هو إنفصال أم إبتزاز ؟  

–    جاسم مراد

 

عودتنا القيادة الكردية على قراءة الاوضاع السياسية العراقية وفي المنطقة والاقليم بعقلانية وموضوعية ، بما يتصل بالمصلحة الوطنية الكردية خصوصا والعراقية على وجه العموم ، وما طرحته قيادة الاقليم مؤخرا بان الخامس والعشرين من الشهر القادم سيشهد الاستفتاء على تفكيك العلاقة مع الدولة العراقية ، وبالتالي تحقيق الانفصال التام عن جمهورية العراق كمؤسسات دولة ، وعن شعب العراق كعلاقات وطنية تاريخية ، وإقامة دولة أو دويلة أو كيان كردي مستقل ، هل يمكن ذلك في الوقت والمرحلة الراهنة ..؟

الشعب العراقي عموما ومنهم الكرد يخوضون معركة وطنية بالغة الاهمية ضد داعش ، ولم تنته هذه المعركة حتى لو تم تحرير الموصل ، فذيولها ومخلفاتها وتفريخاتها ستبقى لوقت ، واقليم كردستان العراق كما هو كل العراق متأثر ويتأثر بها ، فليس من المعقولية ان تستعجل قيادة الاقليم وتطرح فكرة الانفصال ، وهي المعنية بالكثير من الاستحقاقات في مواجهة الارهاب وتبعاته ، ثم إن اختلاطات الوضع العربي والاقليمي بدأت بافرازات خطيرة من حيث العلاقات بين الدول كاشقاء هذا من ناحية وبين دول الاقليم المجاورة لكردستان العراق من الناحية الاخرى ، فماهي العناصر في ضوء تلك الاختلاطات التي تعطي لقيادة الاقليم مشروعية الانفصال .. المتابعون لمجريات احداث المنطقة ، ولمواقف بعض الدول وفي مقدمتها امريكا ، تسعى لتفكيك الدول وشرذمة كياناتها واعادة رسم سايكس بيكو جديد ، لكن في واقع الحال ليست هذه الدول وحدها تقرر مصائر الشعوب ، ثم إن امريكا على وجه التحديد تهمها مصالحها ، وهي ليست بالضرورة أن تضحي بتلك المصالح في المنطقة مقابل اقامة كيان محصور بين الجبال ، فلا منفذ له على حدود ايران وكذلك سيكون محاصرا من تركيا ، ومن العراق سيكون غير مقبول على الاقل على المستوى الشعبي العربي ، ونعتقد إن القيادة الكردية اذكى من أن تقع في هكذا مطب ، وهي التي تدري وجودها الكردستاني اكثر من فيدرالية واقل بقليل من الكونفودرالية ، فرئيس جمهورية العراق كردي وربع وان لم يكن اكثر من الربع من الاكراد يحكمون في مؤسسات السلطة العراقية ، وكل السفارات هناك ممثلية لحكومة كردستان فيها ، وفوق هذا وذاك هناك استغلال كردي شبه تام لنفط شمال العراق ، بالاضافة لموارد منافذ الحدود والضرائب وغيرها ، فهل بامكان كردستان العراق ان تحصل على هذه الموارد مضافا اليها 17 بالمئة من الموازنه العمومية للدولة العراقية في حال الانفصال ، أم انها توضف كل ذلك وخزائنها للصراعات الداخلية والاقليمية والتدخلات الدولية .

لانعتقد هناك ضمانة لحقوق الاكراد وكل فصائل المجتمع ومكوناته الوطنية اكثر من الشعب العراقي ، وما يشاع ويطرح من افكار وسياسات اقل مايقال عنها تفريقية بغيضة منحازة للفكر العنصري يراد منها الانحياز نحو الكتلوية القومية بغية تحقيق مشاريع مضادة للعراق ككيان جامع عبر التاريخ الطويل . فالمراهنون على الدول لتحقيق مشاريع التقسيم لن يحصدوا سوى الخذلان والوقوع في دوامة الصراعات .

القارئون للتاريخ في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين يعرفون وعود الامبراطورية البريطانية للكرد ، وكيف خذلوهم عندما حققت بريطانيا اهدافها ، لقد اردنا التذكير بذلك بان الدول تسعى لمصالحها ، ولايعنيها ماتعانيه الشعوب بعد ذلك . لم يكن الشعب العراقي عنصريا البتة مثلما تتناوله بعض الاقلام الكردية ، الانظمة كانت جائرة فعليا على الكرد والعرب وكل المكونات . ولكرد تحملوا اضطهادا مضاعفا هذا صحيح ، ولكن كان الشعب العربي وقياداته الوطنية والعروبية والدينية كانوا مع الشعب الكردي وهناك العديد من الشواهد ، فلايجوز التعميم وطعن الشعب بالعنصرية. الدستور على علاته فهو ضامن للجميع ، فلايحق لكل طرف يريد أن يحقق مصالح ماليه وجغرافية يهدد بالانفصال . إن ازمة البلاد وكل الشعب العراقي هو بتركيبة السلطة المبنية على المحاصصة ، وهو هذا المرض الذي اصاب العراق بالوهن والضعف . إن قيادة كردستان تدرك ليس من الممكن على الاقل في المرحلة الراهنة انجاز مشروع الانفصال ، واقرب اصدقاء اربيل وهي حكومة اردوغان وقفت ضد هذا المشروع بالاضافة الى ايران وسوريا ، وماتريده حكومة كردستان حسب تقديرنا هو المزيد من ابتزاز سلطة بغداد ، ابتزاز مالي وجغرافي ، ومحاولة لتحقيق مشروع الكونفودرالية .. ان الديمقراطية مشروع حضاري تتعايش كل الناس في البلد الواحد في الاماكن التي تعيش فيها ، ولكن ديمقراطية العراق هي غير ديمقراطيات الدول المتحضرة ، فبعض الكرد يريدون طرد كل ماهو غير كردي وضم المدن والاراضي لكردستان فقط ، ومن يقف ضد هذا المنطق يعتبر شوفينيا عنصريا ، اما من يمارس تلك السياسات فله كل الحقوق . نحن بحاجة لمشروع وطني جامع والى تغيير في هيكلية السلطة والى انتخابات رئاسية مسؤولة عن ادارة الدولة والى قيادات حاكمة كفؤءة بناءة عيونها على البلد وقلبها حاضن لكل العراقيين وليس الى شخصيات حضورها في الدولة وايديها على جيوبها ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post لماذا تطالب إسرائيل بحل وتفكيك منظمة الأنروا ؟ – طالب قاسم ألشمري
Next post حرب الوكالة والقيادة من الخلف – هند ياس عطا