شرق أوسط ترامب: إعادة تدوير للأزمات أم توزيع جديد للأدوار؟
المقال الأسبوعي ” زاوية حادة “
د. هشام عوكل، أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولي
في الشرق الأوسط، حيث الصراع هو اللغة اليومية والهدوء لا يعني إلا بداية عاصفة جديدة، يأتي دونالد ترامب الرئيس القادم الى البيت الابيض 2025 وكأنه بطل هوليودي عائد من اعتزال مؤقت. لكن، قبل أن نبتسم بسخرية أو نفكر في مستقبل المنطقة مع “عودة ترامب”، علينا أن نسأل: هل تغيّر شيء في قواعد اللعبة، أم أن الشرق الأوسط مجرد مسرح دائم لإعادة تدوير الأزمات؟
غزة: شريط الأخبار الذي لا يتغير
غزة، هذا الشريط الحدودي الضيق الذي أصبح أيقونة للمعاناة والصمود، يبدو وكأنه عالق في زمن لا يتحرك. التهدئة؟ وقف إطلاق النار؟ صفقة إنسانية؟ لا جديد. غزة ليست سوى مسرح جانبي تُجرّب فيه القوى الكبرى مفاهيم مثل “الضغط”، “المفاوضات”، و”إدارة الصراعات”، بينما يُترك سكانها لمصيرهم اليومي بين القصف والعزلة ,والاحباط .
ترامب قد يُعيد طرح “صفقة القرن” بطريقة معدّلة، أو ربما لن يكترث أساسًا. ولكن الغريب هو استمرار التعاطي مع غزة وكأنها مشكلة يمكن تأجيلها، بينما تزداد المعاناة، وتصبح الكارثة الإنسانية أكثر تعقيدًا. أليس من المضحك (والبائس) أن الحصار نفسه صار أقرب إلى بند من بنود “التقاليد السياسية” في المنطقة؟
إيران: العدو المفضل أم الشريك المحتمل؟
في زمن ترامب السابق، كانت إيران العدو الأول بلا منازع. انسحاب من الاتفاق النووي، عقوبات اقتصادية، وتهديدات مستمرة. لكن اليوم، المشهد يبدو وكأن إيران تعيد صياغة دورها. في سوريا، تتراجع خطواتها، لكنها لا تختفي. في العراق، تظهر كحليف وحاضر دائم. وفي اليمن ولبنان، تظل فاعلة بشكل مباشر أو غير مباشر.
قد يكون ترامب مستعدًا لتصعيد جديد ضد إيران، لكن يبقى السؤال: هل تحتاج أمريكا حقًا إلى “عدو دائم” في المنطقة لتبرير حضورها؟ أم أن الدور الإيراني يتغير من “الخصم العنيد” إلى “الشريك المزعج” الذي لا يمكن تجاهله؟
تركيا: طموحات كبيرة في زجاج هش
أما تركيا، فهي أشبه بمن يحاول القفز فوق حبل مشدود. طموحات أردوغان في سوريا لا تخفى على أحد، لكن هذه الطموحات تصطدم دائمًا بحسابات أكبر منه: بين النفوذ الروسي، التحفظ الأمريكي، والغضب الأوروبي، تبدو تركيا وكأنها عالقة في مساحة رمادية بين كونها لاعبًا كبيرًا وطرفًا يفتقر إلى الدعم الحقيقي.
هل يمكن لتركيا أن تكون شريكًا إستراتيجيًا لترامب، أم أن العلاقة ستظل أشبه بزواج مصلحة قائم على الابتزاز والتنازلات؟
إسرائيل: البطل الوحيد على المسرح
إسرائيل، كالعادة، تبدو وكأنها اللاعب الوحيد الذي لا يخسر في هذه اللعبة. بدعم ترامب المطلق، استطاعت أن توسّع حدودها الدبلوماسية والجغرافية دون أي معارضة تُذكر. الجولان؟ صار “جزءًا من إسرائيل”. التوسع في الضفة الغربية؟ مجرد “أمر واقع”. وما تبقى من فلسطين؟ مجرد تفاصيل يمكن تأجيلها.
لكن، حتى إسرائيل ليست بمنأى عن تساؤلات المستقبل. كيف ستتعامل مع سوريا الجديدة؟ وما هي خططها تجاه إيران في حال قرر ترامب تغيير قواعد اللعبة؟
السلطة الفلسطينية: بقايا مشروع سياسي؟
السلطة الفلسطينية تبدو وكأنها عالقة في الزمن. المفاوضات متوقفة، والدعم العربي يتلاشى، بينما تزداد الضغوط الإسرائيلية والأمريكية لتحويلها إلى مجرد “وكالة خدماتية” تتعامل مع قضايا يومية دون أي بعد سياسي.
السؤال الأكبر: هل تستمر السلطة في هذا الدور، أم أنها ستنهار تحت وطأة الإحباط الشعبي والضغط الدولي؟
الخاتمة: شرق أوسط بلا أفق
الشرق الأوسط في عهد ترامب، وكما يبدو في كل العهود، ليس سوى مشهد ساخر متكرر. الشعوب تدفع الثمن، والقادة يعيدون ترتيب أولوياتهم، بينما تستمر الأزمات بلا حل. وربما تكون المفارقة الأكبر أن الجميع يعرف أن هذه اللعبة لن تنتهي، لكنهم يصرّون على لعبها بنفس الطريقة، وكأنهم ينتظرون معجزة لن تأتي