“فائض القوة والعربدة امريكية اسرائيلية “
المقال الاسبوعي “زاوية حادة “
دكتور .هشام عوكل استاذ ادارة الازمات والعلاقات الدولية
في عالم يُعتبر فيه السلام “الضحية الرئيسية”، تعيش الولايات المتحدة الأمريكية في مسلسل تلفزيوني من نوع “الكوميديا السوداء”، حيث يحمل عنوان الحلقة: “أكبر تهديد هو السلام”. بينما يتسابق الجميع في الشرق الأوسط، ومعهم المطبعون العرب، في صيحاتهم المطالبة بتحقيق السلام، تصرخ الإدارة الأمريكية: “أين نحن في هذه المعادلة؟”
العلاقة بين أمريكا وإسرائيل تشبه زواجًا لا يمكن لأحدهما العيش دون الآخر، فالصراع هو ما يُبقي شعلة الحب (أو ربما الكراهية) مشتعلة. باستثناء الأزمات العالمية، يصبح خيار “العزوبية” أمرًا محفوفًا بالمخاطر. تخيلوا لو قررت الولايات المتحدة أن تأخذ يوم عطلة من الحرب، فإنها ستكون إجازة للعالم، لكن بعض الشركات الكبرى ستقدم طلبات للحصول على إعانة البطالة! وماذا سيحدث لمصانع الأسلحة؟ مشهد يُشبه مصر القديمة تتجدد بعد نجاة من لعنة الفراعنة.
الكاتب الصيني “تشوا تشين لينغ”فجر قنبلة فكرية بقوله: “التهديد الأكبر للولايات المتحدة هو السلام”. يوحي أن السلام ليس مجرد مفهوم بليغ، بل عدو يجب القضاء عليه. كأنهم يعتقدون بأن الحرب هي الحل الشامل لكل مشاكل الإنسانية. يبدو أن أمريكا لا تريد السلام فعليًا، بل تُدفن خطط الحل السلمي تحت أطنان من الأسلحة، وكأن “السلام” هو فقط دعوة لحفل ترويج الأسلحة.
الولايات المتحدة قد جعلت من الفشل فنًا محترفًا، من العراق مرورًا بالصومال وأفغانستان وصولًا إلى فيتنام، وفشل ترويض الصين وروسيا. هذا يعكس أنها في معمعة حقيقية. براعة السياسة الخارجية الأمريكية تتجلى في خلق “فوضى عالمية” تظلل بيع أسطورة “الديمقراطية العظمى” و”حقوق الإنسان”. المستفيد الوحيد من هذه الرواية دول العالم الثالث التي تبتلع الطُعم بسهولة، وآخرها الدول المطبعة.
عندما برزت الصفقة بين إيران والسعودية برعاية الصين، بدت الولايات المتحدة مذهولة وكأنها رأت وحشًا ليليًا في الغابة! عالم بلا صراعات هو كابوس كبير. بالنسبة للنزاع بين أوكرانيا وروسيا، أمريكا تريد إنهاء الصراع بحماس مماثل للحماس في ترك قط مطاردة الفأر، حيث متعة المشاهدة تفوق رغبات الحل. فيما يخص الشرق الأوسط، بالطبع ترغب بحل النزاع كما يرغب الطباخ بإشعال النار كبيرة لمدة ايام لقلي بيضة ؛ أحياناً، تبدو الفوضى هي السر الخفي في السياسة الأمريكية.
وأخيرًا، تأتي الكذبة الكبرى: وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله وحماس، بالإضافة إلى تفكيك وحدة الساحات في اليمن والعراق ولبنان وفلسطين؛ حيث يُفترض أن الفتنة الأهلية في لبنان أصبحت الحدث الأكثر ترقبًا! مع توقعات بحرب مفتوحة بلا قواعد اشتباك، يبدو أننا أمام عرض كوميدي ارتجالي مذهل، وكأننا نعيش في ذروة فوضى عالمية مصممة بحرفية عالية. الدعم الأمريكي لإسرائيل هو في الواقع إشارة إلى فائض قوة قد يؤدي إلى انفجار أكبر. أما الحلقة الأخيرة، فتنتظر فيها النتائج المرتقبة لضرب إسرائيل لإيران. إذا قررت إيران قلب الطاولة وتجديد ضرباتها لإسرائيل