حزب الشعب السويسري ومبادرة تقرير المصير
شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ تُطالب مُبادرة شعبية أطلقها حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) تحمل تسمية “مبادرة تقرير المصير” بِمَنح الأولوية للدستور الفدرالي على القانون الدولي. ووفقاً لِمُروّجيها، تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز الديمقراطية في الكنفدرالية، بينما يرى المعارضون لهذا المشروع أنه يضع حقوق الإنسان على المَحَك. لتوضيح هذه المبادرة، ووضع النقاط على الحروف، قامت swissinfo.ch بتلخيص أهم الأسئلة الدائرة حولها مع إجاباتها في دورته الربيعة الممتدة بين 16 فبراير و26 مارس الجاري، تُواصل الغرفة السفلى للبرلمان السويسري (بعد رفض مجلس الشيوخ لها يوم 13 مارس 2018) مناقشة المبادرة الشعبية التي تحمل تسمية “القضاء السويسري بدلاً من القضاة الغرباء” (والتي تسمى “مبادرة تقرير المصير” أيضاً)، التي أطلَقَها حزب الشعب السويسري اليميني المحافظ. وتهدف هذه المبادرة إلى تنظيم العلاقة بين القانون الوطني السويسري والقانون الدولي.
هل يعني تبنّي هذه المبادرة خروج سويسرا من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ؟ يُجادل المعارضون لهذه المبادرة بأن حزب الشعب إنما يستهدف الانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، الأمر الذي ينفيه الحزب اليميني المحافظ. وفي الواقع، لا ينص المشروع صراحة على وَضع نهاية للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، لكن في حال تعارضت إحدى الاتفاقيات أو المعاهدات الدولية مع الدستور الفدرالي، ينبغي على سويسرا تكييف هذه الاتفاقية وفق أحكام الدستور، أو الانسحاب منها إذا لزم الأمر. وعلى سبيل المثال، لو أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكمت بأن مادة حَظر بناء المزيد من المآذن المُدرجة في الدستور السويسري تنتهك حرية الدين التي تكفلها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فلا مناص في النهاية من انسحاب سويسرا من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان – لأن أي تعديل في هذه الاتفاقية غير وارد. مع ذلك، لا تُحَدِّد المبادرة الوقت الفعلي الذي يتعين فيه الانسحاب. وهكذا، لن يكون الخروج من الاتفاقية أمراً لا مفر منه – فهناك بلدان أخرى تتجاهل أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ببساطة.
هل يعني قبول المبادرة نهاية حقوق الإنسان في سويسرا؟
كلا. فمن جهة، تتطابق قائمة الحقوق الأساسية المُدرَجة في الدستور الفدرالي مع ماهو موجود في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان إلى حد كبير. ومن جهة أخرى، سوف يستمر العمل بسائر حقوق الإنسان المُبينة في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان (طالما لم يتم الانسحاب منها) في حالة حدوث نزاع، لأنهما خضعا للاستفتاء بالفعل. لكن مُعارضي المُبادرة يجادلون بأن قبولها من شأنه أن يُضعف حماية حقوق الإنسان، كما يرون أن تطبيق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لن يعود ممكناً في حالات معينة، أو أنه سيتم الخروج منها حتى، وبالتالي لن يكون بمقدور الشعب السويسري الوصول إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ. وحتى اليوم، كان للأحكام القضائية الصادرة عن هذه المحكمة تأثير كبير على القانون السويسري.
لم تخضع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لاستفتاء مُطلقاً. هل يمكن معالجة هذا الخلل الديمقراطي في وقت لاحق؟
من الناحية النظرية، يُمكن لسويسرا أن تنسحب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وتعيد التصديق عليها لاحقاً، من خلال عرضها للاستفتاء هذه المرة. لكن إمكانية تطبيق مثل هذا السيناريو بالفعل لا يتسم بالكثير من الواقعية.
ما هو الفرق بين المبادرة والمشروع المضاد؟
تهدف المبادرة لأن تكون الأسبقية من حيث المبدأ للقانون السويسري وليس القانون القانون الدولي، في حين يسعى المشروع المضاد إلى التمسك بإعطاء الأولوية الأساسية للقانون الدولي، مع السماح باستثناء واحد: ففي حال أعتمد البرلمان الفدرالي حكما يتعارض مع القانون الدولي لكنه لا ينتهك حقوق الإنسان، فسوف تلجأ المحكمة إلى تطبيق القانون الوطني. وهذا الأمر يتفق مع السوابق القضائية الحالية للمحكمة الفدرالية.
من هي الجهة التي تقرر إمكانية تقديم المشروع المضاد للناخبين؟
هذا القرار يعود للبرلمان السويسري. وكانت نتائج المناقشات التي جرت في مجلس الشيوخ [أو الغرفة العليا من البرلمان] بشأن هذه المباردة والمقترح المضاد لها في يوم الثلاثاء 13 مارس الجاري، قد أسفرَت عن رَفض مزدوج. وقد أوصى المجلس برفض كلا من المبادرة والمقترح المضاد، واقترح تقديم المبادرة للتصويت بدون المشروع المضاد.
كيف يتم تنظيم العلاقة بين القانون السويسري والقانون الدولي في الوقت الراهن؟
يتسم الوضع القانوني بالتعقيد في الوقت الراهن. فمن حيث المبدأ، يطبق القانون الدولي بشكل مباشر في سويسرا، ولا يتطلب تنفيذه اعتماد قوانين جديدة في البلاد. ومن الواضح أيضا بأن سويسرا مطالبة باحترام المعاهدات الدولية، وأن تتحمل – في حال إخلالها بتلك المعاهدات – العواقب الناجمة في العلاقات الدولية.ولا جدال بأن للقواعد الإلزامية للقانون الدولي (مثل حظر التعذيب والرق وشن حرب عدوانية) الأسبقية على جميع الأحكام القانونية الأخرى في سويسرا. لكن ما يحدث في حال وجود تعارض بين القانون الدولي “العادي” والقانون الوطني السويسري ليس واضحا تماماً. فالمحكمة الفدرالية العليا تترجم العبارات الغامضة الصياغة في الدستور السويسري بمنح الأولوية للقانون الدولي، لكنها مع ذلك تقبل ببعض الاستثناءات لصالح القانون الوطني؛ فعندما يعتمد البرلمان عن عمد قانوناً يتعارض مع القانون الدولي، تقوم المحكمة بتطبيقه – طالما أنه لم ينتهك حقوق الإنسان.
ما الذي سَيُعتبر جديداً في حال قبول المبادرة؟
هناك العديد من الجوانب التي ستُبقيها المبادرة دون تغيير، مثل الأولوية المطلقة للقواعد الملزمة للقانون الدولي، غياب المراجعة الدستورية للقوانين الفدرالية، بمعنى أن على القضاة الاستمرار في تطبيق القوانين الفدرالية، حتى وان كانت غير دستورية.
ما سيكون جديداً، هو أن الأولوية الأساسية لن تمنح للقانون الدولي، ولكن للقانون السويسري. وفي حالة التقاضي، سوف تظل القوانين الوطنية والقانون الدولي هي المعايير المعمول بها – وليس الدستور، وهو ما يحد من القانون الوطني مرة أخرى – شريطة أن تكون الاتفاقيات الدولية قد خضعت للاستفتاء. لكن المبادرة لا تجيب على السؤال عما إذا كان ينبغي على المحكمة في حالة وجود تعارض بين قانون وطني ومعاهدة دولية خضعت للاستفتاء، تطبيق القانون الوطني أو الدولي.والشيء الجديد الآخر، هو ضرورة مواءمة سويسرا للاتفاقيات الدولية أو الانسحاب منها في حالة حدوث تعارض بين الدستور الفدرالي والقانون الدولي.
كيف تقوم الدول الأخرى بتنظيم العلاقة بين القانون الوطني والمعاهدات الدولية؟
في فرنسا، تتمتع الاتفاقيات الدولية بالأسبقية على القوانين الفرنسية – شريطة التزام الأطراف المتعاقدة الأخرى بتطبيق الاتفاقيات. والأمر نفسه في هولندا، التي تكون فيها الأولوية للقانون الدولي. أما في المملكة المتحدة فالعكس هو الصحيح، حيث الأولوية للقانون البريطاني. وينطبق الشيء ذاته على روسيا، حيث قررت المحكمة الدستورية في عام 2015، أسبقية القانون الوطني على القانون الدولي.وفي ألمانيا – يتمتع القانون الدولي من حيث المبدأ بالأولوية على القوانين الوطنية، ولكن باستثناء واحد، يتعلق ببعض الاتفاقيات الدولية التي تنظم علاقات ألمانيا السياسية، أو المتعلقة ببنود في التشريعات الاتحادية، والتي تتطلب موافقة المجلس الاتحادي الألماني (الـ “بوندسرات”) وليس لهذه الاتفاقات أي أسبقية في التسلسل، وهي على نفس مستوى القوانين الألمانية العادية.وفي بعض البلدان الأخرى (بما في ذلك فنلندا والدنمارك)، لا يطبق القانون الدولي بشكل مباشر ما لم يتم تحويله إلى قانون وطني. وبعبارة أخرى، ينبغي دائماً تحويل اتفاقية دولية إلى قانون وطني، ولها بالتالي نفس مكانة القوانين العادية الأخرى في البلاد.
ما الذي سيعنيه قبول المبادرة بالنسبة لعلاقات سويسرا الدولية، ولاسيما مع الإتحاد الأوروبي؟
يخشى المعارضون للمبادرة من أن قبولها سوف يحيل سويسرا إلى طرف متعاقد غير موثوق به، بسبب عدم التزامها بالقانون الدولي. كما أن خروج الكنفدرالية من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان سوف يؤدي إلى تقويض صورتها بشكل خطير، ويرسل إشارة كارثية إلى دول أخرى. وفي حال عدم تنفيذها لأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قد تجد سويسرا نفسها في صراع مع مجلس أوروبا مما قد يعرضها لعقوبات ذات صلة.والأمر الذي سيتأثر بشكل خاص هو العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. وبحسب مناهضي المبادرة، قد يضطر المجلس الفدرالي (الحكومة السويسرية) إلى إنهاء الاتفاقيات الثنائية الأولى والثانية [المبرمة بين سويسرا والاتحاد الأوروبي] في حال فشلت المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن مبادرة الحدَ من الهجرة الجماعية.
كما يعتقد بعض المعارضين أن المبادرة تهدد نجاح سويسرا الاقتصادي، حيث تعتمد صناعة التصدير على الاتفاقيات الدولية التي تضمن وصول البلاد إلى الأسواق الخارجية.
ما الذي دفع حزب الشعب السويسري إلى إطلاق هذه المبادرة الشعبية؟
تزعم حملة “عامل الحماية – ” المناهضة لهذه المبادرة بأن المُروجين لها يهدفون إلى الخروج من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، دون الحاجة للتصويت على ذلك. لكن حزب الشعب يرد بأن المبادرة إنما هي رد على حكم المحكمة الفدرالية المثير للجدل، والقاضي بأسبقية جميع الاتفاقيات الدولية – وليس القواعد الملزمة للقانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان فقط – على القانون الوطني. وهو ما جعل الحزب السويسري المحافظ يهدف إلى وضع حدٍ لـ “نزع السلطة من أيدي الشعب السويسري”.
Swi