سوزان بن نصر
أنا ابنة هذه الأرض ، التي احتضنتني قبل أن أحتضنها ، أنا ظلّ نخيلها الممتد ، وجذور زيتونها الضاربة في عمق التاريخ .. والشاهدة على صبرها المتجذر ، وصمودها الذي لا ينكسر .
أنا صوت بحرها حين يزمجر وحين يهمس ، أنا ليبيا التي لا تسكنني فقط ، بل تسري في دمي ، تتغلغل في مسامي ، وتنبض في قلبي .
لا أختزلها في رمز ، ولا في ثورة ، ولا في راية تتبدل ، ولا في نشيد يتغير بين زمن وآخر .
أنا ابنتها كما كانت ، وكما ستكون ، أراها بعين التاريخ كله ، لا بعدسة انتقائية تختار ما يناسب المصلحة .
أنا ابنة هذا الوطن ، بوصلتي الأولى والأخيرة ، وامتداد التاريخ الذي كُتب بالدم لا بالحبر ، وبالمواقف والبطولات لا بالشعارات .
لم أخرج من فراغ رمادي ، ولم أكن يومًا على الحياد حين كان الوطن نداءً لا يقبل الصمت .
لم أصنع لنفسي تاريخاً على المقاس ، ولم أكن ممن يكتبون ما يروق للآخرين سماعه .
أنا ابنة هذه الأرض بكل ما فيها من تناقضات ، من مجد وانكسار ، من شعارات حفظناها عن ظهر قلب ، ومن حكايات تقطر وجعاً لكنها تظل ثابتة في الذاكرة كنقش على حجر .
لا أحد يزايد عليّ ، لا أحد يزايد على هذا الطريق الذي حفظ خطواتي ، على المدن التي شهقت أنفاسي الأولى ، ولا على الحكايات التي تسري في دمي كنشيد قديم .
لا أحد يزايد على هذا العشق ، على هذه الأرض التي لم أكن يوماً سوى ظلّها ، طفلتها التي كبرت في كنفها ، وفتاتها التي لم تعرف غيرها وطناً ، وامرأةً لم تزل تنظر إليها كما ينظر العشاق إلى نجمة بعيدة ، بعين ممتلئة بالرجاء والخوف معاً .
لا أحد يزايد عليّ ، لا أحد يزايد على تاريخ العائلة ، قبل أن يصبح الحديث عن الأصول والمواقف ساحةً للمزايدات ، وقبل أن يُختزل الوطن في أسماء وألوان .
فأرشيف التاريخ ليس ذاكرة تتلاعب بها الأيام ، بل هو مكتوب ومحفوظ ، نقشته المواقف قبل الكلمات ، قبل أن تتحول الحقائق إلى وجهات نظر ، وقبل أن يصبح الوطن قناعًا يرتديه البعض حين تقتضي الحاجة .
لم أتعلم الانحناء ، ولم أتعلم أن أغير موقفي كما تغيّر الريح اتجاهها .
ولم يكن الوطن يوماً بالنسبة إلى غنيمة في نزاع ، بل هو الحق الذي لا يقبل المساومة .
وهو الحقيقة الوحيدة التي لا تتغير ، الأرض التي تمشي تحت أقدامنا ، والدم الذي لا يُستبدل ، والتاريخ الذي لا يُمحى مهما حاولوا تشويهه أو سرقته ، باسم الثورة أو باسم النظام .
أنا ليبيا ، لا أنتمي إليها فحسب ، بل تسكنني كما أسكنها ، وسأظل على عهدها ما حييت.
و …يا ليبيايا_جنة
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_
Average Rating