعتماد الاقتصاد الهولندي على التجارة الخارجية، وتصدرها المراكز الأولي لصادرات دول الخليج العربي، فتصبح التداعيات الاقتصادية للصراع الراهن أكثر مخاوف هولندا، إضافة إلى تبعات الهجمات بين إسرائيل ولبنان على المجتمع الهولندي، وخرجت مظاهرات في 19 سبتمبر 2024 في مدينة نيميجن الهولندية، اعتراضاً على العلاقات مع إسرائيل والدعم غير المباشر المقدم لها. وفي 10 مارس 2024 تظاهر آلاف الهولنديين في أمستردام رفضاً لمشاركة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في افتتاح المتحف الوطني للهولوكوست.

كيف تتعامل بلجيكيا وهولندا مع حزب الله؟

رغم حظر الاتحاد الأوروبي لحزب الله في 2021، وإدراج بعض الدول الأعضاء جناحه العسكري على قوائم الإرهاب في 2013، إلا أن الحزب يظل ضمن المعادلة السياسية والعسكرية في التصعيد الراهن، حينما تطالب بلجيكا بالتهدئة وتجنب نشوب حرب أوسع في لبنان والمنطقة، وكانت بلجيكا ضمن الدول المتحفظة على إدراج حزب الله وجناحه العسكري على قوائم الإرهاب، اعتراضاً على عدم كفاية الأدلة وتحسباً لاعتراض المحكمة الأوروبية على الخطوة، إضافة إلى عدم رغبتها في تداعيات القرار على القوات الدولية الطارئة “اليونيفيل” التي تشارك في تنفيذ القرار (1701) في جنوب لبنان. حظر هولندا لحزب الله بالكامل، لم يمنعها من وضعه ضمن القوة السياسة الفاعلة في لبنان، رغم أن جهاز الاستخبارات الهولندي ينظر إلى الأجنحة السياسية والعسكرية للحزب بالتهديد لبلاده، مع تزايد نفوذه في أوروبا والكشف عن محاولات اغتيال يديرها هناك خلال 2019.

ما مدى تأثير موقفي هولندا وبلجيكا من التوترات بالمنطقة؟

مواقف بلجيكا وهولندا الداعمة للجهود الدبلوماسية لمنع نشوب صراع أوسع بالمنطقة، تحقق توازناً بين الأطراف الإقليمية والدولية، في ظل تبني التكتل الأوروبي دور الوسيط على خلاف واشنطن التي يبدو موقفها متأرجحاً بين دعم إسرائيل والتهدئة، وتركز هولندا وبلجيكا على أهمية الحوار محذرين من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله خلال اجتماعات الاتحاد الأوروبي وجلسات مجلس الأمن. وحرصت الدولتان على الإشارة إلى المعاناة الإنسانية التي ستنتج من القصف على الجنوب اللبناني بالتزامن مع مرور عام على معاناة المدنيين بغزة. وتفتح بروكسل وأمستردام قنوات الاتصال مع مسؤولي إيران للضغط على حزب الله نظراً لأن التواصل ليس مباشراً معه. وتلعب هولندا دوراً مهماً في إقناع إسرائيل بوقف التصعيد.

تقييم وقراءة مستقبلية

– باتت لبنان جزءاً من الصراع منذ هجمات إسرائيل على أجهزة البيجر وأجهزت اتصالات لاسلكية يستخدمها أعضاء حزب الله يومي 17 و18 سبتمبر 2024، وتصاعدت الضربات الاستنزافية المتبادلة بين الطرفين، إذ شنت إسرائيل أعنف هجوم على جنوب لبنان وشرقه في 23 سبتمبر 2024، ووجه حزب الله صواريخ ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، وتطور الأمر باغتيال إسرائيل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في غارة جوية على الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت في 27 سبتمبر 2024، وبدء إسرائيل عملية برية محدودة بالجنوب في 1 أكتوبر 2024، ما يحتم على بلجيكا وهولندا التحرك سريعاً نحو طرح الحلول الدبلوماسية على طرفي الصراع ومحاولة الضغط لمنع دخول لبنان لحرب شاملة، واللجوء إلى القانون الدولي والقرار 1701 الأممي، في منع إسرائيل من تخطي الخط الأزرق الفاصل بين قوات حزب الله والقوات الإسرائيلية، وتجنب وقوع كارثة إنسانية في الجنوب اللبناني.

–  يعتمد الاتحاد الأوروبي على فرنسا في الوساطة بين لبنان وإسرائيل، فإنه يدرك جيداً أن سبب التصعيد بلبنان يعود إلى حرب غزة، لذا يعول على بلجيكا في موقفها الداعم لحل الدولتين، على توجيه الموقف الدولي والمؤسسات الأممية نحو هذا الطريق لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومن ثم إغلاق كافة جبهات التوترات التي اندلعت بعد السابع من أكتوبر 2023، إضافة إلى امتلاك بلجيكا قنوات تواصل مع الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بشكل يضمن تفهم نقاط الخلاف وأدوات إقناع الطرفين.

– نظراً لعدم وجود علاقة بين دول التكتل الأوروبي وعلى رأسها بلجيكا وهولندا مع حزب الله، فأن التكتل يعتمد على العلاقة مع إيران لإقناع حزب الله بخفض حدة المواجهات، بجانب استمرار دعواتهما لإسرائيل لإنهاء التحركات العسكرية على الجبهة الشمالية، خاصة وأن تبعات الوضع بالشرق الأوسط ستكون سلبية ليست فقط على المنطقة بل على الأمن والسلم العالميين، ولكن تظل رغبة طرفي الصراع في التصعيد المحرك الرئيسي وراء عدم نجاح الجهود الدبلوماسية التي تبذل لمنع نشوب حرب في لبنان.

– يمكن أن توظف هولندا وبلجيكا العلاقات التجارية بين الاتحاد وإسرائيل، من أجل إقناع الثانية بخفض حدة التوترات بالمنطقة، والاتجاه نحو طاولة المباحثات بشأن غزة ولبنان، فإن دخول وكلاء إيران بالمنطقة في جبهة ضد إسرائيل، يزيد من تعقيد المشهد وسبل التفاوض والتوصل لحل حول القضية الفلسطينية والأزمة بين حزب الله وإسرائيل، ويمكن أن تبرز  الدولتان التداعيات الاقتصادية والعسكرية التي ستنعكس على إسرائيل جراء فتح جبهات حرب متعددة، للضغط على المؤسستين السياسية والعسكرية بتل أبيب للبدء في الحوار بدلاً من الحل العسكري بلبنان.

-إن مطالبة بلجيكا بضرورة توقيع عقوبات على إسرائيل، كوسيلة لمنع تأجيج الوضع بلبنان، يدخل العلاقات بين البلدين في مرحلة توتر نوعاً ما، خاصة وأن إسرائيل انتقدت دعوات بلجيكا بشأن وقف التصعيد، ما يتطلب من دول الاتحاد اللجوء إلى واشنطن كحليفة لتل أبيب، لإقناع الثانية بالدخول في التفاوض حول النزاع مع حزب الله، عبر إظهار خطورة الوضع وتبعات الحرب على لبنان وطول أمد الحرب في غزة على النظام العالمي.

 المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post وجهات النظر السياسية في بلجيكا ليست مختلفة جذريًا
Next post طوفان المهابيل