جب الثقة عن الحكومة الفرنسية يجسد اخفاق ماكرون

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_تلقى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد ساعات من عودته من السعودية، ضربة موجعة بعد نجاح نواب البرلمان الفرنسي في حجب الثقة عن حكومة ميشال بارنييه، الذي اختاره ماكرون لقيادتها قبل ثلاثة أشهر فقط، وهو حدث لم يتكرر في فرنسا منذ أكثر من 60 عاماً.

فقد اتحد نواب من أقصى اليمين واليسار، مساء الأربعاء 4 ديسمبر/كانون الأول 2024، لدعم اقتراح حجب الثقة عن رئيس الوزراء ميشال بارنييه وحكومته، بأغلبية 331 صوتاً من أصل 574، وذلك بعد نقاشات لم تدم أكثر من ثلاث ساعات ونصف كانت كافية لإدخال فرنسا في أزمة جديدة.

بمجرد الإعلان عن حجب الثقة عن الحكومة الفرنسية، توجهت الأنظار إلى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي كان عائداً لتوه من زيارة دولة إلى السعودية، وحمل سياسيون الرئيس المسؤولية عن الأزمة السياسية، وطالب بعضهم ماكرون بالاستقالة.

لماذا أُسقطت حكومة ميشال بارنييه؟

أسقط نواب المعارضة الفرنسية حكومة ميشال بارنييه المدعومة من قبل الرئيس ماكرون، وهو ما كان له انعكاسات مباشرة داخلياً وخارجياً. وقالت وكالة “رويترز” إن حجب الثقة عن الحكومة دفع ثاني أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي إلى أزمة سياسية أعمق تهدد قدرتها على التشريع والسيطرة على عجز ضخم في الميزانية.

واتحد نواب من أقصى اليمين واليسار لدعم اقتراح حجب الثقة عن رئيس الوزراء ميشال بارنييه وحكومته، بأغلبية 331 صوتاً من أصل 574. ومن المتوقع أن يقدم بارنييه، في وقت لاحق الخميس 5 ديسمبر/كانون الأول، استقالته واستقالة حكومته للرئيس إيمانويل ماكرون، وهي استقالة تبقى شكلية بعد حجب البرلمان ثقته عنها.

بارنييه، المفوض الأوروبي السابق البالغ من العمر 73 عاماً، ودّع بالفعل البرلمانيين في خطاب “ملؤه الحزن والمرارة”، وودّع وزراءه الذين جمعهم في قصر ماتينيون لشكرهم. وقال وزير الداخلية المستقيل، برونو روتايو: “لقد كان شديد الكرامة”، وفق ما ذكرته وسائل إعلام محلية.

كانت مهمة السياسي القادم من سافوا، كرئيس لحكومة بلا أغلبية، تحت رحمة حزب التجمع الوطني (RN)، مهمة محفوفة بالمخاطر، بل شبه مستحيلة. وقال النائب عن حزب الجمهوريين أنطوان ماركيز: “في مواجهة قوى الفوضى، كان من الصعب أن يجسد المرء قوى الأمل”.

ولم تخسر أي حكومة فرنسية اقتراع حجب ثقة منذ 1962. وبدا أن فرنسا تخاطر بإنهاء السنة دون حكومة مستقرة وبلا إقرار لميزانية 2025، لكن الدستور يسمح بإجراءات خاصة لتجنب إغلاق حكومي على غرار ما يحدث في الولايات المتحدة.

ومن شأن الأزمة السياسية في فرنسا أن تزيد من ضعف الاتحاد الأوروبي، الذي يعاني بالفعل من انهيار الحكومة الائتلافية في ألمانيا، وذلك قبل أسابيع من عودة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض.

وعاقبت أحزاب اليسار الفرنسي واليمين المتطرف ميشال بارنييه، على لجوئه إلى استخدام صلاحيات دستورية خاصة لتمرير جزء من الموازنة العامة لعام 2025، التي لم تحظَ بالتأييد، وسعت إلى توفير 60 مليار يورو لتقليص العجز.

“إخفاق مأساوي” للرئيس ماكرون

عجّل الرئيس إيمانويل ماكرون بالأزمة السياسية عندما دعا لإجراء انتخابات مبكرة في يونيو/حزيران 2024، أسفرت عن برلمان منقسم يتسم بالاستقطاب الحاد، وفشل حزبه في الحصول على المركز الأول، فيما رفض تعيين رئيس حكومة من تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري الذي تصدر نتائج الانتخابات البرلمانية.

وقالت صحيفة “Le Monde” الفرنسية، الخميس 5 ديسمبر/كانون الأول 2024، في تقرير لها، إن حجب الثقة عن حكومة بارنييه كان بمثابة “إخفاق مأساوي” لإيمانويل ماكرون، الذي لم يتوقف عن تبرير قراره بحل البرلمان في 9 يونيو/حزيران، بالحرص على تجنب سقوط حكومته في “الخريف أثناء مناقشة الميزانية”.

من جهتها، قالت زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، إن انهيار الحكومة “هو السبيل الوحيد الذي يتيحه لنا الدستور لحماية الفرنسيين من موازنة خطرة وغير عادلة، بل وعقابية”، وأضافت: “إن الضغوط تتزايد الآن على ماكرون”، لكن زعيمة اليمين المتطرف تجنبت دعوة ماكرون لتقديم استقالته، واكتفت بالقول في تصريحات صحفية إن “له القول الفصل في ذلك”.

كما طالب اليسار المتشدد في فرنسا الرئيس ماكرون بالاستقالة والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة بعد الإطاحة بحكومة ميشال بارنييه. إلا أن مصير ماكرون، الذي تستمر ولايته حتى عام 2027، غير مرتبط دستورياً بحجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء.

لكن ماكرون كان له رأي آخر. ووفقاً لما ذكرته صحيفة “Le Monde”، أكد الرئيس الفرنسي من السعودية أنه لا يشعر بأي ندم، معترفاً بأنه أراد “إعادة الصوت إلى الشعب” ووضع “المسؤولية” عن الوضع على عاتق “الشعب الفرنسي” الذي صوت في 30 يونيو/حزيران و7 يوليو/تموز 2024.

ولطالما رفض ماكرون أن يكون له دور في إفشال العملية التي قام بها. وأعلن بين جولتي الانتخابات التشريعية أنه “في مساء الجولة الثانية، لن يكون هناك خطأ على الإطلاق”، بينما كانت احتمالية فوز حزب الجبهة الوطنية في 7 يوليو تلوح في الأفق، قبل أن يتم تجنبها بفضل “الجبهة الجمهورية”.

استقالة ماكرون مطلب قديم

المطالبات باستقالة ماكرون لم تكن وليدة إسقاط حكومة بارنييه، إذ تكررت الدعوات إلى تنحيته مراراً، حتى قبل انتخابه لولاية ثانية تستمر حتى عام 2027، بسبب الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عاشتها فرنسا خلال السنوات الأخيرة.

إذ أن خطة ماكرون لإصلاح المعاشات التقاعدية، التي كانت تهدف إلى رفع سن التقاعد وتبسيط نظام المعاشات، قوبلت بمعارضة واسعة. وتسببت في اندلاع احتجاجات وإضرابات في جميع أنحاء فرنسا في عام 2023، مما أدى إلى مطالبات باستقالته من قادة النقابات والأحزاب السياسية اليسارية. 

وفي صيف 2023، اندلعت احتجاجات في جميع أنحاء البلاد بعد مقتل الشرطة لنايل مرزوق، شاب في السابعة عشرة من عمره من أصل جزائري، وأظهرت الاضطرابات قضايا مثل عنف الشرطة، وعدم المساواة، والاضطرابات الاجتماعية في الأحياء الفقيرة. 

ووجه بعض المحتجين اللوم إلى ماكرون لفشله في معالجة هذه القضايا النظامية بشكل كافٍ، مما أدى إلى زيادة المطالبات باستقالته.

كما ساهمت التحديات الاقتصادية في فرنسا، بما في ذلك التضخم، وارتفاع معدلات البطالة، وتكاليف المعيشة، في زيادة السخط تجاه قيادة ماكرون، وانتقده البعض بسبب السياسات الاقتصادية التي يعتبرونها تصب في مصلحة الأثرياء وتفاقم الفوارق الاقتصادية، مما زاد من الاستياء عبر البلاد.

وعبر معارضون سياسيون مختلفون، خصوصًا من اليمين المتطرف واليسار المتطرف، عن مطالباتهم باستقالة ماكرون. 

وكانت مارين لو بن، زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، من أبرز المنتقدين، حيث اتهمت ماكرون بالتقصير واتخاذ قرارات سيئة. كما انتقد جان-لوك ميلينشون، زعيم حزب فرنسا المتمردة اليساري، ماكرون، متهما إياه بالانفصال عن مشاكل المواطنين العاديين.

من سيخلف ميشال بارنييه؟

قالت ثلاثة مصادر لوكالة “رويترز” إن ماكرون يعتزم تعيين رئيس جديد للوزراء بسرعة. وقال أحدهم إنه يريد تسمية شخص جديد قبل الاحتفال بإعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام يوم السبت 7 ديسمبر/كانون الأول 2024، والذي سيحضره دونالد ترامب.

وسيواجه أي رئيس جديد للوزراء يختاره ماكرون نفس التحديات التي قابلت ميشال بارنييه لإقرار تشريعات وموازنة في برلمان منقسم. ولا يمكن إجراء انتخابات برلمانية جديدة في فرنسا قبل شهر يوليو/تموز 2025.

وحسب وكالة “رويترز” فإن الخيار الآخر المتاح لإيمانويل ماكرون هو أن يطلب من بارنييه وحكومته البقاء بصلاحيات تصريف الأعمال ليتيح لنفسه وقتاً لاختيار رئيس وزراء قادر على كسب دعم كاف من أغلب الأحزاب لإقرار التشريعات.

لكن حسب صحيفة “Le Figaro” فإن هناك أسماء مرشحة لتولي منصب رئيس الوزراء، مثل رئيس الحركة الديمقراطية، الحليف الأبدي لماكرون، وقالت الصحيفة إنه “يتنافس أكثر من أي وقت مضى للفوز بالمنصب إذا أصبح الكرسي متاحاً”.

كما يبرز اسم، سيباستيان ليكورنو، الذي حافظ على تواجده في الحكومات المتعاقبة منذ عام 2017، حتى وصوله إلى المنصب المرموق لوزير القوات المسلحة. ويتمتع ليكورنو، الذي أعاد ميشال بارنييه تعيينه، بميزة تقديره من قبل الكثيرين.

كما ظهر اسم، رولاند لوسكير، الذي رغم أنه غير معروف لعامة الناس، إلا أن له نفوذاً كبيراً في البرلمان، وهو نفوذ ينوي استغلاله لتجاوز الانقسامات التي تميز المشهد السياسي الفرنسي خاصة على مستوى البرلمان.

عربي بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post اختتام أعمال الجمعية العامة الـ16 للمنظمة الأفريقية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة “الأفروساي” 
Next post عاهدة أمنية جديدة بين روسيا وبيلاروس