“سوريا بين حلم الثورة والدولة العميقةا”

المقال الأسبوعي ” زاوية حادة “

د. هشام عوكل، أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولي

حين اشتعلت الثورة السورية، ظنها البعض مجرد موجة عابرة، وسخر منها آخرون بأنها لن تُثمر سوى الوهم. لكن ذلك الحلم الذي استهانوا به، تطاول حتى صار يقينًا، وها نحن على أعتاب لحظة قد تحمل سقوط نظام بشار الأسد.

هذا السقوط، إن تحقق، لن يكون مجرد حدث سياسي، بل إيذانًا بانتهاء حقبة مظلمة حملت في طياتها عقودًا من القهر والاستبداد. فمن مجازر حماة وسجون تدمر إلى القصف الكيماوي في الغوطة، لم يكن التاريخ السوري سوى فصول من الألم والدماء. ومع ذلك، صمد الشعب، حالمًا بكرامة ضاعت تحت ركام الطغيان.

لكن الثورات، وإن بدت كوميض أمل، تحمل في طياتها مسؤوليات جسيمة. الثورة الحقيقية لا تكتمل بسقوط الطغاة فقط، بل بنجاحها في حماية مكتسباتها من أخطار متعددة. الثورة المضادة، بأشكالها المختلفة، تسعى دائمًا لتسلق أمجاد النصر وإعادة تدوير الاستبداد بوجوه جديدة. ولأن الدولة العميقة لا تذوب بسهولة، فإن اليقظة والحكمة واجبتان.

التحدي الأكبر هو في تحويل لحظة الانتصار إلى بداية للبناء، لا ساحة لتصفية الحسابات أو الانقسامات. شبح الحرب الأهلية يلوح في الأفق كلما انقسمت الرايات، وأي انحراف عن الوحدة الوطنية قد يقود إلى الفوضى. يجب أن تكون راية الوطن هي الوحيدة التي تظلّل الجميع.

– الفساد هو سرطان يجب استئصاله منذ اللحظة الأولى. الثورات ما تسقط فقط بسبب أعدائها الخارجيين، بل أيضًا بسبب الفساد الذي يتسلل إلى الداخل ويقوض أي جهود للبناء.

ولا يمكن الحديث عن الحرية دون الالتفات إلى فلسطين، تلك القضية التي تشكل نبض الشعوب العربية. فلا كرامة لسوريا إن تخلت عن هذا الجرح المفتوح، ولا حرية حقيقية دون الانتصار لحرية كل إنسان يعاني الظلم في المنطقة.

إن سوريا اليوم أمام مفترق تاريخي. الحلم الذي شكك به كثيرون أثبت أنه حقيقة، والطريق نحو الحرية، وإن كان مليئًا بالعثرات، هو السبيل الوحيد لاستعادة الكرامة والعدالة مع تحويل هذا النصر إلى فرصة لبناء لا إلى صراع داخلي. الحرب الأهلية شبح يهدد أي ثورة إن لم يتوحد الجميع تحت راية الوطن ما تحت رايات الفصائل المسلحة والانقسامات.

وفي النهاية، يجب ألا نغفل عن أعداء الداخل، أولئك الذين يتسللون تحت عباءة الثورة، يحاولون تفخيخها من الداخل. هؤلاء هم أخطر من الخصوم الظاهرين. الحل يكمن في التسامح، في تجاوز أحقاد الماضي، وفي وضع الأسس لبناء وطن جديد، وطن يليق بتضحيات الشعب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post ما هو مستقبل صناعة الأسلحة الأميركية في ظل تعهد ترامب بإنهاء الحروب العالمية؟
Next post سقوط نظام الأسد: انهيار بدون قتال