إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، تعهد انتخابي لم يُنفذه بايدن
حسام العسال
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_توشك ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن على الانتهاء، بدون أن يُنفذ تعهداً أطلقه خلال حملته الانتخابية في 2020، بإعادة فتح القنصلية الأمريكية للفلسطينيين في القدس التي أغلقها سلفه وخلفه الرئيس دونالد ترامب.
وشكلت القنصلية على مدى عقود، قناة اتصال بين الفلسطينيين والولايات المتحدة، وكانت منفصلة عن السفارة في تل أبيب، وتمثل الولايات المتحدة في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة.
وإضافة الى إصدار التأشيرات، فإن القنصلية كانت تنفذ سلسلة واسعة من مشاريع التواصل مع الفلسطينيين في مختلف المجالات وخاصة التعليم والتجارة والمساعدات الإنمائية.
“سأعيد فتح قنصليتنا”
في 30 أبريل/نيسان 2020، تعهد بايدن عندما كان مرشحاً بإبقاء سفارة بلاده في إسرائيل في موقعها الجديد في القدس إذا انتُخب رئيساً للولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وبذل جهود لإبقاء حلّ الدولتين قابلاً للتطبيق.
وقال بايدن حينها: “سأعيد أيضاً فتح قنصليتنا في القدس الشرقية لإجراء حوار مع الفلسطينيين، وستحثّ إدارتي الجانبين على القيام بمبادرات لإبقاء آفاق حلّ الدولتين على قيد الحياة”.
وتعارض إسرائيل إعادة فتح القنصلية للفلسطينيين في القدس، وتقترح بدلاً من ذلك أن تفتح الولايات المتحدة بعثة دبلوماسية في رام الله مقر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ 1967.
وفي تعليق على عدم إعادة فتح القنصلية، قال المستشار السياسي لوزير الخارجية الفلسطيني السفير أحمد الديك لبي بي سي: “للأسف الشديد سمعنا شعارات ومواقف متقدمة من الرئيس بايدن ولكن لم يلتزم بها ولم يطبقها، وفي مقدمة ذلك إعادة فتح القنصلية في القدس، باعتبار القدس جزءاً لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة”.
وطالب الديك الإدارة الأمريكية بـ”ترجمة مواقفها وشعاراتها إلى أفعال”، وقال إن “القدس ستبقى عاصمة دولة فلسطين الأبدية، ولا حل أو سلام بدون التعامل معها كجزء من الأرض المحتلة عام 1967″، وفق وصفه.
لماذا لم يُعاد فتح القنصلية؟
بعد استلام بايدن مهامه الرئاسية، استمرت التصريحات الرسمية في التأكيد على استمرار نوايا واشنطن في تنفيذ التعهد، لكن الخطوة قوبلت برفض إسرائيلي.
وأعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في 25 مايو/ أيار 2021، سعي بلاده لإعادة فتح قنصليتها للفلسطينيين في القدس، ورأى أنه “من المهم وجود قنصلية أمريكية في القدس للتعامل مع الفلسطينيين”.
وفي 15 يوليو/تموز 2022، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بايدن خلال تصريحات مشتركة في بيت لحم، إلى إعادة افتتاح القنصلية في القدس.
ولم تجب وزارة الخارجية الأمريكية، على استفسار بي بي سي عن أسباب عدم تنفيذ تعهد بايدن، لكن متحدث باسمها قال لبي بي سي: “نستمر في الاعتقاد بأن افتتاح قنصلية أمريكية في القدس سيكون وسيلة مهمة لبلدنا للتواصل مع الشعب الفلسطيني وتقديم الدعم له”.
ولم تعلق الوزارة على المطالبة الإسرائيلية بفتح مكتب تمثيلي في رام الله عوضاً عن القنصلية في القدس، وقال المتحدث: “لدينا فريق في القدس في المكتب الأمريكي للشؤون الفلسطينية يدير علاقتنا بالسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني”.
وقالت الباحثة في معهد نيولاينز للإستراتيجية والسياسة كارولين روز لبي بي سي إن هذا التعهد ضمن حملة بايدن، كان رسالة للناخبين الأمريكيين من أصول عربية، وعلامة على أن إدارة بايدن ستدعم حل الدولتين.
“كان وعداً انتخابياً لم يتحقق في أول عامين من إدارة بايدن، وبعد ذلك حدث هجوم السابع من أكتوبر 2023″، وفق روز.
وأشارت روز إلى تعرض بايدن بعد هجمات أكتوبر إلى ضغط داخلي لفرض تقديم مساعدة دفاعية وعسكرية مستمرة للإسرائيليين، مضيفةً: “دق ذلك المسمار الأخير في نعش أي نوع من القنصلية الأمريكية والتمثيل للقضية الفلسطينية والقدس الشرقية”.
وفي أيلول/سبتمبر 2021، وصف وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه يائير لابيد اعتزام الولايات المتحدة إعادة فتح قنصليتها في القدس بـ”الفكرة السيئة”.
ورأت روز أن “إسرائيل حاولت فعلاً قتل هذه المبادرة”، لأن وجود تمثيل مزدوج لكل من دولة إسرائيل والفلسطينيين في القدس الشرقية “يتناقض مع رغبة إسرائيل في تجنب أي نوع من حل الدولتين أو التسوية السياسية”، وخاصةً حكومة بنيامين نتنياهو.
“تعتقد (الحكومة الإسرائيلية) حقاً أن تقسيم القدس إلى قسمين ودعم حل الدولتين من شأنه أن يتناقض مع خططهم لإنشاء دولة واحدة، وكيان سياسي واحد”.
وفي 2021، في مؤتمر صحفي مشترك لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد في حينه، برر بينيت الرفض الإسرائيلي بقوله: “القدس هي عاصمة إسرائيل وحدها”.
وأضاف بينيت: “لا مكان لقنصلية أمريكية تخدم الفلسطينيين في القدس … وجرى إبلاغ واشنطن بهذا الموقف”.
وشارك لابيد بينيت الموقف، وقال: “إذا أراد الأمريكيون فتح قنصلية في رام الله، فليس لدينا مشكلة في ذلك” لكن “السيادة في القدس تعود إلى دولة واحدة هي إسرائيل”.
ولا تعتقد روز أن إدارة ترامب ستعيد فتح القنصلية لأنهم “وضعوا ثقلهم خلف نتنياهو والدولة الإسرائيلية”، بدون أن تستبعد أن يأتي ذلك في شكل صفقة سياسية أو تسوية مقترحة.
وأشارت إلى اختيار مايك هاكابي لشغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، قائلة إنهم “يعينون مسؤولين يتحركون قدماً في السياسة التي تقضي حقاً على أي فرصة لحل الدولتين”.
من هو مايك هاكابي سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل في عهد ترامب؟
وقال هاكابي في عام 2017: “لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية، إنها يهودا والسامرة. لا يوجد شيء اسمه مستوطنات، إنها مجتمعات، إنها أحياء، إنها مدن. لا يوجد شيء اسمه احتلال”.
ورأى المستشار الإعلامي في محافظة القدس معروف الرفاعي في حديث مع بي بي سي، أن ترامب أغلق القنصلية من أجل تطبيق خطة السلام الأمريكية المعروفة إعلامياً بـ”صفقة القرن”.
وكانت إدارة ترامب أوقفت أيضاً في ولايته الأولى تمويل وكالة الأونروا وأغلقت مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
تمثيل أمريكي في القدس لأكثر من قرن ونصف
يعود عمر التمثيل الدبلوماسي الأمريكي لدى الفلسطينيين من خلال القنصلية الأمريكية في القدس إلى أكثر من 165 عاماً.
كانت المحاولة الأولى في 1844، حينما عُين قنصل أمريكي في القدس، لكن التعيين أُلغي من قبل وزير الخارجية فيما كان القنصل يبحر باتجاه القدس.
وفي 1857، أسست الولايات المتحدة وجوداً قنصلياً دائماً في مبنى داخل باب الخليل في البلدة القديمة في القدس، ويضم المبنى حالياً مركز الدراسات المسيحية السويدي.
ففي 25 مارس/آذار 1857، تولى جيه وارن جورهام مهام كقنصل، بعد الحصول على اعتماد دبلوماسي رسمي من العثمانيين لبعثته كقنصلية تابعة للمفوضية الأمريكية في القسطنطينية التي تسمى الآن إسطنبول.
وكان المكان الأصلي للقنصلية الأمريكية عبارة عن مبنى كبير في المدينة القديمة، داخل باب الخليل.
توضح الصورة أدناه العائدة إلى عام 1882 مبنى القنصلية الموجود على اليسار ويرفرف فوقها العلم الأمريكي، مقابل “قلعة القدس” التي تعرف حالياً بـ”برج داوود”.
وفي 1868، أنشأ المبشر الألماني فرديناند فستر مبنى القنصلية الأمريكية الحالي، وهو مبنى من طابقين.
وفي أواخر القرن التاسع عشر، نُقلت البعثة الأمريكية إلى موقع آخر في “شارع الأنبياء”، خارج البلدة القديمة في القدس.
وفي عام 1912، نُقل مقر القنصلية إلى الموقع الأخير في 18 شارع أغرون في القدس، وفي 1930 اشترت الولايات المتحدة المبنى الحالي للقنصلية.
وبعد حرب عام 1948 وإعلان تأسيس دولة إسرائيل، أنشأت الولايات المتحدة سفارتها لدى إسرائيل في تل أبيب، وبقيت القنصلية الأمريكية العامة في شارع أغرون في القدس.
وخلال الفترة الواقعة بين 1948 و1967، كان الدبلوماسيون الأمريكيون يتنقلون بشكل يومي بين مقر القنصلية في القدس، وملحق يتبع القنصلية على طريق نابلس في القدس الشرقية التي لم تكن محتلة بعد.
وفي 2006، وسعت القنصلية الأمريكية في القدس وجودها شرقاً على طول طريق أغرون، واستأجرت دير مجمع الإرسالية والذي يعود وجوده إلى 1866.
وبعد اعتراف ترامب في 6 ديسمبر/كانون الأول 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل، نُقلت السفارة الأمريكية في 14 مايو/أيار 2018 إلى 14 شارع ديفيد فلوسر في القدس.
وفي 3 مارس/آذار 2019 قررت إدارة ترامب “دمج” السفارة الأمريكية في القدس والقنصلية الأمريكية العامة في القدس.
كُلفت وحدة الشؤون الفلسطينية في السفارة الأمريكية بعمليات إعداد التقارير والتواصل في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك مع الفلسطينيين في القدس.
وغيّرت الولايات المتحدة خلال عهد بايدن اسم “وحدة الشؤون الفلسطينية” إلى “المكتب الأمريكي للشؤون الفلسطينية”، بدون تعريف المكتب على أنه قنصلية.
ماذا تعني القنصلية للفلسطينيين؟
رأى الرفاعي، أن وجود القنصلية الأمريكية في القدس يعد موقفاً سياسياً، وقال إن “القنصلية الأمريكية في القدس موجودة قبل الاحتلال. موجودة منذ العهد الإنجليزي”.
وأوضح أن الفلسطينيين نظروا إلى اعتراف ترامب بالقدس بشطريها الشرقي والغربي، كعاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إلى القدس على أنه “هجوم على الفلسطينيين وعلى قضيتهم العادلة، وتحيز من قبل إدارة ترامب إلى الاحتلال”.
ورأى الرفاعي في خطوة ترامب “اعتداء” على القانون الدولي والقرارات الدولية التي تعد القدس الشرقية مدينة محتلة، وليست مدينة إسرائيلية.
“وجود القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، بالنسبة لنا قضية سياسية واعتراف من الولايات المتحدة بأن القدس الشرقية مدينة واقعة تحت الاحتلال”، كما يقول الرفاعي.
وتحدث الرفاعي عن تقديم القنصلية، خدمات كبيرة للفلسطينيين في ظل وجود جالية كبيرة من الفلسطينيين تعيش في الولايات المتحدة، والكثير من الرعايا الأمريكيين من أصول فلسطينية.
وقال الرفاعي إن المكتب الأمريكي للشؤون الفلسطينية “قد يفي بالغرض”، بالنسبة للخدمات الإجرائية.
“كنا نرجو ونأمل من إدارة بايدن أن تصحح الخطأ التاريخي والقانوني الذي قامت به إدارة ترامب بإغلاق القنصلية الأمريكية في القدس”.
قالت روز لبي بي سي، إن القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية تعني للفلسطينيين “التمثيل”، وتُظهر أن الولايات المتحدة ستستثمر في رؤية تسمح بالتمثيل المزدوج واحتمال وجود حل الدولتين في المستقبل.
ورأت أن عدم وجود حل الدولتين في القدس الشرقية يشير إلى أن الولايات المتحدة لا تضع دعمها السياسي أو أي نوع من الاستثمار في حل الدولتين.
bbc