قصّةَ أغرب تتويج!
ترجمة: موسى آشرشور
مراجعة: أمل المكي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_في كل عام، تُكافئ جوائز إيغ نوبل أبحاثاً علمية أصيلة “تدعو للضحك والتفكير معاً”. في حديث مع سويس إنفو، يكشف ليفين أ. شينك، السويسري الحائز على جائزة إيغ نوبل في الطب لعام 2024، عن الأهمية التي تكتسيها أبحاثه.
قد تأتي أغرب الاكتشافات العلمية من حيث لا يتوقعها أحد. فقد مُنحت جائزة الكيمياء لسنة 2024، لفريق بحث فرنسي هولندي استخدم الفصل اللّوني (أو التفريق اللّوني)، أي ما يسمّى الكروماتوغرافيا، لفصل الديدان الثملة عن الديدان الصاحية. أمّا جائزة علم وظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا)، فقد مُنحت للدراسة اليابانية الأمريكية التي أثبتت قدرة العديد من الثدييات على التنفس من خلال فتحة الشرج. وفاز فريقٌ أمريكي نجح في إظهار قدرات سمك السلمون المرقط الميت في السباحة بجائزة الفيزياء.
لا نتحدّث طبعا عن جائزة نوبل، بل عن جائزة إيغ نوبل، الاحتفال السنوي بأغرب الأبحاث وأطرفها من جميع أنحاء العالم، الدالّة على أن أسرة البحث العلمي المعروفة بجدّيتها وصرامتها نفسها، لا تتعفّف من المزح بأبحاثها من وقت لآخر.
وقد تبدو قائمة الأبحاث المتوّجة تافهة، إلا أنها، في الحقيقة، أبعد ما تكون عن التفاهة. إذ تُمنح أغلب جوائز إيغ نوبل لمقالات علمية مُحكمة، وتخضع لتقييم مختصّ في المجال. وتتميّز مع ذلك، بطرافتها الداعية إلى الضحك والتسلية، أو بالأحرى، كما جاء في موقع “إمبروببل ريسرش”(Improbable Research): ” تضحكك… ثم بعد ذلك تحثّك على التفكير.”
وينطبق ذلك تمامًا على جائزة إيغ نوبل في الطب لهذا العام، التي مُنحت لبحثرابط خارجي “أثبت أن الأدوية المزيّفة المسبّبة لآثار جانبية مؤلمة، أكثر فعالية من الأدوية المزيّفة التي لا تسبّب “آثارًا جانبية مؤلمة”.
نشر فريقٌ من المركز الطبي الجامعي بهامبورغ إيبندورف في ألمانيا نتائج هذه الدراسة. ويعتبر ليفين أ. شينك، أحد أعضائه، آخِرَ سويسري حصل على جائزة إيغ نوبل.
التقت سويس إنفو (SWI swissinf.ch) بشينك، وسألته عن موقفه من هذه الجائزة الطريفة، وعن موضوع دراسته المتوّجة.رابط خارجي
سويس إنفو: كيف كانت ردّة فعلك أنت وفريقك على خبر الإعلان عن فوزك بجائزة إيغ نوبل؟ هل كانت مفاجأة لك؟
ليفين أ. شينك: تفاجأت كثيرا. إذ لم أفكّر فيها، ولم يخطر ببالي أن أفوز بها يوماً. فلا تكترث هذه الجائزة أصلا بجودة الأبحاث المنجزة، وإن كانت بعض الأعمال المتوّجة في الماضي جيّدة جدًا، بل ممتازة وفعّالة.
أعتقد أنّ فوزنا بالجائزة يعود لاشتغالنا على موضوع يبدو للوهلة الأولى غير بديهي. لكنه ليس كذلك في مجال الدراسات المتعلقة بالتأثيرات غير الدوائية، وتعديل شدة الألم، وتأثير الدواء الوهمي.
لكن تفاجأ بقيّة أفراد الفريق أيضا. وأعتقد أن جائزة إيغ نوبل في الماضي، كانت أشبه بجائزة “مزاح”، لكن أعيدت صياغتها فأصبحت تكافئ الأبحاث المضحكة في البداية، ثم تحثّ على التفكير بعد ذلك. وقد تباينت ردود الفعل داخل الفريق بين القول: “لست مقتنعًا بذلك”، وبين الفرحة الكبيرة.
ألا يساعد الفوز بجائزة إيغ نوبل على التعريف بالأبحاث؟
نعم بالتأكيد. سيسلّط الأمر الضوء على أبحاثنا، ويسعدني ذلك لاعتقادي أنها دراسة جيّدة، وصالحة، تلقي الضوء على الجانب السريسريّ تجربةً وممارسة.
ومع ذلك، ونظرًا لأن هذه الجائزة هزلية، نخشى ألا يُؤخذ الجانب العلمي على محمل الجد، فقد يراها البعض مجرّد مزحة. ولكن حلّت الشهرة، وآمل أن يفهم الناس أهمية هذه الدراسة الكبيرة، وإن كان الموضوع غير بديهي.
هل يمكنك أن تشرح لنا بإيجاز محتوى أبحاثك ونتائجها؟
تمثّل مشروعنا في دراسة تأثير آثار الدواء الجانبية على توقعّات المريض المتعلّقة بالعلاج، التي يمكن أن تكون بدورها مؤثّرة في رؤية المريض للألم. أي أردنا فهم تأثير الآثار الجانبية على تأثير الدواء الوهمي، وتحديد الآليات السيكولوجية والعصبية التي تحرّكه.
فأعطينا مجموعة من المرضى (كانت مقتنعة بأنها ستتلقى بخاخاً مخدّراً للأنف)، دواءً وهميًا ليس له أي آثار جانبية، ثم أعطيناها دواءً آخر له تأثير جانبي (إحساس طفيف بالحرقان). وبعد التعرّض لمحفزّات مؤلمة تجريبية، أحسّت المجموعة بألم أقلّ عندما تلقت العلاج الوهمي ذي الآثار الجانبية.
وبالاستناد إلى التصوير بالرنين المغناطيسي أيضًا، لم نستبعد حصول هذا التأثير عن طريق نظام التعديل التنازلي للألم، الذي يُفعّل أثناء التسكّين الوهمي.
سويس إنفو: ما هي الآثار التي يمكن أن تترتب عن أبحاثك؟
[للتحقّق من أن آثار العلاج غير ناتجة عن تأثير الدواء الوهمي]، يُعطى الدواء المُراد اختباره لمجموعة من المرضى عادة خلال التجارب السريرية، في حين تتلقى أخرى علاجًا وهميًا ليس له في العادة آثار جانبية. وتشير دراستنا إلى التأثير السلبي الممكن في نتائج الاختبارات.
ولا يعرف الطاقم الطبي والمرضى ما إذا كان الدواء حقيقيًا، أم علاجًا وهميًا. ومع ذلك، يدرك الطاقم الطبي تمامًا الآثار الجانبية المحتملة، كما يُشرح ذلك للمرضى.
وتدرك مجموعة المرضى عند وقوع هذه الآثار الجانبية، فجأة أنّ الدواء الذي تتناوله حقيقي، ما قد يسبّب تأثيرا وهميا أكبر، في حين يتقلّص تأثير الدواء الوهمي عندما لا تحدث آثارٌ جانبية.
تبيّن دراستنا أنّ في هذه الحالات، يمكن أن يختلف تأثير العلاج الوهمي في المجموعتين حتّى لن يكون تقدير فعالية العلاج ممكنا.
سويس إنفو: فهل ينبغي إذن أن تتغيّر الممارسة؟
ل.س: أعتقد أنه عند اختبار علاج له آثار جانبية محدّدة، وواضحة جداً، ينبغي التأكد من أن الدواء الوهمي يسبّب تلك الآثار أيضًا، من أجل إزالة اختلافات الإدراك بين المجموعتين.
وتوجد طرقٌ مختلفة للتعامل مع هذه المشكلة دون شكّ. لكن تكتفي دراستنا بتسليط الضوء عليها إلى حدّ هذه الساعة.
swissinfo