ترامب وإشكاليات فصل أطفال المهاجرين عن أهاليهم
شبكة المدار الإعلامية الأوربية…_واجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء النواب الجمهوريين في الكونغرس المنقسمين بين رغبتهم بدعم رئيسهم، وانزعاجهم الشديد من سياسته لفصل أفراد عائلات المهاجرين، ليكرر أمامهم تمسكه بمواقفه واقتناعه بصوابيتها. وتثير هذه الإجراءات التي صدمت العديد جدلا واسعا داخل البلاد وخارجها.فقد أوصت الإدارة الأمريكية عدم التسامح مع مسألة المهاجرين غير الشرعيين مطلع أيار/مايو الماضي. ومع أن القانون لا يزال نفسه، فإن السلطات كانت تفضل في السابق عدم احتجاز من يصلون مع عائلاتهم لتجنب فصل الأطفال عن أهاليهم ما دام لا يمكن سجن الأطفال.وقال ترامب في الكونغرس “لا أريد فصل الأطفال عن والديهم. عندما تعتقل الأهل بسبب دخولهم غير القانوني إلى البلاد، وهذا ما يجب فعله، عليك عندها أن تفصل الأطفال”. وتابع “لا نريد أن يتدفق الناس إلى بلادنا. نريدهم أن يأتوا من خلال عملية قانونية ونريد، في النهاية، نظاما قائما على الجدارة”.وكان ترامب قد غرد صباح الثلاثاء “في حال لم تكن لدينا حدود لن تكون لنا بلاد”، مضيفا “علينا أن نوقف على الدوام الأشخاص الذين يدخلون بلادنا بشكل غير شرعي”.الأرقام وحدها تكفي لتعبر عن وضعية الأطفال المفصولين عن أهلهم بعد تخطيهم بطريقة غير شرعية الحدود مع المكسيك، إذ بلغ عددهم 2300 منذ منتصف مايو/أيار حسب آخر الأرقام الصادرة الاثنين عن إدارة ترامب. لكن كان لانتشار صور الأطفال باكين وتسجيلات صحفية سرية لأصواتهم وهم ينتحبون بعد فصلهم عن ذويهم وقع الصدمة فهزت الرأي العام عبر العالم.ولم يقتصر التذمر من هذه السياسة المتشددة على المعسكر الجمهوري في الكونغرس، بل وصدر حتى عن أقرب المقربين له فحتى زوجته ميلانيا ترامب صرحت بأنها “تكره رؤية أطفال مفصولين عن والديهم”.من جهتها خرجت السيدة الأولى السابقة لورا بوش عن تحفظها المعهود فنددت “ببطش” هذه السياسة. فقالت إن ما يحدث “لا أخلاقي ويمزق قلبي”. ولم تتردد حتى في تشبيه صور أطفال المهاجرين، الذين ظهروا وهم مسجونون في أقفاص حديدية، بـ “صور مخيمات الاعتقال الأمريكية لليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية، والتي تعتبر اليوم وصمة عار في التاريخ الأمريكي”. وهي إشارة إلى 110 آلاف من المدنيين اليابانيين والأمريكيين من أصول يابانية الذين اعتقلوا في 1942 بعد هجوم بيرل هاربور في مراكز خاصة.وتقاسمت ميشال أوباما، زوجة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، تغريدة لورا بوش وأرفقتها بتعليق “الحقيقة تتجاوز الأحزاب”.أما المسؤول السابق في الـ”سي آي إيه” مايكل هايدن فذهب أبعد من ذلك فنشر على تويتر صورة بالأبيض والأسود عن مخيم أوشفيتز النازي وأرفقها بهذا التعليق “حكومات أخرى فصلت الأطفال عن أمهاتهم”.ومع تشديده الثلاثاء أمام الكونغرس على ضرورة محاربة المهربين، اتهم ترامب وسائل الإعلام بالتواطؤ معهم. ولا شك أنه يقصد موقع “بروريبوبليكا” للصحافة الاستقصائية والذي نشر التسجيل المسرب الاثنين لإسماع العالم صوت الأطفال المذعورين بعد إبعادهم عن أهلهم.وتابع أن “أولئك الذين يتقدمون بطلبات لجوء من خلال الوسائل القانونية لا تتم مقاضاتهم، لا تذكرهم أبدا وسائل الإعلام التي تنشر أخبارا كاذبة. إنها تساعد هؤلاء المهربين بشكل لا يمكن لأحد أن يصدقه”.العديد من كبار مسؤولي البيت الأبيض متمسكون أيضا بهذه السياسة تجاه الأطفال والقاصرين والتي تهدف إلى ردع الراغبين بالهجرة بطريقة غير شرعية فقال وزير الدفاع جيف سيسيونس “ما نفعله عادل. نحن نعتني بهؤلاء الأطفال”. وأضاف “لن نشجع الناس على جلب أطفالهم بمنحهم حصانة واسعة من قوانيننا”.ودعمت من جهتها وزيرة الأمن الداخلي كيرستن نيلسن في مؤتمر صحفي الاثنين هذا الخط مؤكدة أن الأطفال “يعاملون جيدا” وأن “الإشاعات” عن سوء تأطيرهم “كاذبة”. ويبدو أن بعض الإعلاميين والمحللين المحافظين يقفون في نفس هذا الصف على غرار الصحافية في فوكس نيوز لورا إينغراهام التي شبهت مراكز احتجاز الأطفال “بالمخيمات الصيفية” و”المدارس الداخلية”، في حين وصفت محللة الشأن السياسي الأمريكي الجمهوري آن كولتار أطفال المهاجرين بـ”الممثلين”.وقطع محتجون بصخب الثلاثاء عشاء كريستن نيلسن في مطعم مكسيكي في واشنطن غير بعيد عن البيت الأبيض وهم يرددون هتاف “عار عليك!”، تعبيرا عن احتجاجهم على سياسة الهجرة خصوصا وأن ترامب كان قد أثنى على عملها في هذا الملف عبر تغريدة مساء الثلاثاء.وفي تسجيل فيديو مدته حوالي عشر دقائق وضعته منظمة اشتراكية على عدد من شبكات التواصل الاجتماعي، يقول أحد هؤلاء المحتجين “الوزيرة نيلسن (…) كيف يمكنكم الاستمتاع بتناول طعام مكسيكي بينما تقومين بإبعاد وسجن عشرات الآلاف من الأشخاص الذين جاؤوا ليطلبوا اللجوء إلى الولايات المتحدة؟”.ويردد ناشطو منظمة “الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا” (مترو دي سي ديموكراتيك سوشاليستس أوف أمريكا) بعد ذلك “عار عار عار عليك!”.”.ويشار إلى أن الأمم المتحدة قد نددت بسياسة “غير مقبولة” و”قاسية”. كما استنكرت منظمة العفو الدولية “المعاناة النفسية الحادة التي تفرض عمدا على هذه العائلات” من أجل ردع عائلات أخرى عن الذهاب إلى الولايات المتحدة.ولا ينوي ترامب التراجع في مواجهة الجدل الذي أثارته إجراءات تفريق عائلات المهاجرين لكنه يدفع الجمهوريين الذين يأملون في وقف سيل الروايات المحزنة حول الأطفال، إلى تقديم نص يمكن أن يسمح بتسوية هذا الوضع، مع تفهم مطالبه وخصوصا تمويل بناء جدار على الحدود.ويحمل ترامب أعضاء الكونغرس كمشرعين مسؤولية العمل “على تغيير هذه القوانين السخيفة بشأن الهجرة التي مر عليها الزمن”. وسيدعو ترامب أمام الكونغرس الأعضاء الجمهوريين الذين يشكلون الغالبية في مجلسي النواب والشيوخ إلى التصويت ابتداء من الخميس على إصلاح لقوانين الهجرة.إلا أنه وأمام كثرة الخلافات بين الأعضاء فإن نتيجة التصويت لن تكون بالضرورة مضمونة لترامب. فمع إعلانهم من دون مواربة انزعاجهم لما يحصل للأطفال الذين يفصلون عن أهاليهم، فإن عددا من كبار ممثلي الحزب الجمهوري مثل السناتورين ماركو روبيو وتيد كروز أو الرجل الثاني للجمهوريين في مجلس الشيوخ جون كورنين، يؤكدون رغبتهم بإقرار قانون يتيح لأفراد العائلات البقاء معا بانتظار مثولهم أمام قاض للبت بأمرهم.لكن آخرين من كبار قادة الحزب الجمهوري لا يخفون اشمئزازهم من قرار ترامب، على غرار السناتور جون ماكين المعروف بمواقفه المنتقدة للرئيس. وكتب ماكين “إن السياسة الحالية الفظة (…) صفعة للمبادئ والقيم التي قامت عليها أمتنا”.والموضوع يصبح دقيقا أكثر مع سعي عدد من أعضاء الكونغرس لإعادة انتخابهم في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، عندما ستجري الانتخابات لجميع أعضاء مجلس النواب ولثلث أعضاء مجلس الشيوخ.وأمام هذا الاستحقاق الانتخابي وعلى غرار عادته في الأيام الأخيرة، اتهم ترامب الديمقراطيين مجددا بالمسؤولية عن الأزمة الحالية قائلا إنهم يعطلون أي إصلاح حول الهجرة في الكونغرس.وهاجم أعضاء ديمقراطيون في الكونغرس بشدة الثلاثاء إجراءات تفريق عائلات المهاجرين بطريقة غير شرعية في مواجهة نادرة في ممرات البرلمان بين برلمانيين والرئيس دونالد ترامب .وصرخ النائب الديمقراطي خوان فارغاس بينما كان ترامب يغادر اجتماع بحث الإصلاحات مع الجمهوريين “السيد الرئيس لديكم أبناء! لديكم أبناء! هل تحبون فصلكم عن أطفالكم؟”.واكتفى ترامب بالالتفات وإلقاء التحية وهو يبتسم أمام الكاميرات وراء نحو ستة نواب ديمقراطيين رفعوا صور أطفال يبكون ولافتات كتب عليها “العائلات يجب أن تكون معا”. وقال برلماني آخر “أوقفوا فصل الأطفال!”وأعلن الديمقراطي أندرو كومو وهو حاكم نيويورك الثلاثاء أن ولايته ستتقدم بشكوى ضد إدارة الرئيس الأمريكي بسبب فصل الأطفال عن ذويهم.من جهته حث المغني والناشط الإيرلندي بونو الثلاثاء أعضاء الكونغرس الأمريكي، الذي كان في زيارة ليشكر برلمانيين على تمويل برامج تنمية عالمية، على حمل ترامب على التخلي عن سياسة الهجرة هذه معتبرا أنها “مخالفة كليا للقيم الأمريكية”. وتحدث قائد فرقة “يو تو” مع برلمانيين جمهوريين وديمقراطيين في الكونغرس عن معاناة الأطفال.وأكد بونو “لقد تحدثت إلى الكثير من الجمهوريين. وهم يقولون إنهم يريدون إيجاد حل لكن يجب أن يتوقف هذا الأمر (…) هذا مخالف كليا للقيم الأمريكية”.وتثير سياسة الهجرة هذه انتقادات حادة خصوصا من قبل المكسيك. فقد دان وزير الخارجية المكسيكي لويس فيديغاراي الثلاثاء فصل عائلات المهاجرين غير الشرعيين معتبرا أنه “أمر وحشي وغير إنساني”. وقال “أريد باسم الحكومة والشعب المكسيكيين أن أعبر عن أكبر قدر من الإدانة لهذه السياسة الوحشية وغير الإنسانية”.وتابع “نوجه إنذارا إلى الحكومة الأمريكية على أعلى المستويات لإعادة النظر في هذه السياسة وإعطاء الأولوية لرخاء وحقوق الصبية الصغار والفتيات الصغيرات، بمعزل عن جنسياتهم أو وضعهم كمهاجرين”، مؤكدا أنه “لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي”.وفي كندا، قال وزير الهجرة أحمد حسين إن الكنديين “مصدومون” بسياسة تفريق العائلات، مؤكدا أن أوتاوا “تراقب” مدى احترام السلطات الأمريكية لحق اللجوء.وفي جلسة لمجلس النواب الفدراليين لمناقشة مسألة الإبقاء على الاتفاق الأمريكي الكندي حول “الدولة الآمنة الأخرى” المطبق منذ 2004، قال وزير النقل مارك غارنو أيضا إن “ما يحدث في الولايات المتحدة أمر غير مقبول”.ويقضي هذا الاتفاق بأن يقدم أي مهاجر طلب اللجوء إلى أول بلد يصل إليه سواء كان كندا أو الولايات المتحدة.وقال وزير الهجرة الصومالي الأصل “نحن مضطرون بموجب قانون حماية الهجرة لمراقبة احترام حق الهجرة من قبل الولايات المتحدة للتأكد من أن نظام الهجرة الأمريكي ما زال يحترم المعايير التي تسمح باعتبارها الدولة الآمنة الأخرى”.
فرانس24\