كيف يؤثر تشكيل إدارة ترامب الجديدة على العلاقات التركية الأمريكية؟
ميرال حسين
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_على الرغم من أنه مع إعلان الولايات المتحدة فوز الرئيس المنتخب “دونالد ترامب” في الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر 2024م، انتشرت حالة من التفاؤل في الأوساط التركية؛ حيث سرعان ما قام الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بتهنئة الرئيس المنتخب واصفاً إياه بالــ”صديق”؛ إلا أنه مع بداية ظهور ملامح الإدارة الأمريكية الجديدة بإعلان أسماء لا تحظى كثيراً بقبول الجانب التركي، سرعان ما تراجعت حالة التفاؤل، حيث يحمل الكثير من أعضاء الإدارة الجديدة توجهات سلبية ومعادية للممارسات التركية. وبالتالي، تقف الآن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا عند مفترق طرق؛ حيث برزت تساؤلات حول: إلى أي مدى يمكن للتوجهات السلبية لأعضاء إدارة “ترامب” تجاه تركيا، والقضايا الخلافية مع أنقرة التأثير على العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، فضلاً عن فرص أنقرة لتخفيف هذه التوترات؟
قضايا خلافية
تفاجأت الإدارة التركية بأن معظم أعضاء الإدارة الجديدة يحملون توجهات سلبية تجاه تركيا، مما أدى إلى الشعور بالتوتر من مستقبل العلاقات الأمريكية-التركية، خاصةً مع سيطرة الحزب الجمهوري ليس فقط على رئاسة الولايات المتحدة، بل أيضاً على مجلسي النواب والشيوخ، وبالتالي يمكن تسليط الضوء على أبرز التوجهات السلبية لأعضاء الإدارة الجديدة، وكذلك القضايا الخلافية مع أنقرة، فيما يلي:
1- دعم إدارة ترامب لإسرائيل ورفض علاقة أنقرة بحماس: إذ يتبنى العديد من أعضاء إدارة “ترامب”، بما في ذلك أولئك الذين تم ترشيحهم لمناصب رئيسية، مواقف قوية مؤيدة لإسرائيل، والتي كانت على خلاف مع موقف تركيا بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبالتالي، وجد الرئيس “أردوغان”، الذي دعم حماس تاريخياً واستضاف بعض قادتها، نفسه على خلاف متزايد مع السياسات الأمريكية، وخاصةً فيما يتعلق بالتعامل مع حماس المصنفة أمريكياً كمنظمة إرهابية؛ حيث اعتُبر فريق ترامب، وخاصةً شخصيات مثل السيناتور ماركو روبيو (المُرشح لمنصب وزير الخارجية والمعروف بدعمه القوي لإسرائيل)، منتقدين لدعم تركيا لجماعات مثل حماس.
2- الاستياء التركي من العلاقات الأمريكية – الكردية: كانت ولا تزال إحدى أكثر النقاط المثيرة للجدل هي الدعم الأمريكي للجماعات الكردية السورية مثل وحدات حماية الشعب، والتي اعتبرتها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وهي جماعة صنفتها تركيا كمنظمة إرهابية. وبالتالي، كان تحالف الولايات المتحدة مع القوات الكردية في القتال ضد داعش مصدر إزعاج كبير لتركيا، التي سعت إلى الضغط على “ترامب”، في ولايته الأولى، لإبعاد الولايات المتحدة عن وحدات حماية الشعب. وظلت هذه القضية بمثابة نقطة اشتعال رئيسية طوال فترة حكم “ترامب”. لذلك قد يؤدي موقف مسؤولين مثل “روبيو”، أو المرشحة لمنصب مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد، بشأن سوريا ودعم ترامب للقوات الكردية إلى توتر العلاقات مع أنقرة.
3- الجدل حول امتلاك تركيا نظام إس-400: أدى شراء تركيا لنظام الدفاع الصاروخي الروسي الصنع إس-400 إلى حدوث صدع كبير. ورأت الولايات المتحدة في هذا انتهاكاً لمبادئ حلف شمال الأطلسي، وفرضت عقوبات على تركيا نتيجة لذلك، مما زاد من توتر العلاقات. بالإضافة إلى ذلك، تم استبعاد تركيا من برنامج مقاتلات إف-35، والذي كانت شريكاً رئيسياً في تطويره. أصبح هذا نقطة احتكاك رئيسية خلال فترة حكم ترامب. اللافت هنا أن روبيو، المرشح لوزارة الخارجية، كان أحد مهندسي التشريع الحزبي لعام 2019 الذي مهد الطريق لطرد تركيا من برنامج مقاتلات إف-35 وكذلك لرفع حظر الأسلحة الأمريكي المستمر منذ عقود على جمهورية قبرص.
4- المخاوف التركية من استمرار توظيف الإدارة الأمريكية أداة العقوبات: خلال السنوات الماضية دفع بعض أعضاء الإدارة الأمريكية إلى فرض عقوبات أكثر صرامة على تركيا بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان وأعمالها العسكرية في سوريا، وكذلك تعاونها الدفاعي مع روسيا، وخاصةً فيما يتعلق بشراء إس-400. وبالتالي، تظل هذه العقوبات مصدر احتكاك محتمل بين البلدين، مما يعقد المشاركة الدبلوماسية.
5- الخطابات السلبية من بعض أعضاء إدارة ترامب تجاه أردوغان: يعرف عن بعض أعضاء إدارة ترامب الجديدة استخدام خطاب سلبي حاد تجاه الرئيس التركي أردوغان. فعلى سبيل المثال، تعرف مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد، بأنها الأكثر انتقاداً لأردوغان. وفي عام 2019، اتهمت أردوغان بأنه “إسلامي متطرف” يدعم الجهاديين في سوريا، وتركزت اتهاماتها على التوغل العسكري التركي في شمال سوريا.
فرص متعددة
وعلى الرغم من تنوع القضايا الخلافية بين الجانبين الأمريكي والتركي وتعقيدات علاقاتهما، إلا أنه لا تزال هناك فرص عديدة تتمتع بها أنقرة لتخفيف التوترات مع واشنطن، وتعزيز العلاقات الأكثر استقراراً مع الولايات المتحدة، من خلال عدد من المقومات والآليات، أبرزها ما يلي:
1- العلاقات الشخصية بين أردوغان وترامب: فعلى الرغم من الخلافات السياسية، حافظ الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” والرئيس المنتخب “دونالد ترامب” تاريخياً على علاقة شخصية، مع التواصل المباشر المتكرر. وقد سمح هذا الاتصال الشخصي لكلا الرئيسين بتجاوز البروتوكولات الدبلوماسية التقليدية لمعالجة القضايا العاجلة.
وبالتالي، قد يستغل “أردوغان” علاقاته الشخصية مع “ترامب” لتهدئة النزاعات أو الدفع نحو نتائج إيجابية في مناطق مثل سوريا أو القضية الكردية، وهو ما حدث بالفعل في فترة “ترامب” الأولى. ومع ذلك، فإن النفوذ الأوسع للإدارة الأمريكية وموظفيها المناهضين لتركيا قد يحد من قدرة “أردوغان” على تحقيق مبتغاه.
2- المساومة الاستراتيجية بشأن سوريا: إذا أعطى “ترامب” الأولوية لحل الصراع السوري بطريقة تتماشى مع مصالح تركيا، وخاصةً في الحد من الدعم الأمريكي للجماعات الكردية السورية، فقد يوفر هذا فرصة لتركيا لتخفيف التوترات. وبالفعل، من المرجح أن يعرض “أردوغان” حوافز دبلوماسية واقتصادية كبيرة، مثل المشاركة في الاستقرار المستقبلي لسوريا، لضمان توافق السياسة الأمريكية بشكل أوثق مع المصالح التركية، وربما أيضاً العمل على تحييد النفوذ الإيراني في سوريا. ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة، بما في ذلك الهجوم الذي شنته المعارضة السورية في حلب والديناميكيات المتغيرة بين سوريا وروسيا وتركيا، تقدم فرصة لتركيا للتوافق بشكل أوثق مع المصالح الأمريكية في المنطقة.
3- استمرار القيمة الاستراتيجية لتركيا في الشرق الأوسط: يمكن لتركيا أن تقترح مبادرات متعددة الأطراف جديدة، مثل تنسيق “رباعي” يضم الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والدول العربية، لحل النزاعات في سوريا. ويمكن أن يؤدي هذا التنسيق إلى تعاون أكبر بين الولايات المتحدة وتركيا، وخاصةً في مكافحة “داعش” وضمان الاستقرار في المنطقة، وكذلك مواجهة النفوذ الإيراني. فالتوترات بين “ترامب” وأنقرة قد تتراجع إذا رأى “ترامب” قيمة استراتيجية أكبر في العمل مع تركيا كحليف إقليمي يساعد في تحقيق الأهداف الأمريكية بالمنطقة.
كما أن عرض تركيا للتوسط بين المعارضة السورية وقوات النظام السوري، وهو ما ذكره وزير الخارجية التركي “هاكان فيدان” بعد اجتماعه مع نظيره الإيراني “عباس عراقجي” في محادثات طارئة في أنقرة بعد تجدد الاشتباكات بين المعسكرين، يضعها في موقف اللاعب البنّاء في حل الصراع. وهذا الدور قد يلقى صدى لدى الولايات المتحدة، خاصةً مع عودة اشتعال الحرب الأهلية في سوريا؛ حيث يواجه الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب” خيارات صعبة فيما يتعلق بوضع القوات الأمريكية هناك. وبالتالي، قد تجد إدارة “ترامب” المستقبلية التعاون مع تركيا نهجاً عملياً في إدارة الموقف دون تعميق الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، مما يقلل من الحاجة إلى التدخل العسكري الأمريكي المباشر.
4- مواجهة القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة: إذ إنه غالباً ما تفاقمت العلاقة المتوترة بين تركيا والولايات المتحدة بسبب الدعم الأمريكي للقوات الكردية في سوريا. ومع ذلك، فإن الوضع الحالي في حلب ومنطقة إدلب يوفر فرصة لتركيا للعب دور رئيسي في مواجهة النفوذ الكردي في سوريا. فمن خلال اتباع نهج أكثر تعاوناً مع الولايات المتحدة، يمكن لتركيا أن تعمل على ضمان عدم زعزعة الجماعات الكردية لاستقرار المنطقة، ويمكنها استخدام هذه الفرصة للتفاوض على دعم الولايات المتحدة في الحد من استقلال الفصائل الكردية السورية التي لها علاقات مع حزب العمال الكردستاني.
كما يمكن للولايات المتحدة أن تدعم جهود تركيا للتفاوض مع حكومة الأسد من أجل العودة الآمنة للاجئين إلى سوريا، وربما تقديم المساعدة المالية واللوجستية لجعل العودة أكثر قابلية للتطبيق، وهذا من شأنه أن يُعزز دور تركيا كشريك في معالجة الاستقرار الإقليمي.
5- التعاون الاقتصادي والتجارة بين الدولتين: على الرغم من أنه قد تستمر التوترات على صعيديها السياسي والعسكري، إلا أن ملف تزايد حجم التجارة يمثل هدفاً مشتركاً للجانبين الأمريكي والتركي، ويتضح ذلك من مؤشر حجم التجارة، الذي ارتفع من 20 مليار دولار في عام 2019 إلى 32 مليار دولار في عام 2023. وبالتالي، هناك إمكانية لمزيد من النمو، حيث يهدف الجانبان إلى الوصول إلى 100 مليار دولار في التجارة الثنائية في العقد المقبل. ويمكن أن يكون هذا التعاون الاقتصادي بمثابة جسر لتخفيف التوترات في مجالات أخرى.
6- إمكانية استفادة واشنطن من النفوذ التركي في آسيا الوسطى: يمكن لتركيا الاستفادة من نفوذها المتزايد في أوراسيا وموقعها الاستراتيجي لتقديم فرص للولايات المتحدة للاستثمار في مشاريع البنية التحتية الرئيسية، وخاصةً تلك التي تفيد الشركات الأمريكية التي تسعى إلى الوصول إلى سوق آسيا الوسطى، وطرق النفط في الشرق الأوسط.
7- احتمالية تهدئة التوترات بين إسرائيل وتركيا بعد انتهاء حرب غزة: يمكن أن تُعزى العديد من المواقف المتشددة للإدارة الأمريكية بشأن تركيا إلى الضغط القوي من الجماعات المؤيدة لإسرائيل. ومع ذلك، قد يحاول “أردوغان” موازنة ذلك من خلال تقديم علاقات محسنة مع إسرائيل، وخصوصاً إذا نجحت إدارة ترامب في إنهاء حرب غزة. وقد يكون تعزيز علاقات تركيا مع إسرائيل بمثابة تنازل قد تقدمه أنقرة من أجل تسهيل العلاقات الأكثر سلاسة مع الولايات المتحدة في عهد “ترامب”.
8- الاستجابة المشتركة لحرب أوكرانيا: في حين كانت علاقات تركيا مع روسيا معقدة، فإن النهج المتوازن الذي تنتهجه أنقرة تجاه حرب أوكرانيا -برفض الانحياز إلى أي طرف بشكل مباشر، ولكن الاستمرار في التعامل دبلوماسياً مع كل من روسيا وأوكرانيا- يقدم طريقاً محتملاً للتعاون مع الولايات المتحدة. ومن خلال الاستمرار في التوافق مع مواقف الولايات المتحدة بشأن حرب روسيا في أوكرانيا مع إدارة مصالحها الخاصة في المنطقة، يمكن لتركيا أن تعمل كوسيط دبلوماسي بين الشرق والغرب، وتكتسب تأييد الولايات المتحدة من خلال إظهار التزامها بأهداف تحالف الناتو الأوسع في مواجهة روسيا.
الخاتمة
وإجمالاً لما سبق، تنظر تركيا إلى اختيارات “ترامب” للإدارة الأمريكية الجديدة بعين الحذر والترقب، مما يفرض ضغوطاً على تركيا. ولكن ما زالت هناك فرص أمام أنقرة لإعادة معايرة سياستها الخارجية للتخفيف من حدة هذه التوترات. وسوف يعتمد تطور هذه التوترات على ما إذا كانت تركيا ستجري تعديلات استراتيجية للتوافق بشكل أوثق مع أولويات الولايات المتحدة وتخفيف التوترات مع حليفتها في الناتو، وخاصة في ضوء التحديات التي تواجهها تركيا على المستويين المحلي والدولي. والأكثر من ذلك، فإن نتيجة هذا التوازن الدقيق يمكن أن تشكل ليس فقط العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، ولكن أيضاً المشهد الجيوسياسي الأوسع في السنوات القادمة.
انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية