أبعاد المباحثات الفرنسية البريطانية لإرسال قوات إلى أوكرانيا

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_في ضوء احتدام الصراع بين روسيا وأوكرانيا في الآونة الأخيرة، على خلفية سماح الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى لاستهداف العمق الروسي، فضلاً عن مشاركة قوات من كوريا الشمالية إلى جانب القوات الروسية في الحرب، وتفاقم المخاوف المحدقة بشأن التداعيات السلبية المحتملة لعودة “ترامب” على كييف؛ أفادت صحيفة “لوموند” الفرنسية نقلاً عن مصادر مطلعة، بأن بعض حلفاء أوكرانيا الأوروبيين يناقشون “بصورة سرية” فكرة إرسال قوات غربية وشركات دفاع لدعم جهود كييف الحربية.

سياقات الحرب

يمكن القول إن ثمة دوافع متعددة للقوى الغربية للتباحث بشأن إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا، يمكن تناولها فيما يلي:

1- تجديد باريس طرح فكرة إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا: لا يُعد المقترح الفرنسي بإرسال قوات لدعم أوكرانيا حديث العهد بتصاعد التوترات في الوقت الراهن، حيث قد سبق وأثار الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” فكرة إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا خلال اجتماع بين حلفاء كييف في باريس في فبراير الماضي، ولكنه قوبل بمعارضة قوية من العديد من الدول الأوروبية وفي مقدمتهاألمانيا. ورغم تأكيد “ماكرون” أن هناك إجماعاً أوروبياً بعدم إرسال قوات للمشاركة في الحرب، بيد أنه أكَّد عدم استبعاد القيام بأي شيء للحيلولة دون انتصار روسيا في الحرب.

وفي هذا الإطار، أفادت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في 26/11/2024م، بأن هذا السيناريو لا يزال مطروحاً على الطاولة، واكتسب زخماً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، ولا سيَّما بعد زيارة رئيس الوزراء البريطاني “كير ستارمر” إلى فرنسا خلال احتفالات الذكرى 106 لنهاية الحرب العالمية الأولى؛ حيث أكَّد مصدر عسكري بريطاني في تصريحات للصحيفة أن فرنسا وبريطانيا تناقشان إنشاء مجموعة من الحلفاء في أوروبا للتركيز على دعم أوكرانيا والحفاظ على الأمن الأوروبي.

من جانبه، أكَّد وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لو دريان” في تصريحات صحفية في 22/11/2024م، أنه “لا توجد خطوط حمراء” عندما يتعلق الأمر بدعم أوكرانيا، مرجِّحاً السماح لكييف بإطلاق صواريخ فرنسية بعيدة المدى على روسيا في إطار “مبدأ الدفاع عن النفس”، دون توضيح ما إذا كانت الصواريخ الفرنسية قد استُخدمت سابقاً أم لا. وفي معرض سؤاله عن استعداد فرنسا للمشاركة في الحرب إلى جانب أوكرانيا، أكَّد أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، وأن الأمر لا يتعلق بأمن أوكرانيا فحسب، وإنما تقدم الجيش الروسي في أوكرانيا يضع الأمن الأوروبي برمته على المحك.

2- عودة “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض: يخشى القادة الأوروبيون من السياسة الخارجية المحتملة لإدارة “ترامب” تجاه أوكرانيا؛ حيث تؤكد كافة المؤشرات أنه سيتجه إلى تقليص الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا، ما يحد من قدرة كييف على مواصلة الحرب، الأمر الذي يعطي دفعة لروسيا لتنفيذ خططها للاستيلاء على الأراضي الأوكرانية واحتلالها بشكل دائم.

وتشير التقديرات إلى أن احتمالات توسط “ترامب” في اتفاق سلام بين موسكو وكييف يثير مخاوف الأخيرة، مع ترجِيح العديد من التحليلات احتمالية إجبارها على التنازل عن بعض أراضيها لروسيا، مع إمكانية ألا يضمن الاتفاق وقفاً دائماً لإطلاق النار، وإنما تحويل الصراع المحتدم إلى حرب منخفضة الشدة أو صراع مجمد، وذلك على غرار حرب دونباس عبر جبهة بطول 1200 كم، مع مواصلة روسيا ضرباتها الصاروخية وإطلاقها طائرات بدون طيار بصورة متكررة ضد المدنيين الأوكرانيين.

وفي هذا الإطار، يدرك القادة أهمية الاستعداد لقيادة ائتلاف أوروبي في أوكرانيا، وفك الارتباط مع واشنطن مع عودة “ترامب” للبيت الأبيض، ومحاولة الاستعاضة عن المساعدات الأمريكية بأخرى أوروبية، وإن كان هذا الأمر شديد التعقيد في الوقت الراهن سواء على مستوى العتاد أو إرسال قوات وشركات عسكرية.

3- انخراط جنود من كوريا الشمالية في الحرب الأوكرانية: رغم أن بيونج يانج تدعم موسكو عسكرياً منذ بدء الحرب، وهو ما تجلى في إمدادها روسيا بنحو 16000 حاوية شحن محملة بالذخيرة عام 2022، فضلاً عن دعمها في أروقة المنظمات الدولية، والتصويت لصالحها في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي؛ بيد أنها اتخذت مقاربة مختلفة في الآونة الأخيرة بموجب معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي وقعها الرئيسان “فلاديمير بوتين” و”كيم جونج أون” في يونيو 2024، والتي تضمنت التزامات بالدفاع المتبادل وتعزيز التعاون بين البلدين.

وفي هذا الإطار، أرسلت كوريا الشمالية قواتها لدعم روسيا على جبهات القتال مع أوكرانيا؛ حيث أشارت بعض المصادر الاستخباراتية إلى أنه تمّ نشر نحو 11 ألف جندي كوري شمالي في منطقة كورسك غربي روسيا كجزء من وحدة محمولة جواً ومشاة البحرية، وشارك بعضهم بالفعل في الحرب.

تحديات متزايدة

يمكن القول إن هذه التحركات الغربية تنطوي على عددٍ من التحديات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- رفض بريطانيا المقترح الفرنسي لدعم أوكرانيا: رداً على التقرير الذي نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية، أعلنت المملكة المتحدة أنها لن ترسل قوات لدعم أوكرانيا في الوقت الحالي؛ حيث أكَّد وزير الخارجية البريطاني “ديفيد لامي” أن بريطانيا لا تدرس حالياً إرسال قوات إلى أوكرانيا، وأنها ملتزمة بموقفها الثابت طويل الأمد بإبقاء قواتها “خارج مسرح الحرب”، وأن بلاده مستعدة لدعم الأوكرانيين في مجال التدريب فقط. من جانبه، أكَّد المتحدث باسم الكرملين “دميتري بيسكوف” أن تقرير الصحيفة الفرنسية لا يتسق مع الواقع، وقوبل بمعارضة واسعة النطاق في العواصم الغربية.

2- تحذير روسيا من اندلاع حرب عالمية ثالثة: رغم التحذيرات الروسية باحتمالية نشوب حرب عالمية ثالثة في حال السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى ضد روسيا، فإن إقدام كييف على هذه الخطوة، والتي أتبعتها بنشر صواريخ “ستورم شادو” التي زودتها بها المملكة المتحدة ضد أهداف روسية، دفع موسكو للرد بإطلاق صاروخ باليستي جديد متوسط ​​المدى ضد أوكرانيا في 21 نوفمبر 2024، وذلك بعد أيام قليلة من إضفاء روسيا الطابع الرسمي على تحديث العقيدة النووية رداً على التدخل الغربي المتزايد في أوكرانيا.

وهدد “بوتين” بأن موسكو “لها الحق” في ضرب أي دولة غربية تزود كييف بمثل هذه الأسلحة، وتعهد بمواصلة استخدام الصاروخ الجديد “في ظروف قتالية”، وهو ما يُشكل تهديداً لكلٍّ من أوكرانيا والغرب. وفي هذا الإطار، أكَّد رئيس الوزراء البولندي “دونالد توسك” دخول الحرب بين روسيا وأوكرانيا “مرحلة حاسمة”، وأن الانجرار إلى صراع عالمي أوسع نطاقاً بات وشيكاً.

3- تحفظ دول الناتو على التصعيد المباشر

رغم تأكيد حلف شمال الأطلسي اعتزامه الحد من الأعمال العدائية التي تقوم بها روسيا، والتصدي لقدرتها على القيام بأنشطة مزعزعة للاستقرار تجاه حلف شمال الأطلسي وحلفائه، أكَّد الناتو استعداده للحفاظ على قنوات الاتصال مع موسكو للتخفيف من المخاطر ومنع التصعيد المباشر مع روسيا.

وختاماً، أشار تقرير صحيفة “لوموند” إلى أن الإليزيه والقوات المسلحة الفرنسية، لم تعطِ بعد ضوءاً أخضر رسمياً في الوقت الحالي لإرسال قوات تقليدية أو مقدمي خدمات خاصة إلى أوكرانيا، ومن المرجَّح استمرار شركة Défense Conseil International (DCI)، المشغل الرئيسي لوزارة القوات المسلحة لمراقبة عقود تصدير الأسلحة الفرنسية ونقل المعرفة العسكرية ذات الصلة، في تدريب الجنود الأوكرانيين في أوكرانيا، ويمكنها أيضاً -إذا لزم الأمر- ضمان صيانة المعدات العسكرية الفرنسية المرسلة إلى كييف.

انترريجورنال للاتحليلات الاستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post احياء اليوم العالمي لمكافحة الفساد واعتماد الاستراتيجية الوطنية للرقابة على الأداء ومكافحة الفساد والوقاية منه 2025-2030.
Next post دوافع إدارة “بايدن” للإبقاء على القوات الأمريكية في سوريا