أبعاد تراجع رئيس كوريا الجنوبية عن فرض حالة الطوارئ العسكرية

أسماء رفاعي

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_تراجعَ رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، في 3 ديسمبر 2024، عن فرض الأحكام العرفية في البلاد، وذلك بعد ساعات من إعلانها، وتصويت البرلمان لصالح إلغائها. ففي خطوة مفاجئة ولأول مرة منذ عام 1980، أعلن رئيس كوريا الجنوبية في خطاب متلفز فرض الأحكام العرفية، بدعوى القضاء على القوات الموالية لكوريا الشمالية وحماية النظام الدستوري في البلاد، متهماً المعارضة البرلمانية بالانحياز إلى بيونج يانج، وذلك بعد أسابيع من الجمود السياسي بشأن مشروع قانون الميزانية، إثر رفض الحزب الديمقراطي المعارض الذي يمتلك الأغلبية البرلمانية تمرير المشروع.

تقويض المعارضة

يمكن القول إن ثمة دوافع متعددة لدى الرئيس “يون سوك” لفرض الأحكام العرفية، والتي يمكن تناولها فيما يلي:

1- تراجع شعبية الرئيس الكوري الجنوبي: أشار مراقبون سياسيون بكوريا الجنوبية إلى أن قرار الرئيس “سوك” بفرض الأحكام العرفية لا يتعلق بموالاة المعارضة لكوريا الشمالية كما يزعم، وإنما تتمحور دوافع القرار حول قضايا سياسية محلية بحتة، وخاصةً انخفاض شعبية الرئيس بسبب رفضه التحقيق في العديد من شبهات الفساد والفضائح التي تورطت فيها زوجته وكبار مسؤولي إدارته، ولذا فإنه يحاول التأثير سلباً على شعبية المعارضة عبر اتهامها بالانحياز لمصالح كوريا الشمالية، ومحاولة الإطاحة بالحكومة المنتخبة دستورياً.

2- رغبة الرئيس في تقويض المعارضة: إن سيطرة المعارضة على الأغلبية البرلمانية منذ الانتخابات العامة الأخيرة تحد من قدرة “سوك” على تمرير القوانين، ولذا فإنه اضطر بصورة يائسة إلى محاولة تقويض المعارضة عبر الاعتراض على مشروعات القوانين التي تمررها عبر حق “النقض”، ولكن عجزه عن القيام بهذا الأمر تجاه قرار المعارضة بخفض الميزانيات التي قدمتها الحكومة والحزب الحاكم، والذي لا يمكن النقض عليه، فضلاً عن تحركات المعارضة لعزل بعض أعضاء مجلس الوزراء، وخاصة رئيس هيئة التدقيق الحكومية، لفشلهم في التحقيق مع السيدة الأولى؛ دفع الرئيس للقيام بخطوة استباقية للقضاء على المعارضة، مع إعلان الجيش تعليق جميع الأنشطة البرلمانية، ومنع أعضاء البرلمان من الوصول إلى المبنى.

3- اتهام الرئيس للمعارضة بمحاولة عزله: أشار الرئيس “سوك” إلى أنه تم تقديم 22 اقتراحاً لعزل مسؤولين حكوميين منذ تنصيبه في مايو عام 2022، مع سعي المعارضة للمرة العاشرة إلى عزله من منصبه منذ انعقاد الجمعية الوطنية الثانية والعشرين في يونيو الماضي، واصفاً هذه الخطوة بأنها حالة غير مسبوقة في تاريخ البلاد والسياسة العالمية، مدعياً أن هذه الإجراءات أعاقت بشكل كبير وظيفة السلطة التنفيذية.

وفيما يتعلق بمشروع قانون الميزانية المخفضة، أكَّد “سوك” أن التخفيضات ستؤدي إلى تقويض الوظائف الأساسية للحكومة، بما في ذلك منع جرائم المخدرات وتدابير السلامة العامة، ما يهدد السلامة العامة في البلاد. واتهم الرئيس الحزب الديمقراطي المعارض باستخدام مشاريع قوانين الميزانية وطلبات العزل كأداة سياسية لحماية زعيمه “لي جيه-ميونج” من الملاحقة القضائية، حيث يواجه لي عدة محاكمات.

4- الزعم بمكافحة التهديدات الشيوعية: ادعى “سوك” أن إعلان الأحكام العرفية مدفوع بمحاولة حماية بلاده من تهديد القوات الشيوعية الكورية الشمالية، والقضاء على القوات المعادية للدولة والموالية لكوريا الشمالية، لحماية حرية الدولة ونظامها الدستوري، وذلك دون أن يذكر أيه تهديدات محددة من جانب بيونج يانج، أو تحديد ماهية القوى المناهضة للدولة.

تراجع الرئيس

ينطوي فرض الأحكام العرفية لأول مرة منذ عام 1980 في كوريا الجنوبية على تداعيات خطيرة، خاصة وأن قرار الرئيس لا يحظى بقبول المعارضة أو الحزب الحاكم، وهو ما حدا بالرئيس للتراجع عنه، وذلك لتفادي السيناريو الأسوأ، والذي يتضمن ما يلي:

1- مخاوف حظر الأنشطة السياسية في كوريا الجنوبية: في أعقاب إعلان “سوك” مباشرة بفرض الأحكام العرفية، دعا وزير الدفاع “كيم يونج هيون” إلى اجتماع للقادة الرئيسيين وطلب من الجيش البقاء في حالة تأهب طارئة، كما أعلن رئيس هيئة الأركان العامة في كوريا الجنوبية الجنرال “بارك آن-سو” الذي تولى مهمة قائد الأحكام العرفية، حظر جميع الأنشطة السياسية، “بما في ذلك أنشطة الجمعية الوطنية، والمجالس المحلية، والأحزاب السياسية، والجمعيات السياسية”.

2- معضلة حدوث انشقاقات داخل الحزب الحاكم: يُنذر قرار الرئيس بفرض الأحكام العرفية بحدوث انشقاقات داخل حزب قوة الشعب الحاكم، حيث فوجئ الحزب بإعلان الرئيس، ما دفع زعيمه “هان دونج هون” لانتقاد إعلان الرئيس باعتباره “غير دستوري”، كما تعهّد بالوقوف إلى جانب الشعب في معارضة هذا القرار، ومن المرجَّح انضمام أعضاء الحزب الحاكم إلى جانب المعارضة لعزل “سوك”.

3- عدم تقويض الاستقرار السياسي في البلاد: دعا زعيم الحزب الديمقراطي المعارض “لي جاي ميونج” الذي يسيطر على الأغلبية البرلمانية جموع الشعب للتظاهر أمام الجمعية الوطنية، مؤكداً أن إعلان الأحكام العرفية “غير دستوري”، ومن شأنه تعريض اقتصاد البلاد للانهيار. واستجاب المواطنين للدعوات ونزلوا بأعداد حاشدة للاحتجاج أمام الجمعية الوطنية، وطالبوا باعتقال “سوك”، كما اندلعت اشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن في محيط الجمعية الوطنية.

ورجّح المراقبون أن الاستياء الشعبي من قرار فرض حالة الطوارئ، ومن شخصية “سوك”، كان من الممكن أن يدفع المواطنين للنزول بأعداد حاشدة، الأمر الذي سيدفع قوات الأمن لاعتقالهم أو إطلاق النار عليهم، ومن ثمّ اندلاع أعمال العنف في البلاد وتقويض استقرارها السياسي.

4- تفادي التأثيرات السلبية على الاقتصاد: انخفض الوون الكوري الجنوبي مقابل الدولار إلى أدنى مستوى له في أكثر من عامين بعد الإعلان المفاجئ للأحكام العرفية، حيث سجلت العملة الكورية الجنوبية 1430.82 وون أمام الدولار، وهو أدنى مستوى لها منذ أكتوبر 2022. وفي ظل حالة عدم اليقين بشأن مآلات الأوضاع السياسية، فمن المرجَّح أن تشهد العملة الكورية تذبذباً ملحوظاً خلال الفترة المقبلة.

5- تجنب اندلاع أزمة دستورية في البلاد: رغم منع قوات الأمن التي حاصرت مبنى الجمعية الوطنية الجميع من دخول المبنى، بيد أنها سمحت لاحقاً لأعضاء الجمعية الوطنية وغيرهم من الموظفين بالدخول؛ حيث دعا أحد زعماء المعارضة المشرعين إلى التجمع في البرلمان لعرقلة القانون، وصوت 190 عضواً من إجمالي 300 عضو (جميع الحاضرين) لإلغاء الأحكام العرفية.

وختاماً، فإن تراجع الرئيس الكوري الجنوبي عن قراره لن يؤدي إلى إصلاح الانقسام السياسي والشعبي القائم في البلاد في الوقت الحالي، خاصةً مع استمرار المعطيات التي أدت إلى تأزم الوضع كما هي، وفي ظل تنامي انتقادات المعارضة الساخطة على الرئيس الكوري الجنوبي، وبما يمكن أن يدفع بمزيد من الضبابية وعدم الاستقرار في المدى القريب إذا لم تتم معالجة جذور الأزمة وحل أزمة الثقة السياسية الحالية في البلاد.

انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، تعهد انتخابي لم يُنفذه بايدن