سويسرا تعيد قطع أثرية لبلدانها الأصلية
تحرير: بينيامين فون فيل
ترجمة: هالة فرَّاج
مراجعة: ماجدة بوعزّة
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ تتصدّر إعادة المقتنيات الثقافية، الشرعية منها أو غير الشرعية، عناوين الصحف، وتضع الدول والمتاحف في جميع أنحاء العالم، أمام تحديات قانونية وأخلاقية. والآن تتزايد وتيرة سعى بعض الجهات الخاصة إلى إرجاع مقتنياتها. مثال من سويسرا، يوضّح هذا النهج.
قلّ ما يحدث إرجاع أكثر من 60 قطعة تعود إلى عصر ما قبل كولومبوس، إلى عدة دول في وسط أمريكا وجنوبها.
لقد تعوّدت سويسرا إعادة الأصول الثقافية، وما ذلك بالجديد عليها. لكن يتعلق الأمر في هذه الواقعةرابط خارجي، بمجموعة خاصة، على ملك إحدى العائلات منذ عدة أجيال. وقد أكّدت المالكة رغبتها في تسليم هذه المجموعة، وإعادة كل قطعة إلى دولتها الأصلية.
تقول فابيان باراغا، رئيسة قسم نقل الملكية الثقافية الدولية في المكتب الفدرالي السويسري للثقافة: “تعد هذه الواقعة نادرة، وفريدة من نوعها”
لكن يمكن اعتبار هذا النموذج الذي بين أيدينا، مثالاً على تطور جديد نسبياً، وتستطرد باراغا قائلة: “يزداد تواصل الجهات الخاصّة معنا في السنوات الأخيرة، للاستفسار عن سبل إعادة بعض القطع التراثية التي كانت قد اقتنتها، إلى بلدانها الأصلية. ويمكننا الحديث هنا عن توجه واضح.”
وتضيف المتحدثة: “يبدو أن الوعيّ بمثل هذه المسائل قد ازداد في إطار الجدل الدائر حول الاستعمار”. كما تعقد أن الموضوع يزيد من أهمية الإيضاحات التفصيلية المقدمة.
وأسفرت التوضيحات المتكررة كذلك، عن ارتفاع وتيرة الإعادة؛ فقد أرجعت 95 قطعة عام 2023، إلى ثماني ولايات في 11 عملية، ما يفوق بكثير الأعداد المسجّلة في السنوات السابقة (تشمل أرقام الفدرالية عمليات الإرجاع الرسمية والطوعية معاً). وقد بلغ عدد القطع التي أرجعتها سويسرا حتى عام 2023، 6841 قطعةً.
وفضلا عن ذلك، توجد عمليات إعادة خاصة، لم تسجّلها مؤسسة باراجا مطلقاً، وذلك حين تنظّم المتاحف مثلا عمليات الإسترجاع بنفسها، أو حين يرجع الأفراد بعض القطع خوفا من المساءلة بسبب اقتنائها، أو خوفاً من الوقوع تحت طائلة القانون.
تأثير جدل ما بعد الاستعمار
يُعد المثال المذكور، حدثا استثنائيا لسبب خاص، وهو أن المالكة سيدة متقدمة في العمر، ورِثَت المجموعة، ولا رغبة لها في توريثها، أو القدرة على ذلك. ولا تتوفر تفاصيل إضافيّة عنها، بل ظلّ الرأي العام يجهل هويتها. وقالت باراغا: “يتصل بنا البعض دائما، ليعرف ما الذي ينبغي فعله بتلك المقتنيات”، إما لعدم وجود ورثة، أو لعدم اهتمام الورثة بها.
كما توجد فئة أخرى ورِثَت مثل هذه القطع، لكنّها لا ترغب في الاحتفاظ بها. تقول باراغا: “إما لغياب الوعي بقيمتها، أو لمبرّر أخلاقي”.
عموما، يكون الحصول على القطع بشكل قانوني، ولكن يكون ذلك أحيانا، في ظل ظروف تعتبر الآن شائكة.
ويزداد بالإضافة إلى ذلك، اهتمام الدول حول العالم بتراثها الثقافي. فقد كثفت دول أمريكا اللاتينية، والدول الأفريقية بصفة خاصة جهودها. فتقول باراغا: “هناك زخم كبير”.
تضع الدول استراتيجيات للاستعادة
سُلِّمَت أغلب قطع تلك المجموعة للسفارة المكسيكية في برن، التي أحالت بدورها القطع الـ 24 إلى المعهد الوطني للأنثروبولوجيا والتاريخ، المسؤول عن البحث عن تراث المكسيك الثقافي، والحفاظ عليه.
وقد انطلقت حملة “تراثي ليس للبيع، بل للحب والحماية”، في ظل حكم الرئيس المنتهية ولايته، أندريه مانويل لوبيز أوبرادور.
وكتبت السفارة المكسيكية رداً على سؤالنا: تعكس هذه الحملة التزام الحكومة آنذاك، باستعادة “التراث الثقافي، ومنع المزادات، والتجارة غير القانونية بقطعه، كما تسعى للتعاون مع المجتمع الدولي لحمايته”.
وقد أعيدت في السنوات الخمس الأخيرة وحدها، 13500 قطعة أثرية وتاريخية، من جميع أنحاء العالم إلى المكسيك.
كما تنتهج كولومبيا نهجاً مشابهاً، إذ حصلت على قطع من المجموعة السويسرية. فيُعدّ المعهد الكولومبي للأنثروبولوجيا والتاريخ، بدوره مؤسسة مركزية في الاضطلاع بدراسة القطع الأثرية المُستَرَدَّة، والحفاظ عليها.
وأخبرتنا السفارة الكولومبية في سويسرا، بتسجيل زيادة في استرداد القطع الأثرية خلال العامين الماضيين، خاصةً منذ أن تولّى غوستافو بيترو الحكم عام 2022، وأعاد المزيد من القطع.
لكن توفّر الإطار القانوني فعلا منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، ووضع نُصب عينيه الحيلولة دون التجارة غير القانونية بالتراث الثقافي، ومكافحتها.
ويُتوقّع أن تزداد عمليات الإعادة هذه في سويسرا، سواء شخصيا، أو طوعيا، ولكن نادرا ما تبلغ حجماً يضاهي حجم هذه المجموعة.
على أية حال، فقد ترسّخ التعاون بين السلطات السويسرية، وبين البلدان المعنية. وقد كتبت وزارة الثقافة الفدرالية، أن هذا الانخراط يؤكد “الإسهام في الحفاظ على تراث الإنسانيّة الثقافي”. .
swissinfo