مراجعة عام من الحرب: أهداف نتنياهو بين النجاح والفشل

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_في السابع من أكتوبر، قبل عام بالتمام، شنت حركة حماس هجوما مباغتا على جنوب إسرائيل، مما قلب موازين الأوضاع وأعاد إلى الواجهة تهديدا قديما-جديدا على حدودها الجنوبية. ردا على هذا التصعيد، أعلنت القيادة الإسرائيلية عن بدء عملية عسكرية شاملة أطلقت عليها اسم “السيوف الحديدية”.

لكن سرعان ما تحولت هذه العملية إلى حرب شاملة ضد قطاع غزة والفلسطينيين، أسفرت عن مقتل أكثر من 41 ألف شخص، أغلبهم من النساء والأطفال، بحسب أحدث إحصاءات وزارة الصحة في القطاع.

وتوسعت رقعة المواجهات لاحقا لتشمل جبهات أخرى، ما أدخل المنطقة في دوامة من الفوضى والدمار التي لا تزال متواصلة حتى اليوم، دون ظهور أي بوادر لنهاية قريبة. هذا التصعيد المتواصل يهدد بإشعال حرب شاملة في الشرق الأوسط، قد تكون عواقبها وخيمة على المنطقة بأكملها.

وردا على هجوم “طوفان الأقصى”، صعد الجيش الإسرائيلي من عملياته بشن واحدة من أعنف الحروب في تاريخ المنطقة، حيث استخدم قواته البرية والجوية والبحرية في هجمات مكثفة استهدفت مناطق متعددة في قطاع غزة، الذي يعيش فيه أكثر من مليوني نسمة تحت حصار خانق منذ عام 2006. هذا القطاع، المنكوب أصلا، تعرض لقصف متواصل زاد من معاناة سكانه الذين يعيشون في ظروف إنسانية قاسية.

وفي خضم تلك الأحداث، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معلنا قائمة بأهداف إسرائيل في الحرب، مؤكدا أن الفصائل الفلسطينية قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وأن العمليات العسكرية لن تتوقف حتى تتحقق هذه الأهداف. ورغم مرور عام على بدء الحرب، تبدو تلك الأهداف بعيدة المنال. 

ومع ذلك، يواصل نتنياهو تمسكه بموقفه، مصرا في كل ظهور له على مدار العام، أن إسرائيل ستنتصر على ما وصفه بـ “محور الشر” الذي تقوده إيران، ويمتد تأثيره من فلسطين إلى لبنان، اليمن، سوريا، والعراق.

في هذا المقال، سنتناول الأهداف التي أعلن عنها نتنياهو مع بداية الحرب على غزة، وسنستعرض ما تحقق منها وما لم يتحقق حتى الآن:

القضاء على حماس

كان الهدف الأساسي لنتنياهو هو تدمير البنية التحتية لحماس والقضاء على قدراتها العسكرية، بما في ذلك شبكات الأنفاق وترسانتها الصاروخية. كما سعت إسرائيل إلى اغتيال قادة الحركة، بدءا من رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية ، ورئيس الحركة في غزة يحيى السنوار، وصولا إلى قائد الجناح العسكري، محمد الضيف، وغيرهم من القياديين البارزين.

الهدف من هذه العمليات كان إنهاء التهديد المستمر الذي تمثله حماس وضمان عدم قدرتها على تشكيل خطر أمني على إسرائيل في المستقبل.

تحرير الأسرى الإسرائيليين

الهدف الثاني لنتنياهو بعد تدمير حماس كان تحرير الرهائن الذين أسرتهم الحركة والفصائل الفلسطينية الأخرى خلال عملية “طوفان الأقصى” وتم نقلهم إلى غزة.

وكانت هذه الغاية تمثل أحد أبرز التحديات الملحة والضاغطة على رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته طوال فترة الحرب، حيث شكل تحرير هؤلاء الأسرى أولوية قصوى لإسرائيل في ظل الضغوط المحلية والدولية.

تعزيز الردع الإسرائيلي
ثالثا، سعى نتنياهو إلى استعادة قوة الردع الإسرائيلية باستخدام القوة العسكرية ضد حماس، بهدف تحذير أعداء إسرائيل الإقليميين، مثل حزب الله وإيران، وضمان أمن تل أبيب على المدى البعيد.

كما أراد من خلال هذه الحرب إرسال رسالة واضحة إلى كل من يهدد استقرار إسرائيل، مفادها أن أي تهديد سيقابل برد حازم وقوي، لضمان الأمن والاستقرار في المستقبل.

عودة سكان الشمال إلى منازلهم
كل ذلك كان قبل أن يعلن نتنياهو في سبتمبر عن توسيع الأهداف المعلنة للحرب، لتشمل تمكين سكان الشمال من العودة إلى منازلهم، بعد أن هجروا بسبب قرار حزب الله دعم حماس وفتح جبهة شمالية ضد إسرائيل في الثامن من أكتوبر الماضي.

ورغم التحذيرات الأمريكية من مخاطر توسيع الحرب، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي إضافة هذا الهدف، في محاولة لاستعادة الاستقرار في المناطق الشمالية المتأثرة بالتصعيد العسكري مع حزب الله.

ما الذي تحقق من هذه الأهداف؟
تدمير البنية التحتية لحماس
على مدار الاثني عشر شهرا الماضية، استمر الجيش الإسرائيلي في تنفيذ ضربات جوية وبرية وبحرية مكثفة ضد قطاع غزة، مستهدفا مواقع تابعة لحركة حماس ومنشآت مدنية مثل المستشفيات والمدارس بذريعة وجود عناصر مسلحة، وهاجم حتى طوابير الفلسطينيين اللاهثين وراء كيس طحين.

ورغم إعلان الجيش اكتشاف العديد من الأنفاق ومخازن السلاح، إلا أن حماس والفصائل الأخرى لا تزال تواصل إطلاق الصواريخ، مما يشير إلى أن قدراتها لا تزال تشكل تهديدا حقيقيا للدولة العبرية. وهذا يدل على أن الهدف المتمثل في القضاء على حماس بعد مرور عام يعد أحد الأهداف التي فشل نتنياهو وجيشه في تحقيقها.

وعلى الرغم من عدم توفر إحصاءات دقيقة حول عدد المقاتلين الذين قضت عليهم إسرائيل خلال الحرب، أكدت وسائل الإعلام العالمية أن حركة حماس استطاعت بسرعة إعادة تنظيم صفوفها وتجنيد مقاتلين جدد.

وفقا لتحليلات مشروع التهديدات الحرجة، أشار تقرير حديث لشبكة “بي بي سي” إلى أن نصف قوات “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحماس، تمكنت من إعادة بناء قدراتها القتالية في شمال ووسط غزة.

وعلى الرغم من نجاح تل أبيب في اغتيال بعض القادة البارزين، مثل صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس في لبنان، وإسماعيل هنية في طهران، إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى يحيى السنوار وغيره من القادة المطلوبين الذين كانت قد وضعتهم على قائمة الأهداف.

أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، أن فكرة تدمير حماس هي “ذر للرماد في العيون الإسرائيلية”، مشيرا إلى أن الحركة ليست مجرد منظمة، بل فكرة راسخة في قلوب الناس. وبدوره، ذكر مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، أن القضاء على حماس يتطلب تقديم فكرة أفضل لمواجهة أفكارها.

كما أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، إلى أن هدف الحرب في “تدمير حركة حماس” لن يتحقق، موضحا أن تعهدات نتنياهو في هذا الصدد “متبجحة”، وأن الحرب تعتبر محاولة لتحقيق مصالح شخصية.

تحرير الرهائن والمحتجزين
في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2023، أدى اتفاق هدنة بين إسرائيل وحماس إلى تحرير 81 رهينة من النساء والأطفال الذين كانوا محتجزين في غزة. بالإضافة إلى ذلك، تم الإفراج عن 24 مواطنا أجنبيا، لا يحملون الجنسية الإسرائيلية.

وعلى الرغم من نجاح الجيش الإسرائيلي بالعثور على رفات 37 رهينة، وإنقاذه ثمانية آخرين أحياء، تشير التقديرات الرسمية الإسرائيلية إلى أن عدد الرهائن المتواجدين في غزة حاليا هو 101، بما في ذلك أربعة أشخاص احتجزوا كرهائن في عامي 2014 و2015.

مما يعني، أنه حتى تاريخ اليوم، لا تزال هناك مجموعة من الرهائن لم يتم تحريرهم بعد، حيث تشير المصادر الإسرائيلية الرسمية إلى أن عدد من اقتيدوا إلى غزة في السابع من أكتوبر كان 251.

تعزيز الردع
رغم النجاحات العسكرية التي حققتها، واجهت الدولة العبرية انتقادات دولية كبيرة بسبب حجم الدمار والخسائر المدنية في غزة، مما أثر سلبا على صورتها العالمية وقدرتها على تعزيز ردعها بالشكل المطلوب.

لا تزال إسرائيل تتعرض يوميا لضربات متتالية على أكثر من محور، وفشلت في العديد من المناسبات في التصدي لهذه الهجمات. كان آخرها تنفيذ إيران هجوما صاروخيا في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024، استهدف قواعد عسكرية إسرائيلية، حيث فشلت الدفاعات الجوية في صد الهجوم، مما يثير تساؤلات حول فعالية نظام الردع لتل أبيب في مواجهة التهديدات المتزايدة.

إظهار القوة السياسية
خلال الأشهر العشرة الماضية، فشل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تحسين صورته السياسية، حيث شهدت إسرائيل مظاهرات واسعة تطالبه بالاستقالة بسبب فشله في منع “كارثة السابع من أكتوبر”. أظهرت استطلاعات الرأي تراجعا ملحوظا في شعبيته، مما دفع المحتجين إلى اتهامه بالتفريط في حقوق الرهائن لأغراض شخصية.

وأشار رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت إلى أن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين يرون أن الدافع وراء توسيع الحرب بعد اتخاذ نتنياهو قرار غزو رفح هو الحفاظ على مستقبله السياسي، مشددا على أن هذا الغزو لا يصب في مصلحة إسرائيل.

في أغسطس، دعا أولمرت وزير الحرب وقادة الجيش والأجهزة الأمنية إلى الاستقالة الفورية في حال فشل جولة المفاوضات الحالية بشأن تبادل الأسرى. وعبر عن ضرورة عقد مؤتمر صحفي مشترك لإعلان عدم قدرتهم على خدمة المصالح الأخلاقية والأمنية لدولة إسرائيل في ظل القيادة الحالية.

وتوافق زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، مع هذا الرأي، موجها انتقادات لاذعة لنتنياهو، حيث اتهمه بوضع مصالحه السياسية فوق مصلحة الدولة وأمنها، مشددا على أن هذا السلوك يعكس خيانة للأمانة والثقة الممنوحة له.

كما اعتبر الوزير السابق في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس أن نتنياهو ومجلسه الوزاري غير مؤهلين لتحقيق أهدافهم، داعيا إلى ضرورة ترتيب الأمور وتحمل المسؤولية.

لكن في الأسابيع الأخيرة، استعاد نتنياهو بعض الزخم عبر تنفيذ سلسلة من الاغتيالات التي طالت عددا من قادة حزب الله، وكان أبرزها اغتيال حسن نصرالله، عدوّ إسرائيل اللدود منذ عقود. ومع ذلك، جاءت الضربة الصاروخية الإيرانية ردا على هذه الاغتيالات، مستهدفة قواعد عسكرية إسرائيلية، مما قضى على بعض النقاط التي كان يسعى نتنياهو لتسجيلها في رصيده السياسي.

إعادة السكان إلى الشمال
بعد أن أكد أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، مرارا وتكرارا رفضه فصل جبهة الشمال على جبهة جنوب إسرائيل، وأعلن استمراره في مساندة حماس والفلسطينيين “مهما كلف الأمر”، قرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو توسيع رقعة الحرب إلى لبنان.

وبدأ الجيش الإسرائيلي بشن ضربات عنيفة في مختلف أنحاء لبنان، مستهدفا بشكل خاص المناطق الشيعية التي تعتبر مؤيدة لحزب الله. وقد نفذت القوات الإسرائيلية عدة ضربات في الضاحية الجنوبية، مما أسفر عن اغتيال مسؤولين من الحزب، قبل أن تطلق عملية برية في الشمال.

ورغم فتح إسرائيل جبهة جديدة في الشمال لا تقل ضراوة عن الحرب الدائرة في غزة، لا يزال أهالي الشمال، حتى كتابة هذه السطور، بعيدين عن منازلهم، مما يدل على فشل نتنياهو في إعادتهم.

ختاما، وبعد عام كامل من الحرب، تبقى الأهداف التي أعلنها أطول رؤساء وزراء إسرائيل بقاء في السلطة بعيدة عن التحقق. وفي ظل التحديات المستمرة داخليا وخارجيا، تزداد الضغوط عليه، بينما تظل الأوضاع في غزة ولبنان مفتوحة على مزيد من التصعيد.

يورونيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post  منع الدول الأعضاء في الاتحاد من حظر استخدام مصطلحات بدائل اللحوم النباتية
Next post بروكسل في المركز التاسع للمدن الأوروبية الأكثر استدامة